ما لم تخف إلى حد كبير حدة اعمال العنف المتفشية فإن أية حكومة تفرزها انتخابات العراق في الأسبوع المقبل ستجد صعوبة في توفير فرص العمل والرخاء الذي يتوق اليه العراقيون.
ويمكن ان يؤجج استمرار غياب الأمن وعدم الرضا ازاء البطالة وسوء الخدمات والركود الاقتصادي القلاقل ويزيد عدد من يقبلون على الانضمام الى المسلحين.
ووعدت الأحزاب الرئيسية المشاركة في الانتخابات التي تجري في الثلاثين من يناير/ كانون الثاني بتوفير فرص عمل والإنفاق بسخاء على إعادة بناء البنية التحتية التي دمرتها عقود من الحرب وعقوبات الأمم المتحدة الصارمة.
ولكن من دون استقرار فليس في وسع العراق عمل الكثير لتطوير اقتصاده وصناعة النفط. ويقول مسئولون ان ايرادات النفط ستنفق عوضا عن ذلك على الأجور والدعم وقوات الأمن.
وقال كبير اقتصاديي البنك المركزي مظهر صالح قاسم لـ "رويترز": "ستواجه الحكومة جدول أعمال اقتصادي معقد". وقال: "أضر التخريب بصادرات النفط على رغم ان ارتفاع أسعار النفط يعوض الفاقد من الإنتاج. القطاع الصناعي يعمل بالكاد. ينبغي على العاطلين الاختيار بين التحول الى الإجرام أو الانضمام إلى قوات الأمن التي تقاتل المسلحين".
وفشل الاقتصاد العراقي في التعافي منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في مارس/ اذار ،2003 إذ أصاب غياب الأمن خطط إعادة البناء الطموحة بالشلل وأبعد معظم المقاولين الأجانب ومنع الكثير من نظرائهم العراقيين من المشاركة.
وتشير الحكومة المؤقتة الحالية التي تدعمها الولايات المتحدة إلى أن نسبة البطالة تصل إلى 28 في المئة على الأقل.
ويشن مسلحون عازمون على عرقلة انتعاش الاقتصاد في فترة ما بعد الحرب هجمات يومية على منشآت نفطية ومحطات كهرباء والعاملين في مشروعات إعمار معظم تمويلها أميركي.
وقطعت الهجمات طرق الإمداد الرئيسية عبر الأردن وتركيا وحول بغداد وأدت إلى أزمة في الوقود والكهرباء وفقد إيرادات نفط بمليارات الدولارات.
وتبلغ صادرات النفط 1,5 مليون برميل يوميا، أقل بمقدار مليون برميل يوميا عن العام .1990
وزاد الدخل ولكن ذلك يرجع بصفة أساسية إلى أن سلطة الاحتلال التي قادتها الولايات المتحدة استغلت إيرادات النفط في زيادة الأجور. وارتفع الدخل السنوي لأن سلطات الاحتلال التي تقودها الولايات المتحدة استخدمت عائدات النفط في زيادة المرتبات.
وزاد متوسط دخل الفرد إلى ألف دولار من 300 دولار خلال الفترة التي فرضت فيها الأمم المتحدة عقوبات على العراق من 1990 إلى .2003 وكان الدخل السنوي للفرد 4 آلاف دولار في العام 1979 وهو العام السابق على بدء حرب السنوات الثماني مع إيران.
وقال قاسم عن ارتفاع دخل الفرد: "لا يعني ذلك نموا اقتصاديا حقيقيا".
ويمتلك العراق ثاني أكبر احتياطيات نفطية بعد السعودية وإمكانات اقتصادية ضخمة، غير أن استغلالها يتطلب إشاعة الهدوء، ما يسمح بثبات صادرات النفط وتدفق معونات أجنبية من دون صرفها على الأمن والتأمين.
وحتى إن تحقق ذلك، يقول محللون إن الحكومة الجديدة ينبغي أن تتجنب إغراء إنفاق أموال النفط على محسوبيات سياسية. واقترح رئيس قطاع تمويل شركات الشرق الأوسط في بنك اتش. اس. بي. سي. كريم سويد أن يحذو العراق حذو الكويت وأبوظبي بتحويل نسبة من إيرادات النفط إلى صندوق استثمار مستقل.
وقال سويد: "يجب عدم السماح بأية محاباة. تشكيل هذه الوكالات ضروري لإبقاء المال المدخر بعيدا عن السياسة ولتوفير الأمان للأجيال في المستقبل". وألمح إلى أن قطاع النفط يمكن أن يحتذب الاستثمار الأجنبي من خلال أنظمة البناء والتشغيل ونقل الملكية إلى الدولة. وقال سويد لـ "رويترز": "في ضوء قوة الشعور القومي في العراق فإن كل شركة تحصل على امتياز ينبغي أن تحتفظ بحصة لشركة النفط الوطنية وتستعيد الشركة الأصول بعد انتهاء فترة الامتياز. يمكن أن يبدأ "الاستثمار" في الغاز قبل النفط إذا كان قطاع النفط مثار جدل كبير".
ويدرك القائمون على التخطيط في بغداد تحديات ما بعد الحرب.ويعيد وزير التخطيط مهدي الحافظ تنظيم وزارته ليعمل مئات من الإحصائيين والمهندسين والاقتصاديين الذين لم يكن يوكل لهم عمل يذكر في عهد الرئيس السابق صدام حسين ويستخدمون البيانات التي كانت تحاط بسريه أثناء حكمه. ويعترف الحافظ، وهو مهندس كيماوي عمل لدى منظمة الأمم المتحدة للإنماء الصناعي، بأن الأموال ستهدر على الأسلحة وتبديد حال عدم الرضا في غياب الأمن. وقال: "نريد أن يعيد الإنسان العراقي بناء نفسه. ليس فقط من حيث متوسط العمر والرعاية الصحية والثروة، بل فيما يتعلق بالتعليم واحترام حقوق الإنسان والبيئة"
العدد 874 - الأربعاء 26 يناير 2005م الموافق 15 ذي الحجة 1425هـ