ندوة مركز البحرين لحقوق الإنسان (المنحل) في 24 سبتمبر/ أيلول الماضي كانت تصب في الاتجاه الصحيح لولا ما حدث في آخرها وغيّر مجرى الحوار من الفقر وطرق معالجته إلى موضوعات أخرى. وكانت الندوة عقدت بعد يوم واحد من الندوة التي عقدها مجلس التنمية الاقتصادية في 23 سبتمبر برعاية سمو ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة، وعرض فيها فيلمان وحقائق عن الفقر والبطالة تفوق محتوياتهما ما تم عرضه في ندوة الفقر التي عقدها المركز. ويعتبر سمو ولي العهد من اكثر مسئولي المنطقة جرأة في الحديث عن مشكلات الوطن.
«الحلقة المفرغة للفقر» لها عدة جوانب وعوامل. فمن جانب هناك ضعف الحافز على الاستثمار وبالتالي نقص رؤوس الأموال وضعف الإنتاجية وانخفاض مستوى الدخل ومن ثم ضعف القوة الشرائية للمستهلكين.
ومن جانب آخر هناك ضعف المقدرة على الادخار ونقص رؤوس الأموال وهما يؤديان أيضاً إلى ضعف الإنتاجية وانخفاض مستوى الدخل.
الحقوقي عبدالنبي العكري يتحدث عن الفقر ويقول: «تتجه السياسة الرسمية لمملكة البحرين إلى التوافق مع المعايير الدولية فيما يتعلق بها بصفتها عضوا في المجتمع الدولي، وحقوق المقيمين على ارضها مواطنين ووافدين. ويردد كبار المسئولين في الدولة ان مملكة البحرين ملتزمة بالمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الانسان. اذا كانت مثل هذه التصريحات تقابل سابقا باللامبالاة سواء من قبل شعب البحرين او الرأي العام، فان هذه التصريحات يجب ان تؤخذ بالجدية والتدقيق والمحاسبة في ظل المشروع الاصلاحي المعلن، والذي دعمه الشعب بقوة للخروج بالبلاد من نفق الأزمة المعروفة، وفتح الطريق امام تحول حقيقي يقود الى مملكة دستورية».
من هذا المنطلق صدقت مملكة البحرين على عدد من المواثيق والعهود الدولية المتعلقة بحقوق الانسان مثل اتفاق حقوق الطفل، اتفاق مناهضة جميع اشكال التمييز، اتفاق مناهضة التمييز ضد المرأة، وبعض الاتفاقات المتعلقة بالعمل وحرية العمل النقابي، على رغم بعض التحفظات على هذه الاتفاقات والعهود وتطالب القوى الحية في المجتمع والمنظمات الحقوقية وغالبية منظمات المجتمع المدني بانضمام مملكة البحرين الى باقي الاتفاقات الرئيسية وفي مقدمتها العهدان الدوليان (العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية)، واتفاق مناهضة الاتجار بالبشر واتفاق استخدام الاطفال في النزاعات المسلحة والبروتوكولات الملحقة به والمنظمة لمراقبة تنفيذها، واشراك مؤسسات المجتمع المدني في وضع وتنفيذ ومراقبة الخطط والبرامج الكفيلة بتنفيذ هذه العهود والاتفاقات، ومشاركتها في وضع التقارير الرسمية والموازية عن تنفيذ هذه العهود والاتفاقات الى مراقبة الهيئات الدولية المناط بها مراقبة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية.
كما تعتبر الاعلانات العالمية على رغم عدم الزامها قانونياً، أنها ملزمة معنويا لمملكة البحرين بصفتها عضوا في الاسرة الدولية وفي مقدمتها الاعلان العالمي لحقوق الانسان، واعلان كوبنهاغن 1995 عن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، واعلان بكين 1995 عن حقوق المرأة واعلان القاهرة عن الحق في السكن. واعلان ديربان 2001 عن مناهضة جميع اشكال التمييز. وتصدر هذه الاعلانات عن مؤتمرات الامم المتحدة والتي تضم عادة الدول الاعضاء في الامم المتحدة ووكالات الامم المتحدة المتخصصة والمنظمات غير الحكومية الأهلية والمنظمات والهيئات الاقليمية والدولية المعنية.
وأشار العكري إلى الحقوق الاقتصادية والاجتماعية في الدستور البحريني، إذ أوضح أن الدستور يتضمن عدة مواد تنص على ضمان الدولة للعدالة والمساواة والتضامن الاجتماعي وتكافؤ الفرص، ومسئوليتها عن تأمين الحقوق الأساسية للمواطن ومنها الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مثل الحق في العمل والضمان الاجتماعي والسكن، كما تضمنت حماية الدولة للمال العام والمصادر العامة والبيئة.
وفي خطابه أمام ورشة العمل الموسعة في 23 سبتمبر عن سبل ايجاد هيكلة وإصلاح سوق العمل في البحرين، قدم سمو ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة حقائق مؤلمة عن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والسكنية والمعيشية للمواطنين في البحرين، منها ما يأتي:
أكد الحاجة إلى الإصلاح الاقتصادي الشامل وأن يكون محور اهتمام الحوار الحقيقي الوطني الموسع وأنه شرط لعملية الإصلاح الشامل.
وقال سمو ولي العهد: لا أريد أن أرى النجاح الاقتصادي يمر على مواطنينا ولا يحظون منه بفرصة ولا نصيب.
وقال: لا أريد أن أشهد مواهب الشباب تهدر لأنهم لم يجهزوا لمواجهة واقع الاقتصاد في بلادنا.
وقال ان هناك مواطن عاطل من بين كل ثمانية.
وقال إن كثيراً ممن نجحوا في الحصول على وظيفة يحصلون على رواتب ضعيفة وان متوسط الأجور التي يتسلمها البحرينيون انخفض بنسبة 16 في المئة خلال السنوات العشر الأخيرة.
وزشار سموه اى انه تمت معالجة بعض المشكلات الاقتصادية من قبل بعض الجهات بالطريقة العشوائية والتضارب.
كما وقدم سمو ولي العهد رؤية بديلة تتمثل فيما يأتي:
- يجب أن يكون المستقبل مختلفا.
- يجب أن تكون للبحرينيين الأولوية.
- يجب تنشيط القطاع الخاص.
- يجب تطوير نظامنا التعليمي إلى أعلى مستويات الامتيازات.
- وقال سموه: لا أعتقد من الصواب أن يظل 1 من بين 8 بحرينيين عاطلاً عن العمل وأن تذهب وظيفتان من كل 3 وظائف جديدة إلى العمالة الوافدة.
- وأكد سموه: إن إصلاح سوق العمل أمر ضروري ولكنه ليس كافياً لأن التحدي الحقيقي أمام الاقتصاد البحريني هو كيفية النهوض به إلى أعلى مستويات القيمة المضافة. وأن تركز البحرين على أن تكون الأفضل وليس الأرخص.
تقرير ماكينزي
استند سمو ولي العهد في تقييمه واستنتاجاته إلى التقرير الذي أعدته المؤسسة الاستشارية ماكينزي بتكليف من ولي العهد وهو الوثيقة التي طرحت أمام الورشة التي ترأسها ولي العهد وحضرتها أكثر من 150 شخصية من وزراء وكبار المسئولين واقتصاديين ورئيس وأعضاء من مجلسي الشورى والنواب، وممثلون عن منظمات المجتمع المدني بما في ذلك اتحاد العمال وغرفة التجارة والجمعيات السياسية ورجال أعمال في 23. سبتمبر الماضي.
لاشك في أن تقرير مؤسسة ماكينزي يقدم صورة خطيرة عن أوضاع سوق العمل في البحرين ومستقبلها، والذي نوقش من قبل المشاركين في الورشة في حضور كبار مسئولي المؤسسة، وأهم ما جاء فيها:
1- إن نسبة البطالة في أوساط البحرينيين حالياً تتراوح ما بين 13 و16 في المئة لكنها سترتفع إلى 35 في المئة العام 2013 إذا لم يجر إصلاح جذري للاقتصاد ولسوق العمل.
2- خلال العقد المقبل وحتى 2013 سيدخل سوق العمل 100 ألف مواطن، لكن قدرة الاقتصاد الحالي بوتيرة نموه الحالية لا تستوعب إلا ثلث قوة العمل الحالية، فالمطلوب إصلاح الاقتصاد وسوق العمل ليستوعب هذه الأعداد المتزايدة. ولذا فانه من المحتمل ان يحل علينا العام 2013 ونجد ان لدينا 70 ألف عاطل عن العمل وهو أمر خطير جدا.
3- في ظل أوضاع سوق العمل الحالية، فإن ثلثي الوظائف الجديدة في القطاع الخاص تذهب إلى العمالة الأجنبية.
4- إن 67 في المئة من الوظائف التي سيحصل عليها البحرينيون في القطاع الخاص متدنية الأجور أي لا مستقبل لارتفاع مستوى دخول غالبية المستخدمين.
5- انه على رغم نمو الاقتصاد الوطني وتوسعه فإن غالبية البحرينيين لن يستفيدوا من هذا النمو لا بتأمين وظائف ولا دخول جيدة بل العكس هو الصحيح، مزيد من البطالة ومزيد من تدني مستوى المعيشة. وأكد سمو ولي العهد أن معدل أجور البحرينيين في القطاع الخاص انخفض بمعدل 16 في المئة خلال العقد الماضي، بينما رواتب معظم موظفي القطاع الحكومي مجمدة.
البحرين ليست بلدا ثريا مقارنة بسكانه ومساحته ولكنها متوسطة الغنى أي ليست فقيرة فهي دولة منتجة للنفط والغاز (نحو 180 الف برميل يوميا) ومركز تجاري ومالي ناجح ويقدر الدخل العام المباشر (GDP) بـ 8 مليارات دولار (3 مليارات دينار). وبحسب تقديرات وزارة المالية للعام الماضي فإن معدل دخل الفرد السنوي مواطناً أو مقيماً في حدود 12 الف دولار (4,44 آلاف دينار).
إلى ذلك، قال العكري: يمكننا الاستشهاد بتصريحات المسئولين انفسهم وتقارير الجهات الاستشارية التي تستعين بها حكومة البحرين مثل شركة ماكينزي ومركز البحرين للدراسات والبحوث وتقارير المنظمات الدولية غير الحكومية، والمؤسسات المالية الدولية مثل البنك الدولي ومراكز بحثية رصينة مثل وحدة الايكنوميست للدراسات (EIU) كما يأتي:
أ- إن هناك ظلما شديدا في توزيع الثروة الوطنية.
1- بالنسبة إلى الدخل فقد صرح وزير العمل والشئون الاجتماعية مجيد العلوي في مقابلة مع «الوسط» بتاريخ 19 سبتمبر/ أيلول 2004 بأن هناك 34 الف بحريني يحصلون على اقل من 200 دينار شهرياً وكل من هؤلاء يعول عائلة من 5 أشخاص على أن الآلاف منهم يحصلون على اقل من 100 دينار في حين ان اكثر من دراسة استشارية تؤكد ان الحد الادنى للأجر لأسرة بحرينية من بولدين هو 370 دينار بحريني بافتراض وجود شخصين عاملين في الأسرة لتحقيق حياة لائقة.
ان هناك تفاوتات هائلة في معاشات موظفي الدولة والامتيازات التي تحظى بها القلة. وحذا اعضاء مجلس نواب الشعب حذو كبار الموظفين في الامتيازات.
وباستثناء 25 في المئة من عائلات البحرين إذ يعمل ما معدله شخصان في العائلة، فإن المطلوب من رب عائلة يحصل على ما بين 100 و200 دينار يعول 5 أفراد أي أن نصيبهم من الدخل الفردي لهذه العائلات يتراوح ما بين 20 و40 ديناراً.
السكن
هناك ما يزيد على 35 الف طلب لدى وزارة الأشغال والإسكان لخدمات اسكانية من قرض او بيت اسكان او ارض. والعجز واضح بين الطلب وما تقدمه وزارة الأشغال والاسكان علماً بأن مساحة البحرين تبلغ 711 كيلو متر مربع ويستخدم حالياً ما مساحته 117 كيلو متر مربع للاسكان والاعمار والمشروعات والمرافق، في حين ان ثلثي ملكيتها خاص لافراد او للدولة لاغراض خاصة وهذا يعني تكدس غالبية المواطنين في بيوت ضيقة وتكدس غالبية
العدد 838 - الثلثاء 21 ديسمبر 2004م الموافق 09 ذي القعدة 1425هـ