العدد 833 - الخميس 16 ديسمبر 2004م الموافق 04 ذي القعدة 1425هـ

كرامة الإنسان من أصول الحضارة العربية وفي العراق يتم استهدافها

الناطق الرسمي باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر رولان هوجانين في حوار سياسي اجتماعي:

على هامش ورشة العمل التي نظمتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن «الاعلام وتحديات الشرق... العمل الانساني»، التقت «الوسط» الناطق الاعلامي باسم الصليب الاحمر، السويسري الأصل، الانساني النزعة، رولان هوجانين، في حوار مفتوح يعرفنا فيه على دور المنظمة مروراً بتجربته الشخصية في العراق ولبنان وانتهاء بتجربته مع اللغة العربية التي ينطقها بطلاقة يحسده عليها الكثير من أبناء العربية هذه الأيام. وفيما يأتي نص الحوار:

ما هو الصليب الاحمر؟

- هي منظمة انسانية مستقلة، من أقدم المنظمات الانسانية، تأسست نهاية القرن التاسع عشر، وكان شخص سويسري شاهد معركة في إيطاليا، ولاحظ أن أحداً لا يهتم بالجرحى الذين ينزفون، فلا يهتم أحد بنقلهم أو إسعافهم. فأصيب بصدمة وأخذ يتحرك في أوروبا أيام الملوك، لاقناعهم بضرورة أن يكون هناك أحد مسئول عن رعاية الفكرة.

طبعاً هذه كانت البداية: العناية بالجرحى، وحصل على موافقة بعض الملوك والرؤساء لتوقيع اتفاق بينهم على إجلاء الجرحى والمصابين. انطلاقاً من ذلك تطورت الفكرة إلى وضع قوانين تنظم حماية الناس والضحايا أيام الحروب والأزمات. ثم تم توقيع اتفاقات أخرى بداية القرن العشرين لتشمل مواضيع إضافية، منها تحريم بعض أنواع الأسلحة مثل الاسلحة الكيماوية، وتعتبر هذه الاتفاقات جزءًا من القانون الدولي.

وما دورها على الأرض؟

- طبعاً توسع الدور بعد الحرب العالمية الثانية وأصبحت المنظمة تتدخل في النزاعات الكبرى. وعقد مؤتمر دولي بعد الحرب العالمية الثانية لتوقيع اتفاق جنيف، الذي جاء تتويجاً للاتفاقات السابقة. وفي العام 1949 تم توقيع أربعة اتفاقات تنص حرفياً على ضرورة وجود دولة ثالثة حيادية بين الدول المتحاربة تقوم بحماية مصلحة الضحايا. ونص الاتفاق على أن تشرف دولة أو منظمة دولية على تطبيقه، فأصبحت اللجنة الدولية للصليب الأحمر تتدخل في كل الحروب.

وهل منعت المنظمة اندلاع الحروب؟

- هدف الاتفاقات التخفيف من ويلات الحروب وآلام الضحايا وحل الازمات بشكل دبلوماسي. وكانت غالبية الدول بعد الحرب الثانية تحت الاستعمار، وبالتالي كانت غالبية الحروب حروب استقلال بين شعوب ودول استعمارية. وفي السبعينات عقد مؤتمر جديد ضم الدول حديثة الاستقلال وتم توقيع الملحقين الاضافيين لاتفاق جنيف، وبالتالي تقنين حق الشعوب في محاربة الاستعمار وحروب التحرير. ومنذئذ أخذت المنظمة تتدخل بصفتها الوسيط الحيادي في معظم الحروب بالعالم، ولعبت دور حماية الأسرى وتقديم المساعدات للجرحى وتأهيل المستشفيات بالتعاون مع المنظمات الدولية للصليب أو الهلال الأحمر.

ماذا عن موضوع شارة «الصليب» وما تطرحه من إشكال في ذهنية غير المسيحيين؟

- بداية تأسيس المنظمة، طرحت الدولة العثمانية استشكالاً على الصليب، وبعد طرحه في عدد من المؤتمرات الدولية تم الاتفاق على ترك الحرية لكل دولة في اختيار الهلال أو الصليب. وهناك بالمناسبة دول إسلامية مازال لديها صليب مثل تشاد، وربما اندونيسيا، لكن الاشكالية ليست جديدة، والمؤسسة ليست دينية وإنما عملها يقوم على فكرة انسانية من دون تمييز بين الأجناس والاديان.

ولكن ألا يسبب ذلك نوعاً من التشويش في موقف الشارع العربي أو الاسلامي من المنظمة التي تحمل اسم وشارة الصليب؟

- في الوطن العربي هناك تجارب تاريخية طويلة بالذات هنا في لبنان، إذ خدم الصليب الاحمر كثيراً أيام الحرب، وهو معروف لدى الاطراف المتحاربة كافة، واستطاع أن يساعدها جميعاً من دون تمييز ولفترة طويلة. وكان العمل الانساني حينذاك أسهل من الآن، وبالذات في العراق.

لماذا؟

- في العراق بالذات هناك احساس عام بسبب وجود القوات الاجنبية، أن كل ما هو غربي مشبوه أو متهم بأنه متعاون مع قوات الاحتلال، بينما المنظمة الدولية للصليب كانت موجودة منذ السبعينات وطوال فترة الحرب مع ايران، وطوال فترة العقوبات الاقتصادية وساهمت في الكثير من المشروعات حينها، كما في تصليح وصيانة محطات الكهرباء والماء، وتأهيل وإعادة البنى التحتية كالمستشفيات، وكان لها اثر واسع في أنحاء العراق. وكانت المنظمة الوحيدة الموجودة في بغداد، إذ غادرت الامم المتحدة العراق قبل يومين من الغزو.

لمست كمتابع نوعاً من الشعور بالفرحة لدى قطاعات من الشارع لدى اغتيال دوميللو قبل أكثر من عام؟

- حالياً الظروف المتوترة في العراق والهجوم الذي حصل على الأمم المتحدة والصليب الاحمر، وعدد من المنظمات الانسانية غير الحكومية أدى إلى وضع غير آمن أو مستقر، ما مثّل عائقاً كبيراً أمام العمل الانساني، وهذا يقلقنا والمتضرر بالدرجة الاولى هو الشعب العراقي الذي كان من حقه أن تصله المساعدات. الوضع هنا في لبنان لم يكن كذلك، فلم يكن مثل هذا الايذاء.

وماذا عن تجربتك الشخصية في هذا الميدان؟

- أنا أعمل حالياً في لندن، ولاحظت أن معظم علاقاتي الاجتماعية في الغربة مع عرب، فقد عشت معظم عمري هنا في لبنان، ودرست في بيروت، لذلك أحس أنني مازلت أعيش في هذا الجو الشرقي، فالذي تعود على الألفة والحميمية في الشرق يصعب عليه أن يعيش في الجو الغربي الذي يفتقر إلى ذلك.

ويجب التذكير بأن الفكر الانساني واحترام كرامة الانسان نابع من أصول الحضارة العربية، من ذلك خطاب الخلفاء الراشدين، والكثير من الكتب فترة انتشار الاسلام. معظمهم يذكرون: «لا تقطع شجرة، لا تقتل شيخاً فانياً...»، هذا جزء جوهري من الفكر في الوطن العربي، وهو يتماشى مع القوانين المعاصرة التي وضعت للحد من الوحشية في الحروب الحديثة. ولذلك حين نطالب بحق المدنيين أو الأسرى، فهي حقوق مكفولة أساساً للبشر منذ قديم الزمان، ولا نطالب بشيء دخيل أو جديد على هذا المجتمع. ومن المهم توصيل الرسالة إلى العالم المعاصر أن هناك اتفاقاً على عدم جواز التمييز بين الشعوب. وحين يقع انسان في الأسر فانه يبقى انساناً، لا فرق بين أن تكون بشرته بيضاء أو سوداء أو حتى خضراء! ولا يجوز أي تمييز ديني أو وطني أو جنسي. فإذا كنا نطالب باحترام القوانين في غوانتنامو فإننا نطالب باحترام المعتقلين في الدول الأخرى أيضاً، وللا يجوز اعلان أن فصيلة من المعتقلين مستثناة من تطبيق القانون الدولي كما في غوانتنامو.

أليست القضية قضية قوة وحكم القوي؟

- قد تستمر القوة لفترة إلى حين تفرض نفسها، ولكن في الأخير يجب أن نعمل من أجل انتصار الحق ولا يجوز أن نسكت على ظلم. وأنا زرت سجوناً كثيرة في فلسطين واليمن والجزائر والبوليساريو والعراق ولبنان أيام الحرب الاهلية.

بصفتك تجيد العربية، ماذا تقرأ بهذه اللغة؟

- ابتسم وقال: فقط أتابع الأخبار. وكنت أتمنى قراءة شيء بالعربي غير الاخبار المحزنة، فالوقت لا يتسع للمتابعة، ولكني أقرأ أحياناً الشعر.

وماذا عن الرواية العربية؟

- أحياناً كنت أقرأ رواية إذا كانت لها علاقة بالعمل الذي أقوم به مثل فلسطين. وعشت فترة طويلة في مصر وكنت أقرأ الروايات الجديدة حين تصدر.

وما هو الانطباع لديك بشأن أفضل كتاب عربي؟

- أخذ يفكر بالسؤال المباغت، ثم أجاب بدبلوماسية: معظمها كتب كلاسيكية، فقد قرأت طه حسين وأحمد امين، والتي تعبّر عن الارث العربي الاسلامي والقصص الشعبية...

وكيف تعلمت العربية بهذه الدرجة من الإجادة؟

- جئت إلى سورية لتعلم العربية في منتصف السبعينات، ثم دخلت الجامعة في لبنان.

وماذا عن الفارسية مثلاً؟

- كنت أتمنى لو أعرفها، فكنت أحلم أن أقرأ لحافظ وسعدي الشيرازي، لكني قرأت ترجمتهما.

وهل أنت متزوج؟

- ابتسم وقال بلغة تذكرنا بلغة الصوفيين الكبار: لا، فأنا أنظر إلى قضايا الدنيا على بعد، وما يشغلني هو الروحانيات وحقوق الناس.


هكذا نشأ الصليب الأحمر

تعود قصة نشأة الصليب الاحمر إلى الرابع والعشرين من يوليو/تموز العام 1859، إذ مرّ مواطن سويسري يُدعى هنري دونانت عبر «سولفرينو» في ايطاليا، وهي المنطقة التي كانت تجري فيها معركة بين الجيشين الفرنسي والنمسوي، وتأثر لمنظر آلاف الجنود الذين تُركوا على أرض المعركة ليُعانوا من نقص الخدمات الطبية، فناشد دونانت السكان المحليين لمساعدته في رعايتهم، وأصر على أن ينال الجنود من طرفي القتال الرعاية نفسها من دون تمييز.

وعند عودته إلى سويسرا، نشر كتابه «تذكار سولفرينو»، نادى فيه بإنشاء جمعيات للإغاثة في وقت السلم يعمل بها فريق تمريض يكون على استعداد للعناية بالجرحى وقت الحرب ومتطوعون يمكن استدعاؤهم للمساعدة في الخدمات الطبية التابعة للجيوش، على أن يتم الاعتراف بهم وحمايتهم بواسطة اتفاق دولي.

وكان تأسيس الصليب الأحمر في ذلك العام، وشارك في الحرب العالمية الأولى (1914 - 1918) وفترة ما بين الحربين (1918 - 1939) والحرب الثانية (1939 - 1945)

العدد 833 - الخميس 16 ديسمبر 2004م الموافق 04 ذي القعدة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً