الحذر الدفاعي، شح الأهداف، أفول النجوم، الفوفوزيلا إضافة إلى أخطاء التحكيم الفادحة كانت العلامة الأبرز للمونديال الإفريقي الذي انتهى لصالح الإسبان، وليعانق المنتخب الأحمر عنان السماء كونه نقش نجمته الذهبية الأولى إضافة إلى أنه أصبح أول فريق أوروبي يفوز باللقب العالمي خارج حدود القارة العجوز، فهنيئاً لإسبانيا ومحبيها بهذا الإنجاز التاريخي.
إذا ما استعدنا ذكريات المونديال قليلاً، فإننا سنجد فعلاً أنه كان كارثة حقيقية على مستوى التحكيم، فلم تكد تمر مباراة دون أن يرتكب فيها الطاقم التحكيمي هفوات كانت في بعض الفترات قاتلة، ولعل البداية الفعلية لتلك الهفوات كانت بطرد ميروسلاف كلوزه في مباراة ألمانيا وصربيا نتيجة حصوله على البطاقة الصفراء الثانية، تلا ذلك إلغاء هدف صحيح للفريق الأميركي في مباراته ضد سلوفينيا (انتهت بالتعادل 2/2) بداعي التسلل، واحتساب هدف من وضعية التسلل للفريق النيوزيلندي ضد إيطاليا (انتهت بالتعادل 1/1)، ثم ارتفعت حدة السقطات، فاحتسب الحكم هدفاً للبرازيل (ضد ساحل العاج) رغم أن لويس فابيانو لمس الكرة مرتين بيده، وجاءت الطامة الكبرى في مباراة الإنجليز والمانشافت (ثمن النهائي) بعدم احتساب هدف كان سيغير مجرى المباراة للإنجليز، فرغم ولوج الكرة المرمى بمسافة واضحة إلا أن الحكم ومساعده لم يحتسبا الهدف، وفي ذات اليوم تم احتساب هدف من وضعية تسلل واضح للأرجنتيني تيفيز ضد المنتخب المكسيكي، وهذا كله غيض من فيض الأخطاء التحكيمية المريعة في هذا المونديال، والتي تعود في معظمها إلى الضغط النفسي الكبير الواقع على بعض الحكام، كما لا تخلو بعض تلك الأخطاء من سوء تقدير أو تمركز للحكم نفسه، والذي قد تتأثر قراراته أحياناً وفقاً لاسم ووزن فريق أو لاعب ما، فكم من حالة تسلل لم تحتسب نتيجة التمركز الخاطئ للحكم المساعد، وكم من مخالفة احتسبت من نسج الخيال.
قد يكون الاتحاد الدولي محقاً في رأيه بخصوص إبعاد التكنولوجيا عن تحكيم مباريات كرة القدم، ولكن ماذا عن تلك التكنولوجيا في بقية المجالات المتعلقة باللعبة، فنحن نتابع التقنيات المتطورة في النقل التلفزيوني من كاميرات متطورة، كما أن تصميم معدات وألبسة اللاعبين تعتمد بشكل كبير على التقنيات والدراسات الحديثة للوصول إلى أفضل النتائج، وأبلغ مثال على ذلك هي كرة (الجابولاني) الخاصة بهذا المونديال، والتي تم تصميمها بشكل مغاير تماماً عن الكرات السابقة، وبغض النظر عن نجاح هذه الكرة أو فشلها، فإنها تبقى ثورة تقنية في عالم تصميم الكرات، وحتى الحكام أنفسهم باتوا شبه ملزمين بالاستفادة من التقنيات الحديثة خلال تحكيم المباريات، حيث اعتدنا على منظر جهاز الاتصال بين الحكم ومساعديه، فلماذا الإصرار إذاً على عدم الاستعانة بالتكنولوجيا بشكل أكبر في هذا الجانب؟
هناك عدة توجهات واقتراحات بخصوص إدخال التكنولوجيا، ولكني أرى أن أقرب تلك التوجهات للتطبيق هو الاعتماد على التصوير التلفزيوني، وهو ما يعمل به بالفعل في دوري كرة السلة الأميركي إضافة إلى معظم بطولات التنس الأرضي، وهو ما ساهم بالفعل في تحسين المستوى العام للحكام واللعبة، ويمكن الاستفادة من هاتين التجربتين لتصحيح مسار التحكيم الحالي لكرة القدم، فمثلاً يمكن منح كل فريق فرصتين في كل شوط ليطلب اللجوء إلى الصورة التلفزيونية التي ستحسم صحة احتجاجه من عدمها، فإن كان الاحتجاج سليماً، يتم تعديل القرار التحكيمي ويحتفظ الفريق بفرصته، وإن كان خاطئاً فإن القرار التحكيمي سيثبت صحته وفي ذات الوقت يخسر الفريق إحدى فرص تحدي قرار الحكم، وذلك على غرار ما نراه في عالم التنس.
ماهر الملاح
العدد 2869 - الأربعاء 14 يوليو 2010م الموافق 01 شعبان 1431هـ