كل النظرات تتجه نحوي. .. أصابع الاتهام تشير إلي... لقد سئمت... لا أحد يشفق علي... لم أكن مخطئة... لم أرتكب أي ذنب... إنها أختي الصغيرة... هي التي استوقفتني وطلبت مني اصطحابها للتنزه... ماذا أفعل؟ لم يكن بوسعي أي شيء... سقطت دميتها في منتصف الطريق فركضت لاسترجاعها... ناديتها... صرخت بأعلى طاقتي... لكنها لم تول صراخي الاهتمام... وما هي إلا ثوان... لتقترب سيارة مسرعة من صغيرتي... لتسلب روحها البريئة... لتفرق بين جسدها وروحها... لقد أصبحت في تلك الثواني شبه مجنونة... أصرخ... أركض... أبكي... تجمع الناس على زهرتي التي لم تكمل مشوارها الطفولي... ضحكوا كالنحل... أما أنا فحالي أسوأ منها... تمنيت أن تأتي سيارة تنتشلني من هذه الدنيا... عشت في سواد قاتم... أرى الناس وحوشا يريدون التهامي... أسمع تعازيهم كالسهام تخدش جسدي الهزيل... يا إلهي... لقد غطوا جسدها وحتى رأسها... هل صمت قلبها؟... أيها القلب تكلم... تحرك... لا تصمت... صمتك يعذبني... هيا لا تخف... أطلق نبضاتك الدافئة... سأحتضنك... سأمسح عنك أحزانك... سأرفعك بعيدا عن الآلام... سأخبئك بين أحشائي... سأجعل من ضلوعي... قفصا يحمي نبضاتك... لم يجبني... ولم يتحرك... تجاهلني وانطلق عني... حتى أنت يا أمي... كنت قبل ذلك غصنا وارفا... أما الآن أصبحت غصنا يابسا مجردا... هل ذبلت أوراقك؟... أم عجز فؤادك عن الحراك كأختي... لم تسألي عني؟... هل أنا المذنبة؟... هل قتلتها وأنا غير واعية؟... أم سلبت حريتها؟... عقلي انهار من شدة التفكير... لا أحد يخفف عني... هل تعتقدون أني ذات قبضة حديد؟... هل أنا مجردة من المشاعر؟... أنا لست حيوانا بريا... هيا امسحوا دموعي... قدموا التعازي... سأقتل نفسي...لا لا... سأمنع الطعام عن فمي... أم ماذا؟ نعم سأزرع في كل زهرة رحيقك يا أختي... بل سأحفر كل طريق داسته قدميك لأخبئ آثارها... سأرسمك قوس قزح... سأكتبك أنشودة الزمن... سأنادي كل طفل باسمك حتى لا تفارقيني... وسأهيم في كل شارع حتى أجد سيارة ترفعني اليك... لا تقلقي يا أختي... سأنام بجانبك... وسأمسح عن دميتك الدم الذي تركته عليها عند الحادث... سنضحك... ونمرح... ونجري إلى آخر الأفلاك... لن ندع الحزن يخيم على قلبينا... سنهرب من نظرات الناس... نعم... سنهرب... أعدك.
ليلى خميس علي
العدد 910 - الخميس 03 مارس 2005م الموافق 22 محرم 1426هـ