العدد 924 - الخميس 17 مارس 2005م الموافق 06 صفر 1426هـ

ألمانيا تسأل: لماذا ماتت الطفلة جيسيكا؟

شموع وسندويتشات لمن ماتت جوعا

هل ألمانيا بلد عدو للأطفال؟ فبالكاد يمر شهر من دون أن تنشر وسائل الإعلام جريمة قتل أو اغتصاب أو اعتداء ضحيتها طفل. وفيما يتعذب أولياء أمور الضحايا ينتهي المجرمون في مصحات لتلقي العلاج النفساني، لكن في الاسبوع الماضي جرى الحديث عن جريمة بشعة للغاية في ألمانيا راحت ضحيتها طفلة في السابعة اسمها جيسيكا، التي جعلت ألمانيا تتساءل: لماذا ماتت جيسيكا جوعا وبهذه الطريقة البشعة؟ ألم يعرف الجيران أنها كانت مسجونة داخل شقة والديها طيلة الوقت؟ لماذا لم تسأل إدارة المدرسة عنها وتستفسر عن سبب تغيبها؟ كل هذه الأسئلة تحتاج إلى إجابات، لكن كل ذلك لن يفيد جيسيكا!

الصورة الأولى التي عرضتها محطات التلفزة الألمانية كانت لوالدي جيسيكا، بوركهارد ومارليز وهما يتعانقان، منظر لطيف لوحشين كاسرين. تبدأ القضية باتصال هاتفي أجرته مارليز مع إدارة النجدة وقالت إن ابنتها جيسيكا لم تعد قادرة على التنفس. وحين وصل الطبيب الشرعي إلى شقتهم في الطبقة السابعة بإحدى ضواحي مدينة هامبورج، وجد مشهدا مرعبا جعله ينفجر باكيا، إذ شاهد جيسيكا ممددة على سرير والديها وقد تحول وجهها إلى وجه مومياء صغيرة. جيسيكا كان وزنها في تلك الساعة 9 كغ فقط، وهو وزن طفل لا يتجاوز عمره عامين.

واكتشف الطبيب أن الطفلة لم تحصل على طعام ولا على ماء لفترة طويلة، غير أن اليوم الذي توفيت فيه كان اليوم الذي حصلت عليه على وجبة من الطعام، إذ كانت معدتها مليئة بالشوكولاتة والرز، ولأن أمعاءها كانت تعاني من انسداد استقلبت الطفلة وماتت اختناقا خلال عملية الاستقلاب.

ميتة تثير الحزن والغضب لأن جيسيكا لم تمت ميتة طبيعية بل نتيجة عملية تعذيب على يد والديها، من دون أن ينتبه لذلك أحد، وكان بوسع الموظفين الاجتماعيين لو انتبهوا أن ينقذوها. على سبيل المثال بعث مدير المدرسة التي كان من المقرر أن تزورها جيسيكا رسالة إلى والدتها نهاية العام 2003 أشعرها أن ابنتها التي أكملت سن السادسة ينبغي أن تحضر معها للتسجيل، وفقا للقانون الألماني، لكنه لم يحصل على جواب.

في ضاحية هامبورج ينفيلد حيث يعيش ألمان أحوالهم الاجتماعية صعبة إلى جانب جاليات تركية وبولندية وأفارقة، يعتمد غالبيتهم على المعونة الاجتماعية ونسبة البطالة في المنطقة مرتفعة جدا، فإنه نادرا ما تثير المدرسة اهتمام الآباء. بعث المدير رسالة ثانية وثالثة باليد هذه المرة عبر تلميذ يقيم في المبنى الذي تقيم فيه أسرة جيسيكا، لكن التلميذ عاد ليقول للمدير إن أحدا في المبنى لا يعرف أن هناك طفلة اسمها جيسيكا تقيم مع والديها وأن أحدا لم يرها. هذه المعلومة لم تنبه المدير إلى وجود شيء غير عادي، ففي كل عام يتوقف تلميذ أو أكثر عن الدراسة في مدرسته، أو يعيش عند الجدين أو مع أسرة بالتبني أو يهاجرون مع أولياء الأمور. تحرك مدير المدرسة وأخطر مؤسسة تهتم بالتقصي عن أحوال الأطفال الذين يتغيبون عن زيارة المدارس. ثلاث مرات وقف موظفون في هذه المؤسسة أمام باب شقة والدي جيسيكا وقرعوا الجرس من دون أن يفتح لهم أحد الباب، ولكنهم صرفوا النظر عن طلب التحقيق لمعرفة مصيرها. وقال العمدة الأعلى للمدينة إنه يريد الحصول على كل المعلومات لمعرفة حقيقة ما حصل وأدى لهذا المصير البشع للطفلة جيسيكا. كما يريد العمدة الأعلى معرفة مدى تقصير الموظفين الاجتماعيين وماذا يجري في المؤسسات التي يعملون فيها. فيما رفض كبار المسئولين في إدارة المدارس ووزيرة التعليم في ولاية هامبورج تحمل أية مسئولية.

وأشارت وسائل الإعلام المحلية إلى أنه كان يكفي أن ينظر المهتمون بقضية جيسيكا نظرة واحدة إلى ملف والدتها مارليز. ففي العام 1982 تنبه مكتب رعاية الأطفال لها، حينها انتقلت مارليز وكان عمرها 13 سنة للعيش في مسكن خالتها بسبب الضائقة المالية التي وقعت فيها والدتها. ومن هناك انتقلت للعيش في مسكن للشبيبة تشرف عليه إدارة الشئون الاجتماعية، وحملت سفاحا من أحد المقيمين معها الذي لم يرغب بالتعرف على مولوده. وبعد وقت قصير تعرفت على رجل آخر يدعى رالف وتزوجته. كلما زارتهما خالتها وجدت طفلها في غرفة مظلمة. راحت الخالة ترجوهما أن ترعى الطفل بعض الوقت وحين وافقا اتصلا بها وطلبا منها أن تحتفظ به للأبد. انتقل الطفل من حضن الخالة إلى العيش في حضانة أسرة بالتبني. بعد وقت وردت رسالة إلى الخالة جاء فيها أن مارليز حامل. تبع ذلك طلاق مارليز من رالف وانتقلت للعيش مع صديق جديد في ضاحية ينفيلد بمدينة هامبورج، وفي المسكن الجديد وضعت طفلتها جيسيكا التي يعتقد المحققون الآن أنها عاشت طفولة أليمة للغاية في ظل والدين لا أحد من علماء النفس يستطيع تبرير تصرفهما.

شموع وسندويتشات

حاليا، يقوم الجيران بوضع الزهور أمام المبنى، حيث كانت تعيش جيسيكا وكل واحد منهم يشعر بالذنب نوعا ما. بعض الأولاد وضعوا بعض الشموع والسندويتشات لأنهم سمعوا أن جيسيكا ماتت جوعا وبعض الأطفال أحضروا لعبهم الخاصة. على مقربة من المبنى مطعم صغير يبيع الدجاج المشوي كان يحضر لوالدي جيسيكا طلباتهما باستمرار. كانت مارليو وصديقها رالف الذي ينحدر من مدينة برلين يمضيان الوقت في المساء في ناد للبلياردو. لم ينتبه أحد لوجود طفلة في الشقة تتضور جوعا وتبحث فيها عن طعام. وقال بعض المعارف إن والدتها كانت تتحدث طيلة الوقت عن قطتها. وحين داهمت الشرطة شقة مارليز ورالف كان وزن القطة أكثر من 5 كغ، أي أكثر من نصف وزن جيسيكا حين فارقت الحياة. وقالت إحدى الجارات: "لم تشر مارليز مرة واحدة لوجود ابنة لديها. وحين فعلت ذلك مرة طلب منها بعض الجيران أن تحضرها معها، لكن مارليز كانت تتعذر دائما بحجة أن ابنتها خجولة جدا". جميع معارف مارليز ورالف من العاطلين عن العمل الذين يقضون الوقت بالتسكع وتدخين السجائر وتناول الخمرة

العدد 924 - الخميس 17 مارس 2005م الموافق 06 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً