على رغم تعهد موسكو بمواصلة الانفتاح على الاقتصاد العالمي وتحرير اقتصادها للانضمام لمنظمة التجارة العالمية، واصل الكرملين اجراءاته الرامية الى إحكام قبضته على صناعة النفط الروسية، إذ قرر حرمان الشركات الأجنبية من التقدم بعطاءات للحصول على امتيازات في عدد من الحقول النفطية الكبرى العام الجاري لأغراض بررها على أنها تتعلق بالمصالح الاستراتيجية الروسية.
ووفقا للاجراء، تقتصر المشاركة في العطاءات المتصلة بامتيازات عدد من الحقول النفطية ومناجم الذهب والنحاس في سيبيريا على الشركات التي لا تقل فيها المساهمات الروسية عن 51 في المئة.
ويرى محللون اقتصاديون أن الخطوات التى اتخذها الكرملين حديثا تستهدف السيطرة على قطاعات الثروات الطبيعية الروسية التي تعد عصب الاقتصاد الروسي ومواجهة سيطرة الأجانب على تلك القطاعات.
وأشار خبير النفط جريجوري وايت الى أن رغبة الكرملين في السيطرة على قطاع النفط الروسية بدت واضحة في تفتيت شركة يوكوس الروسية - عملاق النفط الذي قررت الحكومة الروسية بيع أصوله لتغطية متأخراته الضريبية والتي بلغت 28 مليار دولار.
وأوضح أن الاجراء الأخير سيقوض الثقة في قطاع النفط الروسي والذي تعول عليه الولايات المتحدة كثيرا لمنافسة منظمة الدول المصدرة للنفط "أوبك"، مشددا على أن تراجع الثقة في قطاع النفط الروسي انعكس سلبا على معدلات الانتاج والتي تراجعت حديثا، وهو ما أثار مخاوف الدول المستوردة من احتمال عودة أسعار النفط الى الارتفاع بشكل قياسي مرة أخرى.
وأبدت شركات نفط غربية والتي سمحت لها موسكو في الماضي بالحصول على امتيازات لتطوير حقول النفط الروسية استياءها من قرار الكرملين.
وأوضح المحلل الاقتصادي ستيفان سوليفان أن تراجع الثقة في قطاع النفط الروسي سيؤثر سلبا على تدفق الاستثمارات الأجنبية على ذلك القطاع الحيوي.
وفى السياق ذاته، قلصت الوكالة الدولية للطاقة توقعاتها لنمو الانتاج النفطي الروسي الى 3,8 في المئة بسبب الضرائب العالية والتدخل المباشر من جانب الكرملين في صناعة النفط ومنع الشركات الأجنبية من المشاركة في عطاءات المناطق النفطية الكبرى.
ويرى المحلل الاقتصادي جريجوري وايت أن اجراءات الكرملين الأخيرة وتراجع انتاج النفط الروسي يمثل ضربة قوية لخطط واشنطن الرامية الى تعزيز تعاونها مع موسكو في مجال الطاقة في محاولة لتقليل اعتمادها على أوبك.
من جهة أخرى أثار غموض صفقة بيع إحدى الشركات الرئيسية التابعة "ليوكوس" الروسية لتسديد ضرائبها المتأخرة والتي تصل الى 28 مليار دولار المخاوف من تعثر صناعة النفط الروسية وتزايد الطلب على الطاقة.
ويتهم رئيس يوكوس ميخائيل خودركوفسكي التي كانت تنتج نحو 20 في المئة من النفط الروسي قبل تجميد أصولها من جانب الحكومة الروسية بسبب تهربها من الضرائب الحكومة الروسية بتدمير أكبر شركة نفط روسية.
ويشير رئيس يوكوس الذي أودع السجن منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2003 بسبب تهرب شركته من الضرائب الى أن المزاد الذي تم لبيع أهم شركة تابعة ليوكوس يمثل هدية للحكومة من نفسها.
وفي الإطار نفسه، أثارت أجواء السرية التي فرضت على مزاد بيع "يوجانسكنفت جاز" التابعة لشركة يوكوس وعدم توفر معلومات كافية عن المشترى "بايكالفاينانس جروب" والذي دفع 9,35 مليارات دولار لشرائها حالا من القلق في السوق الروسية والدولية، إذ تخشى الدول المستوردة للنفط من حدوث نقص في المعروض النفطي على المستوى العالمي في ضوء غياب الشفافية في سوق النفط الروسية.
وتشير الاحصاءات الى أن اجمالي انتاج يوجانسكنفت جاز يصل الى مليون برميل يوميا - نحو 60 في المئة من إجمالي إنتاج يوكوس النفطي - علاوة على انها تمتلك نحو 70 في المئة من احتياطياتها النفطية.
وتوقع خبير النفط بيتر فين إحكام الكرملين قبضته على صناعة النفط الروسية في أعقاب الصفقة، إلا أنه أوضح ان الوقت مايزال مبكرا للحديث عن تورط شركة جازبروم في الصفقة ولاسيما في ضوء نفي جميع شركات النفط الروسية ومنها جازبروم دعمها لشركة بايكالفاينانس جروب التي اشترت حقول النفط التابعة ليوجانسكنفت جاز في سيبيريا.
وعلى رغم المشكلات المالية التى تواجهها أعلنت شركة يوكوس ان الاحتياطي النفطي في إحدى شركاتها التابعة "يوجنسك نفطجاز" ستزيد من 91,4 مليار برميل الى 93,7 مليار برميل.
ويبلغ إجمالي إنتاج شركة يوكوس 1,7 مليون برميل في اليوم - نحو 20 في المئة من إجمالي إنتاج النفط الروسي -. وفى السياق نفسه، عززت الصفقة التي أبرمها عملاقا النفط الأميركي والروسي حديثا احتمالات العودة الوشيكة لشركات النفط الأميركية الى العراق على رغم تصاعد عمليات المقاومة العراقية خلال الأشهر الماضية.
وتقضي الصفقة ببيع 7,6 في المئة من أسهم شركة لوك أويل - كبرى شركات النفط الروسية وثاني أكبر شركة نفط على المستوى العالمي بعد اكسون موبيل الاميركية - الى شركة كونوكوفيليبس الأميركية بقيمة إجمالية تصل الى 2,4 مليار دولار.
ويرى محللون اقتصاديون أن الصفقة توفر زخما قويا لصناعة النفط الأميركية والروسية، إذ ستزيد الاحتياطات النفطية للشركة الاميركية بنحو 7,6 في المئة، بالإضافة الى أنه سيتاح لها الفرصة لاستغلال وتطوير حقول نفطية في روسيا.
وأشاروا الى أن الصفقة تؤكد تزايد اهتمام الشركات الغربية بسوق النفط الروسية على رغم إحكام قبضة الكرملين على سوق الطاقة في تلك الدولة.
وأوضح خبير النفط راسل جولد أن روسيا تعد واحدة من أهم المناطق الغنية بالنفط والغاز الطبيعي والتي تتعطش للاستثمارات الغربية، موضحا ان كونوكو فيليبس الاميركية أعلنت عزمها على زيادة نصيبها من أسهم لوك أويل الى 20 في المئة خلال العامين المقبلين، وهو ما سيكلفها 3 مليارات دولار.
وأضاف أن الصفقة ستتيح للشركة الأميركية حق المشاركة في اتخاذ القرارات على عكس شركة بريتيش بتروليم التي باعت حصتها في شركة لوك أويل الروسية والتي بلغت 7 في المئة بسبب عدم قدرتها على المشاركة في الإدارة
العدد 898 - السبت 19 فبراير 2005م الموافق 10 محرم 1426هـ