العدد 877 - السبت 29 يناير 2005م الموافق 18 ذي الحجة 1425هـ

كيف تبلورت فكرة الانتخابات وما إطارها القانوني؟

عندما غزت الولايات المتحدة وبريطانيا العراق في 20 مارس/ آذار 2003 وسقطت العاصمة العراقية بغداد في 9 ابريل/ نيسان من العام نفسه لم تكن للدولتين خطط واضحة لتنفيذها لضمان الاستقرار في هذا البلد وذلك بشهادة خبراء "البنتاغون".

وخضع العراق في الفترة الأولى للاحتلال لإدارة مدنية برئاسة الحاكم المدني بول بريمر ومجلس انتقالي عراقي أطلق عليه "مجلس الحكم". ومع تصاعد المقاومة العراقية، سلمت قوات الاحتلال في 28 يونيو/ حزيران 2004 السلطة إلى حكومة عراقية مؤقتة برئاسة إياد علاوي. ويرى المحللون انه على رغم أن الولايات المتحدة ظلت تفرض نفوذها على العراق عبر مختلف الوسائل فإن نقل السلطة يرمز إلى انتهاء الاحتلال الأجنبي للعراق بصورة رسمية ودخول عملية إعادة اعمار العراق سياسيا واقتصاديا مرحلة جديدة.

وبعد التخبط الأميركي في العراق ومع ضغط المقاومة التي عرقلت جهود إعادة الاعمار قدم المسئولون الأميركيون مشروع قرار جديد بشأن العراق في الأمم المتحدة، يمنح المنظمة الدولية دورا أكبر في المستقبل السياسي لهذا البلد. وصدر القرار الأممي رقم 1546 في 8 يونيو ،2004 إذ نص على انه يتعين على الحكومة العراقية المؤقتة إجراء انتخابات ديمقراطية مباشرة في يناير/ كانون الثاني من العام 2005 لاختيار أعضاء الجمعية الوطنية الانتقالية المسئولة عن تشكيل الحكومة الانتقالية وصوغ مشروع الدستور العراقي الدائم وتنظيم انتخابات بحسب الدستور في يناير العام 2006 لتشكيل حكومة عراقية منتخبة. وغير القرار طبيعة القوات الأجنبية في العراق، "إذ أصبحت هذه القوات من قوات احتلال غير شرعية إلى قوات حفظ أمن شرعية". والحكومة العراقية المؤقتة لها حق طلب إنهاء مدة خدمتها وتستطيع إدارة البلاد ومكافحة الإرهاب وحفظ الأمن الاجتماعي بمبررات سليمة وتحقيق هدف حكم العراقيين لبلادهم. لكن يبدو أن القرار الذي فصلته الإدارة الأميركية وحاكته هيئة الأمم المتحدة، جاء على المقاس الأميركي ولا يناسب العراق بتاتا. فالقرار الذي يتحدث عن بدء مرحلة جديدة عن طريق انتقال العراق إلى حكومة منتخبة انتخابا ديمقراطيا، يشير إلى أن وجود القوة المتعددة الجنسية المؤلفة من 160 ألف جندي سيستمر في العراق، وهذا بناء على طلب الحكومة المؤقتة. ولذلك فإن القرار يعيد تأكيد التفويض الممنوح للقوة المتعددة الجنسية المنشأة تحت قيادة موحدة بموجب القرار .1511

الإطار القانوني للانتخابات العراقية

إن أية آلية لعملية انتخابية لابد وأن تؤطر دستوريا وقانونيا لإضفاء الشرعية عليها وإبعادها عن فوضى الارتجال والإرباك. بالنسبة إلى الانتخابات العراقية فإن عناصرها القانونية تتمثل في:

الدستور: ويتمثل بقانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية.

الأمر رقم "92" الخاص بتأسيس المفوضية العليا المستقلة للانتخابات.

الأمر الانتخابي رقم "96" "القانون الانتخابي".

الأمر "97" المتعلق بالكيانات السياسية.

التعليمات الصادرة من مجلس المفوضين وأي إجراء يصدر من قبل رؤساء اللجان الانتخابية.

ويمكن القول إن موضوعة الانتخاب يمكن أن يتم تناولها من وجهتين: الأولى موضوعة الانتخاب، أي على ماذا ستنصب العملية الانتخابية والثانية التنظيم الفني للعملية الانتخابية، ويندرج تحت هذا العنوان شروط الناخب، والمترشح، والنظام الانتخابي سواء من حيث التصويت أو الترشيح أو تقسيم الدوائر الانتخابية.

أولا: من حيث موضوعة الانتخابات.

سيصار في الوقت ذاته إلى إجراء ثلاثة أنواع من الانتخابات:

انتخابات الجمعية الوطنية

انتخابات المجلس الوطني الكردستاني ومجالس المحافظات.

ثانيا: من حيث التنظيم الفني للعملية الانتخابية.

تم تحديد هذا التنظيم بموجب الانتخابي رقم "96" الصادر عن الحاكم المدني، في حين يفترض أن يصار إلى قانون انتخابي يتناول مجمل هذه العملية المهمة والمعقدة في الوقت ذاته، إلا أن ما جرى هو الاكتفاء بتنظيمها بموجب هذا الأمر، وهذا ما جعلها هدفا لسهام النقد والتجريح.

وأهم المسائل التي عالجها هذا الأمر:

أ- تقسيم الدوائر الانتخابية: تم اعتبار العراق دائرة انتخابية واحدة، وبرر اختيار هذه الطريقة لأسباب عدة، أهمها مشكلة المهجرين من مناطق سكناهم الأصلية. وكذلك ان هذه الطريقة تساعد على الابتعاد عن التقسيمات الطائفية والعرقية أو ما شابه ذلك.

إلا أن اعتبار العراق دائرة انتخابية واحدة يعني أن القائمة الانتخابية سيتم اختيارها على مستوى القطر كافة، مما يتعذر معه التعرف على المرشحين عن كثب بالنسبة إلى سكان المناطق التي ليسوا منها.

ب- نظام التمثيل النسبي: يعتمد في توزيع المقاعد نظامين: نظام الغالبية، ومفاده أنه يفوز من يحصل على غالبية أصوات الناخبين وبنوعين "نظام الغالبية النسبية، ونظام الغالبية المطلقة".

أما النظام الثاني فهو نظام التمثيل النسبي، الذي يقتضي أن يحصل الكيان السياسي على عدد من المقاعد يتناسب وعدد الأصوات التي حصل عليها، فلو افترضنا انه حصل على 10 في المئة من أصوات الناخبين الصحيحة فانه سيحصل على 10 في المئة من مقاعد الجمعية الوطنية.

ج- نظام القائمة: يعتمد في طرح أسماء المرشحين طريقتين الأولى نظام الترشيح الفردي الذي يتمثل بالنظام الذي يقوم فيه الناخبون في دائرة انتخابية معينة بانتخاب شخص واحد يمثلهم في البرلمان. أو نظام الترشيح بالقائمة أي يتم اختيار مجموعة من المرشحين ضمن قائمة.

وهناك عدة صور من نظام الانتخاب بالقائمة، منها القائمة المفتوحة إذ يعطي الناخب صوته لعدد من المرشحين في القائمة، وبذلك فهو يكون قائمته الخاصة به.

أما نظام القائمة المغلقة والذي يحد من حرية الناخب فينصب على اختيار هذا الأخير للقائمة كما هي من دون أن يترك له الخيار باختيار مرشحين معينين، فهو إما أن يختار القائمة كلها أو يرفضها.

د- شروط المرشح: نظمت المادة "31" في فقرتها الثانية هذه الشروط، وأهم هذه الشروط:

1- أن يكون عراقيا، لا يقل عمره عن ثلاثين سنة.

2- استبعد من كان عضوا في حزب البعث المنحل بدرجة عضو فرقة أو أعلى إلا إذا استثنى بحسب القواعد القانونية.

هـ- لقد أخذ الأمر "96" بالشروط العامة والمقبولة التي تشترط عادة لممارسة الفرد حقه الانتخابي وهي: "1- العمر. 2- الجنسية. 3- التسجيل".

متى ستجرى الانتخابات العراقية؟

من المقرر أن يدلي الناخبون العراقيون بأصواتهم في 30 يناير/ كانون الثاني الجاري.

من الذي يجري انتخابه؟

يختار الناخبون 275 عضوا في المجلس الوطني ومهمته الأساسية مناقشة دستور جديد للبلاد وإقراره. كما يختارون أيضا أعضاء مجالس المحافظات وعددها 18 مجلسا فضلا عن انتخاب البرلمان الكردي في الشمال ويتمتع بحكم ذاتي. وسيختار المجلس الوطني حكومة جديدة لتخلف الإدارة المؤقتة التي كانت سلطة الاحتلال التي تقودها الولايات المتحدة قد شكلتها في يونيو بالتشاور مع الأمم المتحدة. ومن المقرر حل المجلس وانتخاب برلمان جديد وفقا للدستور الجديد بحلول نهاية العام .2005

كيف تجرى الانتخابات؟

يستطيع جميع العراقيين ممن تجاوزوا 18 عاما في الأول من يناير الجاري الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات وربما يبلغ عددهم 15 مليونا من سكان البلاد البالغ اجمالي عددهم 27 مليونا. ويعتمد تسجيل الناخبين على قائمة بالأسماء كانت مخصصة لتوزيع الحصص الغذائية وهي من بقايا العقوبات التي كانت مفروضة على العراق من الأمم المتحدة. ويتعين على الناخبين إبراز بطاقتي هوية مختلفتين تحتوي كل منهما على صورة في مركز الاقتراع المحلي. وبعد إدلاء الناخب بصوته يشطب اسمه من السجل وتوضع على إبهامه علامة بحبر تصعب إزالته لمنعه من الإدلاء بصوته مرة أخرى. وسيكون هناك نحو 40 ألف حجرة اقتراع فيما بين ستة آلاف وتسعة آلاف مركز للاقتراع بعضها في 14 دولة أجنبية إذ يدلي الناخبون من العراقيين المغتربين بأصواتهم من 28 إلى 30 يناير.

من يخوض الانتخابات؟

سجل 256 من الجماعات والأفراد أسماءهم، غير أن كثيرا منهم إما لم يتقدم بمترشحين أو انضم إلى قوائم 33 ائتلافا. ما يرجح أن تحتوي بطاقة الاقتراع على نحو 100 اختيار. وأكد الناطق باسم مفوضية الانتخابات فريد ايار أن أكثر من سبعة آلاف مرشح يمثلون 111 كيانا سياسيا سيتنافسون في الانتخابات. وتعكس غالبية الأحزاب انتماءات طائفية وعرقية.

ويرجح أن يساند الشيعة - ويشكلون الغالبية بنسبة 60 في المئة من مجموع السكان - الأحزاب الشيعية وبعضها ذو توجه ديني والبعض الآخر علماني. أما الأكراد ويشكلون ما بين 10 و15 في المئة من العراقيين فيساندون في الغالب أحد الحزبين الكرديين الرئيسيين.

وهيمن السنة ويشكلون 20 في المئة من السكان على الحكم في عهد صدام والحكومات السابقة عليه. وقد دعت بعض الأحزاب السنية إلى مقاطعة الانتخابات، لكن جماعات سنية كثيرة تخوض الانتخابات حاليا.

سلبيات نظام الانتخابات

قد يؤدي النظام الانتخابي الذي اختير للعراق إلى إضعاف آفاق تصويت تمثيلي وديمقراطي. ففي 15 يونيو ،2004 واستجابة لتوصية من مديرة قسم المساعدة الانتخابية في الأمم المتحدة كارينا بيريللي، قرر مدير سلطة التحالف المؤقتة بول بريمر أن العراق سيكون دائرة انتخابية واحدة، إذ توزع المقاعد على أساس التمثيل النسبي المبني على قوائم انتخابية وطنية. وكان قرار بيريللي بتجنب تعدد الدوائر مصبوغا باعتبارات تكنيكية. فمعاملة العراق كدائرة واحدة تلتف حول الحدود الداخلية وتبسط عملية التصويت. فالدولة كلها ستحتاج إلى بطاقة واحدة بدلا من بطاقات منفصلة في كل دائرة.

إن مثل هذا النظام سيئ بالنسبة إلى العراق. فالتصويت مجرد وجه واحد من الديمقراطية. والمحاسبة وجه آخر. وفي ظل نظام التمثيل النسبي، لا يرتبط البرلمانيون بدائرة انتخابية معينة، إنما بقائمة حزبية. وبدلا من أن يكونوا مسئولين أمام ناخبي بلدة معينة، سيكون النواب موالين لزعماء الأحزاب. لقد دفعت عثرات نظام كهذا، البولونيين إلى السعي إلى تعديل دستوري لإحلال الدوائر الانتخابية محل التمثيل النسبي. وبينما يستخدم أكثر من 90 بلدا نوعا من التمثيل النسبي، فإن تطبيقه على دوائر انتخابية وطنية واحدة، نادرا ما يخلو من التعقيدات. في العراق سيغذي التمثيل النسبي الراديكالية. فمن الأسهل منع النساء من شغل وظائف معينة، إذا كان السياسي لا يحسب حسابا للنساء في دائرته. أما إذا كانت الانتخابات مبنية على 275 دائرة، فإن كل دائرة ستضم 87 ألف شخص فقط. سيكون النواب أقرب إلى الناس. إن عدم تأسيس الانتخابات على دوائر قد يعني أن بعض المناطق لن يكون لها تمثيل. وهذا قد يربي العنف. كان ينبغي أن تقرر نظام الانتخاب في العراق لجنة الانتخابات العراقية، وليس الأجانب. فما اختارته الأمم المتحدة ليس هو الاختيار الوحيد. بعد كل شيء، فإن بلدانا مثل استراليا والأردن تجمع بين تعدد الدوائر الانتخابية والتمثيل النسبي،

العدد 877 - السبت 29 يناير 2005م الموافق 18 ذي الحجة 1425هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً