تسري شائعات داخل الائتلاف الاشتراكي الأخضر بشأن زيادة عدد الأصوات الناقدة للسياسة الخارجية التي يعمل بها المستشار غيرهارد شرودر وخصوصاً أنه حسبما يشير الناقدون، لا يلتزم بالمبادئ عند عقد الصفقات، لكن شرودر يرفض هذه الانتقادات ويقول إنه يعمل في خدمة حقوق الإنسان وإنه لا يختلف في ذلك عن سلفه المستشار الراحل فيلي برانت. إذ عندما حطت طائرة المستشار في بحر الأسبوع الماضي في مطار بكين، وبينما انصرف غالبية أعضاء الوفد إلى النوم من عناء الرحلة الطويلة، سارع المستشار شرودر إلى أول محطة في زيارته للصين وكانت حضور حفل توقيع عقد لشراء 23 طائرة ركاب مدنية ومنشآت أخرى. في وقت لاحق جلس شرودر مع رجال أعمال ألمان في فندق «كمبينسكي» وراح أعضاء الوفد الاقتصادي يكيلون عليه عبارات الشكر والمديح.
في برلين انتظرت المعارضة وسياسيون ينتمون لحزب الخضر سماع كلمة انتقاد واحدة من فم المستشار لانتهاكات حقوق الإنسان في الصين، الأمر الذي لم يحصل وبدلا من ذلك وعد شرودر القادة الصينيين أن يفعل ما بوسعه لهدف رفع حظر بيع السلاح الذي فرضه الأوروبيون على الصين في يونيو/ حزيران العام 1989 بعد مجزرة الطلبة التي وقعت على إثر مظاهرة احتجاج مناهضة للنظام. عرض شرودر نفسه مرة جديدة لتهمة عدم الاهتمام بحقوق الإنسان حين يبرم الصفقات، لكن شرودر يقول إنه يعمل بسياسة واقعية بينما يشير ناقدون داخل الائتلاف الحاكم إلى أن السياسة الخارجية التي يعمل بها شرودر لا تتفق مع ما تم الاتفاق عليه عند وضع اتفاق الائتلاف في العام 1998 عقب الإطاحة بحكومة المستشار السابق هيلموت كول. ويقول الناقدون الذين ينتمون لحزب الخضر وأيضا للحزب الاشتراكي الديمقراطي الذي ينتمي إليه شرودر إن المستشار لم يعد يعير أهمية لحقوق الإنسان علما أن وزير الخارجية يوشكا فيشر الذي ينتمي لحزب الخضر قال في العام 1998 إن السياسة الخارجية الألمانية ستقوم على مبدأ الأخلاق عوضا عن الأرباح، لكن فيشر التزم الصمت حين اتخذت الحكومة الألمانية قرارا بتمديد ضمانات الحكومة للشركات الألمانية المصنعة لدبابات «ليوبارد» لبيعها إلى تركيا لهدف ضمان وظائف العمل في الشركات الألمانية. وقد نسي فيشر الكلام الذي قاله في البرلمان الألماني العام 1996 حين كان الخضر في صف المعارضة: لن ندفع الصين لاحترام حقوق الإنسان إذا ركزنا علاقتنا مع هذا البلد على الجانب الاقتصادي. وقال فيشر أيضا في ذلك، الوقت: حتى لو أن ثمن انتقادنا سياسة الصين حيال حقوق الإنسان سيؤدي إلى إلغاء الصفقات الاقتصادية فليحصل ذلك، إذ ليس هناك أهم من حقوق الإنسان.
بعد كل هذا الوقت يعمل المستشار بسياسة مغايرة تماما للسياسة التي تحدث عنها فيشر حين كان معارضا. يرى شرودر في الصين سوقا هائلة للسيارات الألمانية أما تأييده القوي لانضمام تركيا للاتحاد الأوروبي فيعود إلى قناعة شرودر بأن هذه الخطوة تعود بنفع كبير على الاقتصاد الألماني. غير أن شرودر ليس من صنف السياسيين الذين يصمتون على الاتهامات التي توجه إليهم. إذ قال إنه يعمل بالأسلوب الذي عمل به المستشار الاشتراكي الراحل فيلي برانت المتوفى العام 1992 ويشار إلى أنه مهندس سياسة الانفتاح على أوروبا الشرقية إبان الحرب الباردة. ففي ذلك الوقت سعى برانت إلى التفاوض مع عدد من حكومات دول المعسكر الاشتراكي وبصورة خاصة مع ألمانيا الشرقية. وفيما انتقدته الأحزاب المسيحية المحافظة في ألمانيا قال برانت إن هدف إقامة علاقات طبيعية مع هذه الحكومات يرمي إلى تحسين الأوضاع الحياتية لأبناء الشعب الألماني الشرقي وتسهيل إجراءات السفر بين الدولتين الألمانيتين. ويجد كثير من الاشتراكيين أن سياسة الانفتاح على الشرق التي تعرف باسم «أوست بوليتيك» ساعدت في نهاية المطاف على تحقق وحدة الألمانيتين.
إضافة إلى الصين يواجه شرودر انتقادات مستمرة بسبب علاقته الشخصية الوثيقة بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين والتي تشير إلى أن شرودر يلتزم الصمت حيال حرب روسيا في الشيشان وبدلا من انتقادها فإن شرودر يلقي تصريحات توحي بأنه يحمي بوتين. على سبيل المثال حين جرت انتخابات الرئاسة في الشيشان (على الطريقة الروسية) في أغسطس/آب الماضي صرح شرودر خلافا لآراء دولية بأنه لم يشعر أن هذه الانتخابات لم تكن نزيهة. وأشار شرودر إلى رأي مماثل حين جرت الانتخابات العامة في أوكرانيا. ويقول أحد كبار المسئولين في الحزب الاشتراكي الديمقراطي إن شرودر واثق من أن التحديث الاقتصادي في روسيا سيعبّد الطريق أمام نجاح الديمقراطية في روسيا.
بالنسبة إلى تركيا أيضا لا تصدر عن شرودر انتقادات لانتهاكات حقوق الإنسان. منذ عامين تقول برلين إن تركيا أصبحت دولة نظيفة لا تحصل داخل سجونها ممارسات تعذيب. وبينما حدد شرودر موقفه حيال علاقته بالصين وروسيا وتركيا فإن نائبه ووزير الخارجية، فيشر، يوحي دائما بأن موقفه يختلف عن موقف شرودر الحالي. حين تعرض فيشر لانتقادات سارع إلى الرد على منتقديه بالإشارة إلى خبرين لوكالة الأنباء البريطانية(رويترز) نشرا بعد زيارتيه لموسكو وبكين وفيهما أن فيشر تعرض في تصريحاته الصحافية لموضوع حقوق الإنسان. غير أن موقف شرودر لا يحظى برضا واسع داخل حزبه وخصوصاً في أوساط أعضاء البرلمان الشباب الذين وقعوا بياناً مشتركاً يدعو المستشار إلى العناية بحقوق الإنسان، لكن هذه الخطوة لم تكن كافية لإقناع شرودر بالتراجع عن سياسته. وهو ماض في عقد العقود الاقتصادية مع الصين بصورة خاصة لقناعته أنه يضمن وظائف العمل في ألمانيا. خلال زيارته الأخيرة إلى بكين طلبت المراسم الألمانية إزاحة صورة لرئيس وزراء ألمانيا الشرقية السابق أوتو غروتيفول من قاعة سيزورها شرودر كي لا تظهر في التلفزيون وتثير مشاعر عند الألمان الشرقيين. وحين تم إبلاغ شرودر الذي يشعر أن الحملة الانتخابية للعام 2006 قد بدأت في ألمانيا، قال إنه مستعد لأن يظهر في الصورة مع أي شخص حتى مع لينين وماركس طالما أنه ينتهج سياسة تقود إلى توفير وضمان وظائف عمل في ألمانيا
العدد 833 - الخميس 16 ديسمبر 2004م الموافق 04 ذي القعدة 1425هـ