العدد 899 - الأحد 20 فبراير 2005م الموافق 11 محرم 1426هـ

نحن بحاجة إلى ثورة تصحيحية لتنقية التراث الحسيني

دعا إلى عقد مؤتمر يشارك فيه العلماء... الكندي لـ "الوسط":

الشيخ عبدالعظيم الكندي من مواليد النجف الأشرف، حاصل على درجة الماجستير في العلوم الإسلامية، وخريج الحوزة العلمية في النجف، ويعيش الآن في العراق بعد غربة دامت 23 عاما.

في بداية الحديث أوضح الكندي أن أهمية ثورة الحسين "ع" تكمن في كونها شكلت المرحلة الثانية من مراحل مسيرة الإسلام، ففي المرحلة الأولى كانت مرحلة التأسيس بقيادة النبي محمد "ص"، أما المرحلة الثانية فهي مرحلة التصحيح التي كانت بمثابة المناعة "المكتسبة" لمواجهة المنعطفات المختلفة في طول الخط المستقبلي، وهو المعنى الذي تؤكده المعطيات التاريخية، وما تركه الإمام من بيانات وخطابات تبلور أسباب وأهداف الثورة، ومن بينها مصادرة مبدأ الشورى في العهد الأموي.

وقد بين الحسين "ع" بجلاء هدف خروجه لهذه الثورة: "ألا وأني لم أخرج أشرا ولا بطرا، ولا ظالما ولا مفسدا، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي "ص"". فالحسين"ع" رأى هذه الفريضة الكبرى قد عطلت في وقت كانت تعتبر في أنظار المسلمين من أهم الفرائض وأقدسها.

وما هي مرتكزات وأصول الدعوة إلى تصحيح التراث الحسيني؟

- المنطلق هو حماية الفرائض على الإطلاق، فإذا ما علمنا هذا الأمر، أدركنا مدى ضرورة ثورة سيد الشهداء"ع" لتحقيق الأهداف الرسالية الكبرى، وعلى هذا فنحن نحاول إحياء هذه الذكرى في كل عام لتجذير أصولها في نفوس المسلمين ليبقى العطاء مستمرا في مواجهة ما يتهدد الإسلام من الأفكار المنحرفة. وذلك لا يتحقق إلا على أساس المعرفة، لتأتي عملية الإحياء منسجمة مع قداسة الأهداف الحسينية، وإلا فسيكون الإحياء مجرد عادات ومظاهر ألفها الناس إلى الحد الذي سيشعرون بالوحشة والفراغ في حال عدم أدائها.

ومن هنا فقد أكد علماؤنا قديما وحديثا، مستلهمين من سيرة أهل البيت "ع" ضرورة استغلال المآتم الحسينية لترسيخ المفاهيم الإسلامية وأهداف ثورة الحسين "ع" في نفوس المسلمين بكل أمانة وإخلاص من أجل استمرار وهج الثورة في النفوس. وفي ضوء ذلك حرم العلماء استغلال المنبر الحسيني من جهة النفعيين وأصحاب المقاصد الدنيوية، كما حرموا أن يكون المنبر وسيلة فرقة بين المسلمين.

وهل من أحاديث تدلل على ضرورة ترسيخ هذا النهج؟

- من الشواهد الصحيحة على ذلك قول الإمام الصادق"ع": "يا معشر الشيعة، إنكم نسبتم إلينا فكونوا لنا زينا ولا تكونوا علينا شينا، يرحم الله عبدا حببنا إلى الناس ولم يبغضنا إليهم".

ولو عدنا باللحاظ التاريخي إلى جميع المظاهر التي لا تتوافق مع أهداف ومنطلقات الثورة الحسينية، فسنرى أنها جاءت متأخرة جدا عن تاريخ إحياء هذه الذكرى الخالدة المرتبطة بأهل البيت "ع" وأتباعهم، ولذلك أسباب ودواع كثيرة منها: ابتعاد العلماء عن التدخل والمراقبة لآليات إحياء هذه الذكرى، وإذا كان لهم حضور فهو حضور تشريفي بشكل عام. فلو أن تلك الممارسات وجهت وقوبلت بالتصحيح والترشيد لما أصبحت ظواهر وكأنها أصل من أصول إحياء الثورة الحسينية.

ثانيا: في ظل الحديث عن أسباب تنامي هذه الظاهرة أيضا يمكن القول إن العواطف الجياشة غير المؤطرة بالمعرفة، تخرج صاحبها من مساره الطبيعي من دون أن يشعر، نتيجة استغراقها لكامل مشاعره، وهذا ما حذر منه الامام علي بن أبي طالب "ع" بقوله: "ومن شيعتنا من أحبنا حتى أصبح حبه عارا علينا". وهناك أحاديث أخرى كثيرة يمكن الاستشهاد والاستدلال بها في هذا السياق.

ثالثا: إن دخول شعوب جديدة إلى حظيرة الإسلام وهي تحمل معها عاداتها التي اعتادتها في إحياء مناسباتها وطقوسها المختلفة، وأخذت منهم بشكل عاطفي عشوائي من دون استيعاب كما يترتب على ذلك من أضرار كثيرة، ولاسيما أنها ستتحول إلى سنة يتحمل صاحبها وزرها ووزر من يعمل بها إلى يوم القيامة.

هل يحتاج التراث الحسيني إلى ثورة تصحيحية طالما أدركنا أن المنطلق الأساسي لحركة عاشوراء كانت للإصلاح؟

- نعم، بلاشك نحن بحاجة إلى ثورة فكرية عقلانية ومتعقلة تقوم على أساس التفاهم والحوار الأخوي الهادف المدعوم بشواهد من سيرة أهل البيت "ع" وعلماء الأمة، وما يترتب على ذلك بالعنوان الثانوي كما يقول الفقهاء.

إن هذا الأمر على رغم أهميته الكبيرة، لا يمكن أن يتأتى بين عشية وضحاها، بل لابد من بذل الجهد وتحمل المسئولية تجاه هذه الثورة العظيمة التي أكسبت الإسلام مناعته الدائمة أمام كل أنواع الظلم والانحراف.

وما الآليات العملية لنهج التصحيح ليرى النور؟

- أولا: يتحقق ذلك من خلال تبني العلماء جميعا لهذا الموضوع على أنه رسالة مقدسة لابد من أدائها. باعتبارها ترتبط بالمرحلة الثانية من تاريخ الاسلام المحمدي.

ثانيا: ضرورة تبني ذلك من جهة خطباء المنبر الحسيني الذين نذروا أنفسهم ووظفوا ملكاتهم ومواهبهم لخدمة هذه الرسالة الحسينية التي هي سر حفظ الإسلام من المنعطفات والمنزلقات التي عصفت بالمسلمين منذ قرون طويلة.

ثالثا: الراجح ضرورة عقد مؤتمر يضم العلماء وذوي الشأن، ويقام تحت عنوان "مؤتمر تنقية التراث الحسيني"، ليناقش مختلف المسائل ذات الصلة بهذا المحور المهم في إحياء النهضة الحسينية المباركة

العدد 899 - الأحد 20 فبراير 2005م الموافق 11 محرم 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً