العدد 924 - الخميس 17 مارس 2005م الموافق 06 صفر 1426هـ

العلاقة الصعبة بين تركيا والولايات المتحدة

حصل تقارب كبير في السنوات الأخيرة بين الولايات المتحدة وتركيا. في البداية رعت واشنطن وشجعت الأتراك على عقد تحالف استراتيجي مع "إسرائيل". هذا التحالف الذي زاد من قوة تفوق البلدين العسكري أمام الدول العربية. وقد أدت سياسة رئيس الوزراء الإسرائيلي آرييل شارون التعسفية ضد الفلسطينيين لإثارة غضب رئيس الوزراء التركي أردوغان وعبر عن غضبه في إحدى المناسبات حين رفض الاستجابة لطلب من شارون أن يحط الأخير بطائرة كانت تقله من واشنطن لإجراء مباحثات مع رئيس الحكومة التركية. و بدأ يعود الوئام تدريجيا للعلاقات بين تركيا و"إسرائيل" بعد الاتفاق على أن تعمل "إسرائيل" في إصلاح طائرات ودبابات تابعة للجيش التركي.

غير أن لتركيا حليفا أهم وأكبر شأنا. إذ كانت الولايات المتحدة التي أصرت وضغطت على حكومات الاتحاد الأوروبي كي تقبل التفاوض مع تركيا لتمكينها من الانضمام للاتحاد الأوروبي رغم أن هذا الطلب لا يجد قبولا واسعا بين الأوروبيين الذين سيسعون إلى المناورة لقطع طريق تركيا إلى الاتحاد الأوروبي من خلال ترك قرار الموافقة على عضويتها إلى الشعوب الأوروبية التي سيطرح عليها الأمر في عمليات استفتاء. تشير عمليات استطلاع الرأي في أوروبا إلى أن الشعوب الأوروبية ترفض العضوية التركية وهذا بالتحديد ما سيساعد حكومات الاتحاد الأوروبي على الاستفادة به لتأجيل انضمام تركيا للمنظومة الأوروبية قدر المستطاع. منذ أسابيع لم يكن المسار الأميركي التركي على أفضل حال. وتعمقت الخلافات بين البلدين إلى حد يوصف بالتوتر وقضايا الخلاف التي خرجت إلى العلن: حرب العراق والنزاع التركي الكردي والسياسة الأميركية تجاه إيران.و وفقا لتعليقات المهتمين بالمنطقة لم يسبق وأن توترت العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا إلى هذا الحد. لم يصل التوتر إلى حد تبادل الضرب بالنعال لكن تركيا مستاءة للغاية من استفزاز وسائل الإعلام الأميركية لها. إذ إن المقال الذي كتبه كبير المحررين في صحيفة "وول ستريت جورنال" الصحيفة المحببة عند الرئيس بوش، روبرت أل بولوك، يعتبر استفزازيا وحين قرأه الأتراك ثار غضبهم. عنوان المقال: تركيا.. رجل أوروبا الضعيف. ليست هذه أول مرة يستفز الكاتب الأتراك إذ سبق وأن تنبأ في السابق بنهاية الصداقة القائمة على المصالح بين الولايات المتحدة وتركيا. يعكس هذا المقال امتعاض الأميركيين من التقارير التي تردهم من تركيا اذ سجلوا في الفترة الأخيرة تنامي موجة عداء ضد القوة العظمى وبصورة تجاوزت موجة العداء للولايات المتحدة في البلدان العربية. وحاول نعمت تان المتحدث باسم الخارجية التركية يوم الجمعة الماضي شرح الموقف التركي الرسمي حين قال لصحافيين أجانب إنه ليس من العدل أن يكتب بالوك مثل هذا الكلام.

لم يسبق وأن احتج الأتراك بهذه الصورة على مقال نشر عن بلدهم في صحيفة أجنبية. الواضح أن المقال ضرب أهم شريان في الجسم التركي. وكان الصحافي الأميركي رافق وفد من وزارة الدفاع الأميركية إلى تركيا قبل أيام قليلة على نشر المقال. والتقى بالوك خلال الزيارة بالسفير الأميركي لدى تركيا، إيدلمان، الذي من المحتمل أن يكون أطلعه على قضايا الخلاف وفجر غضبه وهكذا حصل بالوك على صورة مفصلة عن أسباب توتر العلاقات بين الحكومتين الأميركية والتركية. كانت حصيلة الزيارة مقال في إطار تعليق أشار إلى مدى عدم امتنان الأتراك لما فعلته الولايات المتحدة من أجلهم على مدى خمسين سنة كاملة مضت.

ويشعر"السادة" في وزارة الدفاع الأميركية بالغضب أكثر من غيرهم على تركيا . اذ استغل وزير الدفاع الذي يخونه لسانه على الدوام دونالد رامسفيلد، ظهوره في مقابلة تلفزيونية مع لاري كينج قبل أسبوعين ليصب جام غضبه على الأتراك وكشف عن الغيظ في نفسه من أحفاد أتاتورك. قال رامسفليد خلال المقابلة إن استمرار المقاومة في ما يعرف المثلث السني في العراق هو نتيجة لامتناع تركيا التعاون في خطة غزو العراق وكانت تنص على دخول وحدات عسكرية أميركية عبر الحدود التركية. وقام الرجل الثالث في وزارة الدفاع الأميركية دوغلاس فايت بصب المزيد من الزيت على النار. في كلمة ألقاها فايت أمام مجلس الشئون الخارجية السبت الماضي قال إن الأهمية التي تعلقها الحكومة التركية على علاقاتها مع الولايات المتحدة يجب أن تنتقل إلى الشعب التركي. وطالب المسئول الأميركي الحكومة التركية وقيادة الجيش بالتصدي لموجة عداء الولايات المتحدة ووقف الحملات الإعلامية وإلا ستضطر الولايات المتحدة إلى وقف الاهتمام بعلاقاتها مع تركيا كما في السابق.

من جهة أخرى، ما زاد من حنق الأتراك على أميركا خروج أكراد العراق ضمن أبرز الفائزين من الحرب على العراق. منذ الغزو تصر الحكومة التركية أن تقوم القوات الأميركية بوقف نشاطات حزب العمال الكردي في شمال العراق أو ترك هذه المهمة لها. استفحلت هذه المشكلة في الصيف الماضي بعد إعلان حزب العمال الكردي رغبته في تحقيق هدنة لكن تركيا تتهمه منذ ذلك الوقت بشن هجماته من مناطق جنوب شرق الأناضول في تركيا التي غالبيتها السكانية من الأكراد ضد عناصر تابعة للجيش التركي ومخافر الشرطة. و لم تحصل أنقره على تعهد أميركي صادق بأن الولايات المتحدة لن تسمح بقيام دولة كردية في شمال العراق. حصلت تركيا على دليل يعزز شكوكها حين جرت انتخابات محلية بمدينة كركوك التي يريدها أكراد العراق عاصمة لدولة كردية مستقلة، والتي جرت في موعد واحد مع الانتخابات الوطنية في العراق في يناير الماضي. فقد رضي "البنتاغون" تحت ضغط الزعيمين الكرديين جلال طالباني ومسعود برازاني أن يتم تسجيل 70 ألف كردي غير مقيمين في كركوك في لوائح الناخبين الأمر الذي ساعد بفوز الأكراد بسهولة في انتخابات المدينة. بالحصول على كركوك سيضمن أكراد العراق ضمان السيولة المالية لدولتهم المقبلة. لكن قيام دولة كردية في شمال العراق هو حلم مزعج للجنرالات الأتراك الذين يخشون تمرد الأكراد في جنوب شرق الأناضول والمطالبة بالانفصال عن تركيا. ولم تستطع وزيرة الخارجية الأميركية كونداليزا رايس حين زارت أنقره في ختام جولتها الأوروبية أخيرا من الكشف عن موقف محدد لواشنطن حيال قضية كركوك. رغم التوتر الجديد تستخدم القوات الأميركية القاعدة الجوية التركية "أنجرليك" في عمليات تموين قواتها في شمال العراق وستحتاج الولايات المتحدة بصورة خاصة لهذه القاعدة إذا استفحل النزاع مع إيران أو مع سورية. الملفت للنظر هذه الأيام انتشار كتاب سياسي يحمل عنوان"طقس حديدي" يتنبأ بأسوأ سيناريو: تجتاح قوات تركية شمال العراق وتتصادم مع قوات أميركية. تقوم الولايات المتحدة على الأثر بشن هجوم واسع على تركيا. مثل هذه الفكرة لكتاب لم تكن لترد في السابق في فكر كاتب تركي لولا أن توتر العلاقات بين الولايات المتحدة وتركيا بلغ أسوأ حد له

العدد 924 - الخميس 17 مارس 2005م الموافق 06 صفر 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً