نشرت "الوسط" في نافذة سابقة الانتهاكات والتجاوزات التي تتعرض لها مقابر عالي الأثرية "أكبر مقبرة تاريخية في العالم"، من عملية تدمير وإزالة من على سطح الأرض وإقامة فلل للمتنفذين مكانها. وكشفت "الوسط" عن وجود مخطط يهدف إلى تغيير اسم المنطقة التي تحتضن مقابر عالي الأثرية إلى منطقة الرفاع حي "جري الشيخ"،بالإضافة إلى عمل شارع يخترق هذه القبور بدء من شارع 38 في عالي، وهو ما اعتبره مهتمون بشئون الآثار جريمة في حق التاريخ الإنساني.
وفي نافذة اليوم نلتقي مع عدد من المختصين بالشأن التاريخي في البحرين للتعرف على موقفهم من الانتهاكات التي تتعرض لها قبور عالي الأثرية.
الآثار في تناقص مستمر
يقول الباحث التاريخي علي أكبر بوشهري إن "هذه ليست المرة الأولى التي تدمر فيها آثار البحرين، فالآثار في تناقص مستمر وذلك بحجة بناء الفلل، ونتيجة لذلك لم يبق من الآثار إلا النزر القليل". ويردف: "الأراضي اللازمة للتوسع العمراني موجودة، والمناطق الأثرية يجب حمايتها وعدم التعدي على حرمتها، فعندما نقضي عليها ماذا نترك للأجيال المقبلة من تاريخ وحضارة هذا البلد؟".
ويؤكد بوشهري "عدم وجود أي حجة يمكن أن تبرر تدمير وإزالة آثار هذا البلد، فمقابر عالي الأثرية ذات قيمة أثرية على درجة كبيرة من الأهمية، كما أنها شهدت أولى عمليات التنقيب الأثري"، داعيا إلى "وقف التدمير الذي تتعرض له المواقع الأثرية في البحرين".
ويذكر الباحث التاريخي أنه لم يستغرب عندما قرأ عن التدمير الذي تتعرض له مقابر عالي الأثرية، ويقول: "منذ سنوات وأعمال التدمير للمواقع الأثرية مستمرة من دون رادع، وكل ذلك بحجة الحاجة إلى أراض لبناء الفلل والبيوت عليها، وهذا خطأ كبير وللأسف هناك استمرار في هذا الخطأ، وسيأتي اليوم الذي لن تبق فيه أية آثار في البحرين".
قانون الآثار لا يطبق
ومن جانبه يفصح رئيس جمعية تاريخ وآثار البحرين عيسى أمين بأن التدمير لا يقتصر على مقابر عالي الأثرية، بل يمتد إلى آثار البحرين الأخرى، إذ يقول تعليقا على الموضوع: "قانون الآثار الذي صدر في العام 1970 لم يعد له أي تطبيق على أرض الواقع، والدليل ما تتعرض له مقابر عالي التاريخية من تدمير وإزالة واعتداء على حرمتها، وكذلك مستوطنة سار التي تم تدميرها، ما نجم عنه انخفاض عدد تلال المدافن فيها من 15 ألفا إلى نحو 50 فقط".
وتعود تلال المدافن الموجود في مستوطنة سار إلى الفترة الدلمونية المبكرة، ويرجع سبب تناقص عددها إلى التوسع العمراني غير المدروس.
الأمر لا يقتصر على ذلك فجميع آثار البحرين مستها يد التدمير، إذ يقول أمين: "كانت في البحرين نحو 172 ألف تلة أثرية وما تبقى منها يقل عن ألف تلة، بالإضافة إلى ذلك تعاني معابد باربار ومستوطنة سار من الإهمال وغياب الاهتمام بها".
تشويه قلعة البحرين
ويكشف رئيس جمعية تاريخ وآثار البحرين عن "عملية تشويه تعرضت لها قلعة البحرين خلال أعمال الترميم والصيانة التي شهدتها خلال العامين الماضيين، وذلك بهدف إعداد وتهيئة موقع قلعة البحرين للحصول على اعتراف منظمة اليونسكو "المعنية بالثقافة والعلوم والتراث الإنساني التابعة للأمم المتحدة" لتسجيلها "القلعة" ضمن قائمة التراث العالمي، فبدلا من الإعداد الجيد والترميم والصيانة بصورة صحيحة لنيل اعتراف "اليونسكو" بها، تسببت أعمال الترميم الأخيرة في تشويه هذا الموقع الأثري المهم، فالموقع الأثري لابد أن تكون له مواصفات خاصة حتى تتم عملية تسجيله في منظمة "اليونسكو"، ومن المواصفات المخالفة التي أحدثتها أعمال الترميم والصيانة الأخيرة الدفن البحري أمام موقع القلعة، تغيير سمات بيئة القرية القريبة من موقع القلعة، بالإضافة إلى عدم توضيح حدود القلعة، وبالتالي من الممكن أن تؤثر هذه الأمور على اعتراف "اليونسكو" بالموقع".
احتمال رفض "اليونسكو" وارد
وبحسب أمين فإن "احتمال رفض منظمة اليونسكو لتسجيل موقع قلعة البحرين كأحد مواقع التراث الإنساني أمر وارد، فالمنظمة تريد عند تسجيل أي موقع أثري أن يكون الموقع على ما هو عليه، مع ضرورة المحافظة على البيئة المحيطة به وعدم المساس بها"، ويؤكد "أهمية المحافظة على الموقع والالتزام بالنص الحرفي للمواصفات التي تطلبها منظمة اليونسكو".
فيما يرى بوشهري أن "منظمة اليونسكو لن تعترض على الاعتراف بموقع قلعة البحرين ضمن قائمة التراث الإنساني لهذه الأسباب، وفي حال رفضت "اليونسكو" الاعتراف بالموقع فذلك بسبب وجود نقص في بعض جوانب التقرير المتعلق بالقلعة".
ويشير بوشهري إلى أن "موافقة اليونسكو على الاعتراف موقع القلعة لا ينهي الموضوع، فبعد موافقتها تضع شروطا معينة، منها أن تقوم الدولة باستملاك موقع القلعة كاملا".
وتعتبر قلعة البحرين من أقدم التحصينات العسكرية الموجودة في المنطقة، وتتكون من ثلاث قلاع، الأولى تم بناؤها قبل ميلاد المسيح بدليل الطراز الذي شيدت عليه وهو الطراز الإغريقي الروماني، ويرجع بناء القلعة الثانية إلى ما بين القرن الحادي عشر والثالث عشر الميلادي وقد اختفت معالم هذه القلعة بفعل التغيرات المناخية السائدة في المنطقة إذ غطتها الرمال واختفت مع الزمن، وتعود القلعة الثالثة إلى القرن السادس عشر الميلادي وقد شيدها البرتغاليون على بقايا القلعة الإسلامية مستخدمين أحجارها.
وفي سؤال عن جهود الجمعية في المحافظة على آثار البحرين من التدمير، أجاب أمين: "جمعية تاريخ وآثار البحرين هي جمعية أهلية تضم مجموعة من المتطوعين من المجتمع البحريني، وسبق أن حاولت في الفترة الماضية المحافظة على المواقع الأثرية الموجودة في مدينة حمد غير أن مساعيها لم تكلل بالنجاح"، منوها بأن "ما يحسب للجمعية هو نجاحها في إصدار قانون الآثار في سبعينات القرن الماضي".
وبخصوص ما أعلنته اللجنة الأهلية التي تشكلت من مجموعة من أهالي قرية عالي للمحافظة على مقابر القرية التاريخية، عن عزمها رفع قضية الانتهاكات التي تتعرض لها قبور عالي الأثرية إلى منظمة "اليونسكو"، يرى أمين أن "اللجنة يجب أن تبدأ عملها من الداخل برفع القضية إلى السلطات المحلية، لمطالبتها بوقف الانتهاكات التي تتعرض لها المقبرة، وتحويل الموقع إلى مقصد سياحي بتوفير عناصر الجذب السياحي الضرورية لجذب أكبر عدد ممكن من السياح"، رافضا "ممارسة أي ضغط خارجي لوقف هذه الانتهاكات".
النواب يناقش القضية اليوم
وعلى صعيد مجلس النواب يناقش المجلس في جلسته صباح اليوم "الثلثاء" تقرير لجنة الخدمات الذي أوصت فيه بالموافقة على المقترح برغبة بشأن تحويل مقابر عالي الأثرية إلى متحف طبيعي مفتوح، وتعويض أصحاب الأراضي إذا كانت الأراضي أملاكا خاصة، مع وضع خطة زمنية لتنفيذ ذلك.
ومن جانبه يؤكد النائب البرلماني عبدالنبي سلمان أن "النقاش عن مقبرة عالي الأثرية في مجلس النواب اليوم الذي من المفترض أن يحضره وزير الإعلام لن يقتصر على موضوع تحويلها إلى متحف طبيعي، بل سيتضمن كذلك الانتهاكات التي تتعرض لها المقابر الأثرية"، ويشير سلمان إلى أنه "في حال عدم اقتناع المجلس بالإجابات التي ستطرحها الوزارة سأتقدم بطلب تشكيل لجنة تحقيق برلمانية في هذه الانتهاكات".
تحد لتاريخ البلد
ويقول النائب البرلماني إن "الانتهاكات التي تحدث في مقبرة عالي الأثرية تعد تحديا لكل تاريخ البلد، من دون مراعاة لماضي أو حاضر هذا البلد"، ويضيف "كذلك سنطرح قضية تغيير اسم المنطقة التي تقع فيها مقابر عالي الأثرية إلى الرفاع "جري الشيخ" أثناء النقاش، ونتمنى أن نجد إجابة من الوزارة على ذلك".
وأبدى سلمان استعداده "لإيصال القضية إلى منظمة "اليونسكو" بالتعاون مع اللجنة الأهلية التي تشكلت من مجموعة من أهالي قرية عالي للدفاع عن المقابر الأثرية، في حال عدم تجاوب الجهات المحلية مع القضية".
وتأتي توصية لجنة الخدمات بعد المقترح الذي تقدم به النواب فريد غازي، جاسم عبد العال، عثمان شريف، محمد آل الشيخ وعبدالنبي سلمان، ويهدف إلى توفير دخل ثابت للدولة يصل إلى 500 ألف دينار سنويا من مرتادي المقابر، وذلك بعد تهيئتها لاستقبال الزوار بإنشاء المرافق العامة وبناء الاستراحات والمطاعم وصالة علمية حديثة ومسرح للصوت والضوء.
كما قد يسهم في ازدهار بعض الصناعات التقليدية الحرفية كصناعة الفخار، ومن شأن ذلك بعد تسويرها بشكل حضاري أن يخلق فرص عمل جديدة تصل إلى نحو مئة فرصة، بالإضافة إلى امكان ربط هذا المعلم بالمنظمات التابعة للأمم المتحدة التي تسجل وتعترف بالآثار التاريخية، ما يضعها على خريطة المعالم التاريخية في العالم، ويبرز دور الحضارات الإنسانية المتعاقبة على المملكة.
تجمع شعبي
وينظم المجلس البلدي في المنطقة الوسطى تجمع شعبي، تم دعوة نواب وشوريون وفعاليات أهلية للمشاركة فيه، بهدف التنديد والاحتجاج لما تتعرض له الأماكن الأثرية والتاريخية من انتهاك وتدمير مستمر، وذلك يوم بعد غد "الخميس" في تمام الساعة الرابعة عصرا على شارع الشيخ خليفة بن سلمان بالقرب من نفق بوري
العدد 928 - الإثنين 21 مارس 2005م الموافق 10 صفر 1426هـ