كلما مرت ساعة من ساعات اليوم، التاسع من محرم، كلما اقتربت عاشوراء البحرين من الذروة، ففي مساء هذا اليوم، تكون المنامة تلهث لإكمال مراسم العزاء الأخيرة، بعد أن انصب في شوارعها 160 ألفا من أبناء الضواحي والقرى والمناطق الأخرى. فبعد صلاة العشاء يترقبون الخطاب السنوي، وعند السابعة سيجتمع بضعة آلاف أمام أبواب المرسم الحسيني ليشهدوا إشعال أكبر شمعة في العالم. وعند العاشرة سيبدأ سير المواكب حتى مطلع الفجر، فلا تعرف العاصمة في هذه الليلة طعم الهجوع.
الخطباء تعلو نبراتهم هذه الليلة موجة من الحزن الكربلائي العميق، فيتصاعد الخطاب إلى أوج الفاجعة، فتطفأ الأنوار ليعيش كل مستمع بخياله تلك الساعات الأخيرة من حياة الحسين وأصحاب الحسين، الذين يبيتون هذه الليلة ولهم دوي كدوي النحل، وتصاعدت أرواحهم نحو الملكوت الأعلى شوقا إلى لقاء الحور. ومع انبثاق إشراقات الفجر الأولى غدا، سيصبحون على صوت النبال، يمطرهم بها معسكر الآثمين. سيرة يعيش المسلمون تفاصيلها كل عام، قدر الله لها أن تكون رافدا من روافد العودة إلى الله وتصحيح الذات. العشر الأوائل من محرم، يقضيها شعب البحرين خصوصا في ضيافة الحسين، كما يقضي المسلمون عموما العشر الأواخر في شهر رمضان في ضيافة رب الحسين، ينهلون من مدرسة قيم وأخلاق ومبادئ الحسين. ساعات وينتهي موسم العزاء، ولا تنتهي الدروس ولا تجف عبر العصور الدموع.
المنامة - قاسم حسين
شارك هذا العام في المرسم الحسيني فنان جديد يطل على الساحة بخبرة فنية كبيرة وتجربة عميقة تحمل الكثير من الإيحاءات، وكانت مشاركته بسبع لوحات كبيرة، كثيرا ما توقف أمامها زوار المرسم متأملين. ففي هذه اللوحات تلمس أثر الفن الفارسي واضحا، كما ترى الأثر القرآني والإسلامي أكثر وضوحا، إذ تتمحور حول القصص القرآني وتزداد تخصصا بتناول موضوع ثورة كربلاء.
إسماعيل نوروز علي... متقاعد، كان يعمل في قسم الصيانة في شركة الألمنيوم "ألبا".
هل تعرفنا على تجربتك السابقة؟
- بدأت منذ الصغر في المدرسة، ثم مارست الفن لوحدي من دون تشجيع من أحد. كنت استعمل ألوان الخشب والمائي والماجي كولور، ثم رأيت أن الألوان الزيتية هي الأفضل فاستمريت على استخدامها.
أحيانا أقوم بأعمال فنية أخرى مثل الطين "الفخار" والنحت لأخرج بتشكيلات مثل الحصان والإنسان، أو المنظر الطبيعي كالشجرة أو الفلاح بهيكل نصفي.
ماذا عن مشاركاتك السابقة؟
- اشتركت في معرض الفنون التشكيلية قديما مرتين، مرة في معرض الأندية وشاركت مع نادي المحرق، وبسبب نوبات العمل تركت المشاركات واقتصرت على العمل داخل المنزل.
رسمت لوحة كبيرة للشركة عن الشركة... وعرضت في قسم الاستقبال. وكنت أتطلع إلى بعض التشجيع لأنفذ أعمالا للشركة كفنان ولكن لم يهتموا بي، إذ لم يكونوا يفضلون صرف شيء.
وماذا بعد الشركة؟
- أخذت أرسم لوحات للمنزل، أو استجيب لطلبات الأصدقاء وهم عادة يدفعون التكلفة... وفكرت في استخدام هذا الفن للمأتم، وشاركت هذا العام في المرسم للمرة الأولى.
وكيف ترى الجو العام هنا؟
- أعجبني هذا الجو، أول مرة في حياتي ارتاح وأفرح للمشاركة، وأتمنى أن استمر معهم بسبب هذا الجو والتعامل الحسن والأخلاق، وأن نتساعد جميعا في القضايا الفنية.
ما الفرق بين الأجواء في المرسم والجمعيات الأخرى؟
- المكان هنا واسع ومفتوح، والهواء عندما يهب يمكن أن تسقط اللوحات وتتضرر، بينما داخل الجمعية المكان مغلق. ومع ذلك أعجبني الإخوة الفنانون وروح التعاون السائد بينهم.
واخترت هذه الجمعية ايضا لارتباطها بالامام الحسين، والا فإن جمعيات ونوادي أخرى دعتني للمشاركة فلم اشارك معهم.
لاحظت أن لوحاتك متأثرة بالفن الفارسي... ما تعليقك؟
- لقد اخترت هذا الأسلوب لأنه يجذب النظر، فالالوان اللماعة "Flashing" تلفت نظر المشاهدين.
ملاحظة أخرى، لوحاتك تدور حول قصص قرآنية؟
- ملاحظتك صحيحة، بعض اللوحات تعتمد القصص القرآني، وبعضها يعتمد على روايات أهل البيت خصوصا عن كربلاء. وقد كنت ابحث في الانترنت عن مصادر للروايات الصحيحة... وساعدني أحد الإخوة في ذلك من ناحية البحث أو التشجيع... ومن جانب آخر عرفني على المسئولين في المرسم وقدمني إليهم.
اللوحة الفنية كم تأخذ من الوقت؟
- اللوحة البسيطة تحتاج إلى أسبوع، بينما اللوحة المعقدة تحتاج إلى 4 أسابيع، مثل هذه اللوحات المعروضة.
- كم لوحة لك في المعرض؟
- سبع لوحات... فأنا الذي أعمل اللوحة وأحضرها بنفسي فلا تكلف أكثر من دينار، بينما لو اشتريت اللوحة الخام من السوق ربما كلفت 7 - 10 دنانير.
وبالنسبة إلى الألوان؟
- اشتريها هي والفرشاة... كلفة مجموعة الألوان بين 8 و20 دينارا، وكذلك الفرشاة.
لوحات مصورة
* لوحة الفداء، تستمد موضوعها من قصة إبراهيم... "وفديناه بذبح عظيم"، وفي خلفيتها رسم للحسين من دون رأس تحفه الملائكة، وفي الطرف الأيسر تشبيه لرأس الحسين.
* لوحة مركب السبايا والأطفال ... مساء يوم العاشر بينما يظهر الجنود الأمويون يضربونهم بالسياط، وفي خلفية الصورة موقع مقتل الامام الحسين إذ يهبط عليه نور من السماء.
* لوحة العباس: إذ يستعد لمواجهة جنود الأعداء الذين أقاموا حاجزا لصده عن النهر.
* ليلة عاشوراء: ويظهر فيها أصحاب الحسين في آخر ليلة وهم يستعدون للاستشهاد، ويظهر في الخيمة الامام السجاد وهو مريض، وأحد الأنصار يسن سيفه، وخيام الجيش الأموي في خلفية الصورة.
* الطفل الرضيع: حيث يظهر على يد أبيه ذبيحا والسهم ناشب في رقبته.
* طفلة الحسين "رقية" وهي تمسك رأس أبيها الحسين بعد أن طلبت أن تراه في قصر يزيد بالشام، فلما أحضروه أخذت تبكي حتى فارقت الحياة، وكان عمرها لم يتجاوز الخامسة كما يقول المؤرخون.
* اللوحة الأخيرة لم تكتمل، تصور الإمام الحسين واقفا أمام الكعبة، وفي خلفيتها الجبال والغيوم الداكنة... وسيضيف إليها الفنان الحمام والدم النازل من السماء... كعناصر إضافية لإكمال لوحة خروج الحسين من مكة والتوجه نحو العراق بعد أن قطع حجته وحولها إلى عمرة مفردة.
فنان عمره 40 عاما، من منطقة السنابس، يشارك في المرسم الحسيني منذ بداية تأسيسه، له تجربة فنية طويلة، رسم سلسلة من اللوحات بلغ عددها 17 لوحة، استيحاء من ملحمة الشيخ حسن الدمستاني عن رحلة الامام الحسين نحو الشهادة، بدا بالتحلل من الإحرام وخروجه من مكة وانتهاء بمصرعه ووصول رأسه إلى الطاغية يزيد. استغرق رسم المجموعة 3 أشهر، وكان في معظم الوقت يبدأ الرسم فيها بعد أن تهدأ الجفون وتنام العيون، من العاشرة مساء حتى الثانية عشرة أو الحادية بعد منتصف الليل. وعرضها على الجمهور في ليلة السابع من المحرم قبل 6 أعوام "1999"، وكانت الفكرة لديه قديمة، ولكنها تعطلت بسبب ما مرت به البلاد من حوادث التسعينات كما يقول. وعندما حانت له الفرصة وتهيأت له الظروف نفذها. ويعترف انها كان ينقصها الاتقان فالعمل تم بسرعة.
كان يقف أمام لوحة ذات خطوط وتقاطعات بارزة وألوان قوية، تبرز من كهف مظلم راية فوقها جمجمة حيوانية تقطر منها الدماء، وتطل على ساحة فيها بعض أجساد شهداء كربلاء.
يقول عن اللوحة: "اسم هذه اللوحة "راية القتل"، معركة كربلاء جزء منها، وهي معركة بين الحق والباطل يمكن ان تتكرر في أي زمان ومكان. معركة الامام الحسين أخذت خصوصية خاصة، بسبب شخصية الحسين وقوته، فقد أراد أن يوجد هزة في ضمير الامة النائمة. الامويون انتصروا عسريا ولكن نفسيا ومعنويا كان المجد والخلود للحسين وأصحابه".
هل اللوحة مكتملة الآن؟
- لا، فهناك بعض الاضافات البسيطة، سأرسم راية خضراء تتقاطع مع راية الأمويين، التي تخرج من الكهف المظلم، الذي يمثل ظلمة النفس والروح، وهو الظلمة التي تبيح قتل الأبرياء وسفك الدماء.
وهل سبق لك أن شاركت في معارض فنية على مستوى البلد؟
- شاركت في المعارض التي كانت تنظمها وزارة الإعلام حتى العام ،1994 ولكني توقفت بعد ذلك لاحساسي بالفجوة النفسية، التي أبعدتني عن المشاركة.
وهل هناك أسباب معينة؟
- نعم، فطريقة التحكيم كان فيها الكثير من المحاباة والتحيز، في كثير من الأحيان كان يتم رفض لوحاتنا، أنا وغيري، بل ان الكثير من الفنانين ذوي الأسماء اللامعة لا يشاركون الآن "وذكر أسماء عدد من الفنانين المعروفين في عالم الفن". فطريقة التحكيم واختيار اللوحات والمجاملات والمحسوبيات، كلها تدفع الكثيرين لعدم المشاركة.
وهل ترى في المرسم بديلا عن المعارض الفنية الرسمية؟
- في المرسم تقف إلى جانب زملائك الفنانين، وهناك نوع من التفرغ للعمل، ولا يوجد حسد أو تناحر، الكل يعمل بطريقته ولا يفرض أحد وصايته أو أسلوبه على الآخرين، فأنا أحترم أسلوبك، فلماذا لا تحترم أسلوبي؟ ولماذا يعامل الفنانون بنوع من التعالي يصل أحيانا إلى درجة الشتم؟
دعنا من الماضي، ماذا عن المستقبل؟
- هناك موضوعات أود تناولها بالريشة، علاقة الامام الحسين "ع" بأخيه العباس، علاقة قائمة على الوفاء الكبير. علاقة السيدة زينب "ع" بأخويها الحسين والعباس، علاقة الامام بأصحابه الذين قال فيهم انني لم أر أصحابا أبر ولا أوفى من أصحابي. كلها مواقف انسانية تحتاج إلى وقفات تأمل وتسجيل. وأنا اعتبر ذلك مشروعا للمستقبل، وأتمنى أن أوفق لإنجازه.
يمارس الرسم منذ الصغر، عمره 25 عاما، من المنامة ويسكن حاليا بمنطقة الخميس من البلاد القديم، يدرس فنون التصميم بمعهد البحرين، وقف أمام لوحة أسماها "قناع الغدر"، يعلوها طير أبيض، يمثل رسالة الامام الحسين الذي بعث بمسلم بن عقيل إلى الكوفة في العراق كما يقول. في البداية كان الرأي العام هناك إلى جانبه، فهم الذين دعوه إلى القدوم وكانوا راغبين بنصرته، ولكنهم سرعان ما غدروا به. والطير لم يعد له مكان في تلك المدينة الخائنة، ولم يجد له ملجأ بعد أن ضاقت عليه السماء والأرض غير أن يحط على القناع نفسه، فقد وقع في فخ المدينة الخائنة، والوجه به شقوق كثيرة يكشف عن اهتراء وتحلل تلك المدينة ببيوتها الخربة التي تنبئ عن نفوس أهاليها المنحطة.
منذ متى وأنت تشارك؟
- شاركت قبل عامين ثم توقفت، وأعود للمشاركة هذا العام، وكانت الفكرة قوية فنفذتها.
وكم يستغرق رسم اللوحة؟
- كنت أعمل 4 ساعات في اليوم، وخلال 3 إلى 4 أيام أنهيها. طبعا هناك لوحات لا تحتاج إلى تدقيق وبالتالي يمكن إنهاؤها خلال ساعتين.
بكم لوحة تشارك؟
- لوحة واحدة فقط، وشدني المرسم ولم أشارك في مكان آخر، وخصوصا انني لم أسمع بمعارض أخرى. وأعتبر مثل هذا المرسم شيئا حضاريا يعكس ثقافتنا، وهي ثقافة المستقبل.
وهل في العائلة فنانون آخرون؟
- نعم، أخي الأكبر فنان أيضا، وقد شارك قبل ليال هنا، ولكنه الليلة ذهب للاستماع إلى أحد المجالس الحسينية.
فنان من المحرق، من مؤسسي المرسم الحسيني، وأوائل المشاركين فيه منذ خمس سنوات، وكانت أول لوحة قدمها عبارة عن قرآن مفتوح مع الصليب، في حركة أشبه بعناق الحضارات، مشيرا بذلك إلى التقارب بين الاديان. من بعدها استمر في المشاركة في كل أنشطة المرسم، فشارك في المعارض التي نظمت بالتعاون مع جمعية حقوق الإنسان، ومعرض "معا ضد التعذيب"، كما كان من المشاركين في مهرجان الاسكافي الذي أبرز التعاون بين المرسم والجمعية الجديدة في إقامة الجداريات في منطقة السنابس.
آخر الأعمال التي شارك فيها مطلع شهر محرم جداريات مأتم مدينة عيسى، فضلا عن لوحته الجديدة التي يرسمها هذا الموسم عن قصيدة الشيخ الدمستاني الملحمية "أحرم الحجاج"
العدد 896 - الخميس 17 فبراير 2005م الموافق 08 محرم 1426هـ