يدلي الناخبون الفلسطينيون الأحد المقبل بأصواتهم لانتخاب رئيس للسلطة الفلسطينية وسط حملة محلية وعربية ودولية أكدت رغبتها في أن يكون الفائز في الانتخابات، المرشح محمود عباس "أبومازن" ليقود مرحلة ما بعد ياسر عرفات، إذ يرى مراقبون أن المرحلة الانتقالية في السلطة الفلسطينية سارت بصورة حسنة حتى الآن، على رغم تصاعد عمليات المقاومة الفلسطينية وممارسات القمع والقتل والتوغل الذي تقوم به قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة يعتبر رسالة واضحة تماما تذكر بمدى هشاشة الوضع قبيل الانتخابات. وتقول مجموعة الأزمات الدولية في تقرير لها أنه في الوقت الذي تبدو فيه العملية بمثابة بداية صحية، إلا أن الوضع حساس جدا ينتظر فيه الخصوم الذين جرى قمعهم أول زلة قدم للقيادة الجديدة لكي يعيدوا تأكيد وجودهم. كما ينبغي ألا ينخدع المرء بجو حسن النية والوئام بشأن مسألة الإصلاح الفلسطيني وفك الارتباط الإسرائيلي في قطاع غزة. ويقول مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا روبرت مالي إنه في الوقت الذي يرحب فيه بالدعم الدولي للإصلاح الفلسطيني إلا أنه ينبغي ألا يكون ذلك على حساب عرقلة خطوات يتعين اتخاذها في الوقت نفسه على الجبهة السياسية لئلا تفقد القيادة الفلسطينية الجديدة بسرعة ما قد تحصل عليه من شرعية نتيجة الانتخابات. والشرعية التي يسعى أبومازن للحصول عليها عبر الانتخابات تحيط بها الشكوك، إذ تعتقد مصادر فلسطينية كثيرة أن انتخابات رئيس السلطة تم الاتفاق على تفصيلها لتكون على مقاس مرشح الخارج أكثر منه مرشح الداخل الذي لم يحز في أول استطلاع للرأي بعد غياب عرفات سوى على اثنين في المئة. وترى هذه المصادر أن هذا دفع بالتيار المهيمن في السلطة الفلسطينية إلى تزوير الانتخابات مسبقا قبل أن تبدأ، وساهمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في هذا من خلال اعتداءات جنودها على بعض المرشحين والتسهيلات التي تقدمها للمرشح أبومازن في التنقل وعقد اللقاءات الجماهيرية فيما تحظر ذلك على منافسيه. وتشير المصادر ذاتها إلى أن دول الجوار الفلسطيني تساهم هي الأخرى في حملة تزييف لوعي الشعب الفلسطيني لصالح أبومازن.
وتقارن هذه المصادر بين ما كانت تطالب به أميركا عرفات بضرورة إجراء انتخابات تشريعية وليست رئاسية وبين ما تدعو إليه الآن من انتخابات رئاسية وليست تشريعية، فقد كانت واشنطن و"إسرائيل" متأكدتان من فوز عرفات في الانتخابات الرئاسية لذلك وقفتا ضدها حتى لا تمنح عرفات شعبية جديدة من خلال الانتخابات، كما يقول الرئيس السابق للجنة الانتخابات المركزية الفلسطينية علي الجرباوي، وواشنطن وتل أبيب الآن متأكدتان من فوز معارضي التسوية الإسرائيلية الأميركية في المجلس التشريعي لذلك فهما ضدها. المنحنى الأخطر كما يقول خبراء فلسطينيون تمثل تغيير المعيار الانتخابي بشكل مشبوه ومريب، بمعنى الناخب الذي يحق له التصويت، إذ أصدر المجلس التشريعي المنتهية صلاحيته من سنوات، والمفترض أنه يعمل بشكل مؤقت، والذي لم يستطع تغيير أي قانون أو محاسبة أي من الفاسدين، أصدر هذا المجلس قرارا يعتبر أن السجل المدني إلى جانب سجل الناخبين الابتدائي هو المحدد لسجل الناخبين، وعلى رغم أن الأمر قد يبدو منطقيا وواقعيا، ولكن لنعود بالذاكرة قليلا إلى الوراء لنستذكر رفض اللجنة المركزية للانتخابات وبشكل قاطع ومستمر اعتماد السجل المدني كمصدر مكمل للسجل الانتخابي تحت مسميات وأسباب سبق تناولها بالتفصيل منها قصور السجل وعدم تحديثه وغياب البعض خارج الوطن.
الأسلوب الذي اتبعه المجلس التشريعي في إقرار هذا التعديل في جلسة واحدة بالقراءات الثلاث خلافا للعرف الجاري، وخلافا لروح القانون، سيؤدي حتما إلى خلل واضح في إدارة العملية الانتخابية، واعتماد السجل المدني يزيد إمكان التلاعب في كشوف الناخبين. هذا التغيير من شأنه أن يصعب الإجراءات الفنية لعملية الاقتراع، وعملية المراقبة عليها ويضر ويشكك في نزاهتها وشفافيتها، ويمكن أن يعطي حق الاقتراع لأشخاص خارج الوطن أو أشخاص توفوا ما يتيح فرصة للتلاعب في الاقتراع. أيضا السجل المدني غالبا ما تكون العناوين الواردة فيه قديمة وغير محدثة ما يصعب عملية التعرف على مكان الاقتراع، ويوفر إمكان أن يصوت المواطن في أكثر من مركز اقتراع، والقيام بالتصويت أكثر من مرة، كما أن السجل المدني لا يشمل مواطني القدس وآلاف الفلسطينيين ممن لا يحملون بطاقة هوية.
ويؤكد هؤلاء الخبراء أن الهدف من هذا التغيير المفاجئ، وسلقه بهذه الطريقة في المجلس التشريعي وفي جلسة واحدة بعد إقفال باب الترشح والتسجيل ليس له سوى إجابة مقنعة واحدة وهي الاستعداد للاحتمالات كافة، وإبقاء الباب مفتوحا لتغيير النتيجة لضمان وصول المرشح الأوحد، وأية طريقة ستكون أفضل من تشويش السجل و"خربطته" وصعوبة تحديد الخلل إن حدث لتصبح النتيجة أمرا واقعا. كما أن هناك مسألة البرنامج الذي يخوض أبومازن على أساسه الانتخابات ويسعى إلى تطبيقه كرئيس للسلطة؟ ولا يقدم أبومازن مثل هذا البرنامج، غير أن التصريحات التي أدلى بها والتي تعبر عن مواقفه "التاريخية" في تسوية الصراع العربي الإسرائيلي والتي أبرزها اتفاق أوسلو الذي كان أبرمه في العام 1993 بموافقة من عرفات مع الإسرائيليين، هي نقاط برنامجه الحقيقي.
ويرسم مسئول فلسطيني طلب عدم الإفصاح عن هويته صورة سوداوية للتركة التي سيرثها أبومازن إذ هي في أفضل الحالات ستكون عقبة في وجه التقدم. ويقول إن من بين عناصر التركة، أموال ضائعة وخزينة فارغة وعصابات متناحرة وشعب مقسم وقيادة لا ترقى لمستوى شعبها ومسلوبة الإرادة وواجهات أمنية وسياسية وإدارية فاسدة، وهياكل فارغة من دون دورة دموية، وحلم بدولة قابلة للحياة لا يتحقق، وقدس مستبعدة من التفاوض وحل لا يعيد للاجئين حقوقهم بعودتهم إلى وطنهم. ويعمد أبومازن في سياق مسعاه للحصول على التأييد والدعم وخصوصا داخل حركة فتح وبسطاء الشعب الفلسطيني للإعلان أنه يسير على خطى عرفات وأنه متمسك بالثوابت الوطنية. ومن أجل ترتيب الأمور لصالحه فقد جرى توزيع المسئوليات داخل اللجنة المركزية لفتح مناصفة ولكن بطريقة شكلية بينه وبين فاروق قدومي، خلافا للنظام الأساسي للحركة. وتقول مصادر فلسطينية إن مسألة الثوابت بالنسبة إلى أبومازن متغيرة، فحتى موضوع التزامه بحق العودة للاجئين الفلسطينيين فإنه يعرف هذا الحق على أساس القرار 194 وعودتهم إلى مناطق السلطة فقط، وليس على أساس تنفيذ القرار نفسه الذي ينص على عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم والتعويض لهم. أما بالنسبة إلى الثوابت الأخرى التي تعتبر الوحدة الوطنية في مقدمتها فإن سياسات أبومازن لا تشير أبدا إلى تمسكه الفعلي بالوحدة الوطنية، إذ يتصرف منذ رحيل عرفات بتفرد ومن دون الاتفاق مع الفصائل الأخرى
العدد 853 - الأربعاء 05 يناير 2005م الموافق 24 ذي القعدة 1425هـ