قال محللون ومصرفيون إن دول الخليج العربية لا ترغب وغير قادرة في فك الارتباط بين عملاتها والدولار الأميركي لأسباب سياسية واقتصادية مع أن سعر صرف الدولار مقابل العملات الأجنبية سيستمر ضعيفا بسبب العجز الكبير في الموازنة وتراجع النشاط الاقتصادي في أكبر دولة في العالم اقتصاديا.
وأضافوا يقولون إن دول الخليج تخسر نحو 35 في المئة من دخلها من النفط بسبب تراجع سعره، وهو الأمر الذي يؤثر كذلك على ميزان المدفوعات لأن معظم واردات دول الخليج تحتسب بعملات أخرى غير الدولار.
مصرفيون قالوا إنه على رغم تحسن الدولار الأميركي الأسبوع الماضي قليلا فإنهم لا يرون سببا رئيسيا لتحسنه وأن سعره سينخفض مرة ثانية وربما إلى مستويات لم يصل إليها من قبل وخصوصا إذا أظهرت بعض المؤشرات الاقتصادية الأميركية تراجعا في الربع الأول من العام الجاري.
وكان الدولار صعد قليلا في الأسواق العالمية ليبلغ 1,31 مقابل اليورو وهي العملة الأوروبية الموحدة الأسبوع الماضي بعد أن هبط إلى 1,35 مقابل اليورو.
وأبلغ أحد المصرفيين المخضرمين "الوسط" بقوله: "ليس هناك سبب لكي يتحسن سعر صرف الدولار. فالعجز في الموازنة يتوقع أن يصعد إلى أكثر من 600 مليار دولار في العام 2005 وأعتقد أن الدولار سيظل ضعيفا في الفترة المقبلة".
وعلى رغم ضعف الدولار فإن دول الخليج العربية لا تستطيع التحول إلى سلة عملات رئيسية كما كان يجب بدلا من التمسك بالدولار الأميركي كمثبت لعملاتها بسبب "أن العم سام لن يسمح لها بذلك"، في إشارة إلى الولايات المتحدة الأميركية وهيمنتها على المنطقة.
وترتبط دول الخليج بعلاقات اقتصادية كبيرة مع واشنطن وتسعى هذه الدول في الوقت الحالي إلى عقد اتفاقات اقتصادية حرة معها كما فعلت البحرين التي من المنتظر أن تدخل اتفاق منطقة التجارة الحرة معها في العام الجاري بعد تصديق الكونغرس الأميركي عليها.
وتوضح أرقام رسمية في البحرين أن مجموع صادرات المملكة غير النفطية إلى الولايات المتحدة الأميركية في العام 2003 بلغت نحو 107 ملايين دولار، بينما بلغ استيراد المنامة من واشنطن 71 مليون دولار في الفترة نفسها. كما بلغت الصادرات البحرينية إلى واشنطن 21 مليون دولار في الربع الثالث من العام الماضي.
كما ترتبط جميع عملات دول الخليج الست وهي البحرين والمملكة العربية السعودية وقطر ودولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عمان والكويت بالدولار الأميركي. ومن المنتظر أن تعمل دول الخليج بعملة موحدة بحلول العام 2010 كجزء من جهودها لتوثيق العلاقات الاقتصادية بين المجموعة.
ويقول اقتصاديون إن العملة الموحدة ستكون مربوطة بالدولار الأميركي لفترة وجيزة ولكن من الأفضل أن يتم ربطها بسلة من العملات الرئيسية الأخرى مثل اليورو والين الياباني وخصوصا أن دول الخليج تستورد معظم حاجاتها من هذه الدول، إذ بلغت واردات البحرين من اليابان 156 مليون دولار في العام 2003 بينما صادرات المملكة إلى اليابان بلغت 24 مليون دولار في العام نفسه.
كما يتم تسعير النفط الذي تصدره هذه الدول إلى الأسواق العالمية بالدولار الأميركي وهو الأمر الذي يفقدها نحو 35 في المئة من دخلها بسبب ضعف الدولار. وتعتمد معظم دول الخليج على دخل صادرات النفط الذي يصل في بعضها إلى نحو 90 في المئة. ومعظم نفط دول المنطقة يذهب إلى السوق الأميركية.
ويقول مصرفيون إنه على رغم ذلك فإن اقتصادات دول الخليج تنمو بشكل مستمر وتشهد المنطقة ازدهارا بفضل صعود أسعار النفط إلى أكثر من 40 دولارا للبرميل أي بارتفاع قدره 35 في المئة تقريبا عن أسعار العام 2003 وسيستمر هذا الازدهار لفترة غير قصيرة بسبب نمو الطلب العالمي على النفط.
وأفصحت بعض دول الخليج عن زيادة بلغت مليارات الدولارات في موازناتها بسبب ارتفاع أسعار النفط بدلا عن العجز الذي لازم اقتصاداتها طوال فترة طويلة نتيجة عدم التوافق بين الدخل والإنفاق وكنتيجة مباشرة لتراكم ديون بسبب ثلاثة حروب شهدتها منطقة الخليج في غضون عقدين.
ويعزى ارتفاع أسعار النفط إلى زيادة الطلب وخصوصا من الصين وبقية الدول الآسيوية التي تشهد نموا كبيرا. ويبدو أن بكين نجحت في سياسة التصدير إذ صعدت في العام 2004 بنسبة تبلغ نحو 30 في المئة.
الباحث الاقتصادي حسين المهدي ذكر أن "اعتماد القطاع النفطي في الخليج بشكل خاص على تكنولوجيا المعرفة -و التي تتركز أساسا في يد الشركات الأميركية بما في ذلك الخبرات في مجال الاستكشاف والتنقيب والإنتاج والتسويق ناهيك عن المعدات والمسوحات الجوفية هو من ضمن الأسباب التي تحد من قدرة دول الخليج على فك الارتباط بالدولار".
كما يرى الاقتصادي عادل آل صفر أن معظم الاستثمارات العربية التي تقدر بالمليارات بالدولار الأميركية وخصوصا تلك طويلة المدى وقناعة المستثمرين بأن الدولار هو العملة المناسبة بسبب خبرتهم في مجال الاستثمار وقوة الدولار عند بدء المحافظ هو كذلك كم الأسباب التي تمنع التخلي عن العملة الأميركية.
غير أنه قال إنه بسبب المتغيرات "يجب أن تكون هناك خطة طويلة الأجل للتخلي عن الدولار أو أية عملة أخرى عندما تشعر الدول أو المستثمرون أن العملة المرتبط بها بدأت في التذبذب والتراجع وعليهم الانتقال إلى سلة من العملات مثل العملة الأوروبية اليورو واليابانية الين بهدف توزيع المخاطر التي تنتج عن تقلب أسعار العملات".
بعض المحللين يرون أن الدولار لا يمكن أن ينهار على أية حال بسبب أن واشنطن لن تسمح بذلك لأنه يمثل قوتها وهيبتها كأكبر دولة في العالم والمهيمنة على اقتصاده ولكن الدولار سيبقى عند مستويات متوسطة ما لم يطرأ حدث طارئ.
وأبلغ أحدهم "الوسط" أن الولايات المتحدة الأميركية تستورد الكثير من المنتجات الصينية الرخيصة وتعتبر بكين القوة الاقتصادية الثانية في العالم تليها الهند وأن الصين يمكن أن تشكل تهديدا في المجال الاقتصادي للولايات المتحدة إن هي سحبت استثماراتها
العدد 859 - الثلثاء 11 يناير 2005م الموافق 30 ذي القعدة 1425هـ