الحديث عن عراق 2003 وعراق 2004 أمر في غاية الأهمية إذا ما قورن بالعام السابق والأعوام السالفة عندما كانت هناك دولة مستقلة ذات سيادة اسمها العراق. الفرق واضح بين عراق مستقل ذي سيادة، وعراق يخضع لاحتلال عسكري مباشر من قبل دول أجنبية، بين عراق موحد مركزي تعمل مؤسساته ووزاراته بصورة طبيعية، وعراق من دون مؤسسات أو حكومة أو جيش أو حتى قوات أمن، إضافة إلى غياب تام للأمن والخدمات الأساسية. هذا من دون الحديث عن توقف تام في حركة المجتمع عموما من بطالة شبه كاملة، مع توقف شبه كامل أيضا للحياة الاقتصادية.
فالتغيرات السياسية التي تحدث على إثر انتخابات أو حتى انقلابات أو ثورات عادة ما يتوقع منها أن تكون إيجابية ولا يتأثر بها مباشرة في بداياتها إلا قطاعات معينة. لقد ألغى الاحتلال العسكري الأميركي البريطاني للعراق الدولة كلها وجودا ومؤسسات. وعملية إلغاء الدولة ليست بالأمر الهين لأن آثارها السلبية ستنعكس على حقوق وممتلكات المواطنين ويمكن أن تتجاوز ذلك لتطول الدائرة الأوسع من محيط إقليمي وواقع دولي. أما بالنسبة إلى الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في العراق، فالمراقب لها خلال مرحلة بعد الاحتلال لا يخرج بانطباع يدعوه إلى التفاؤل، فمظاهر الحرب لاتزال ماثلة للعيون، بل إن الحرب ذاتها لاتزال قائمة وهي واقعة كل يوم، موقعة خسائر بشرية ومادية واقتصادية واجتماعية بالمجتمع والمحتلين. فبعد الاحتلال انتفت السياسة الاقتصادية أصلا مع تحطم هياكل الدولة، وارتفعت نسبة البطالة بشكل مذهل وارتفعت مستويات الأسعار إلى مستويات جنونية أحيانا وزاد الفقر بصورة المطلق والنسبي.
ومن جهة أخرى، فإن أهم سمات الوضع الاجتماعي في الوقت الراهن هي حال الإحباط الكبير الذي أصيب بها المجتمع، إذ زادت الجريمة وزاد الهاجس الأمني خطورة وزاد التغريب والتهميش وانتشرت المظاهر اللانضباطية في الشارع. أما البيئة فلم تسلم هي الأخرى من آثار الاحتلال، فالدخان لا يزال يتصاعد في مناطق كثيرة والقوات المحتلة ولأسباب أمنية قامت بقطع مئات الآلاف من الأشجار ومنها النخيل المثمرة، مدعية بأنها تشكل خطرا على قواتها لأنها أصبحت أوكارا للمقاومين
العدد 877 - السبت 29 يناير 2005م الموافق 18 ذي الحجة 1425هـ