تنظر الولايات المتحدة بقلق إلى زيادة قدرات الصين العسكرية بحصولها على مزيد من الأسلحة الأوروبية وهو أمر من شأنه كما يقول الأميركيون أن يؤدي إلى حدوث تغيير في ميزان القوة في المحيط الهادئ إذ تهيمن القوات الأميركية. وتضيف رغبة الاتحاد الأوروبي في رفع الحظر عن مبيعات الأسلحة إلى الصين الذي مضى عليه 15 عاما المزيد من القلق للولايات المتحدة. ويأتي القلق الأميركي في وقت أجرت فيه الحكومة تحقيقا سريا فيما إذا كانت عملية بيع شركة "آي بي إم" الأميركية لإنتاج أجهزة الكمبيوتر الشخصية إلى الصين يهدد الأمن القومي الأميركي. وتبلغ قيمة صفقة البيع التي أعلن عنها في شهر فبراير/شباط الماضي 1,75 مليار دولار إذ ستباع "آي بي إم" إلى شركة لينوفو غروب الصينية وهي أكبر شركة صنع كمبيوتر في الصين. وتقول مصادر مطلعة إن لجنة الاستثمارات الخارجية في الولايات المتحدة ستقر في النهاية صفقة البيع مع إجراء بعض التعديلات الطفيفة في شروط الصفقة.
وفي وقت سابق من شهر مارس/آذار الجاري بعث الاتحاد الأوروبي وفدا إلى واشنطن لمحاولة إقناع حكومة الرئيس جورج بوش وخصوصا أعضاء الكونغرس بقبول خطته رفع حظر مبيعات الأسلحة إلى الصين. ويقول الأوروبيون إنهم سيستبدلون الحظر بنمط من السلوك سيكون أكثر فعالية في السيطرة على مستوى التكنولوجيا التي تستطيع الصين شراءها من الغرب. ولم تترك هذه الخطة انطباعا مريحا لدى الأعضاء البارزين في الكونغرس بمن فيهم الرئيس الجمهوري للجنة العلاقات الخارجية ريتشارد لوغار الذي قال "لقد دافعت منذ زمن طويل عن الروابط مع حلفائنا الأوروبيين، وإنني أؤيد أيضا الاتصال المناسب مع الصين، ولكن المصالح القومية يمكن أن تتضرر إذا باعت دول الاتحاد الأوروبي تكنولوجيا أسلحة متطورة إلى الصين. ووافق على ذلك العضو الديمقراطي جوزيف بايدن الذي وجد عناء في اختيار الكلمات للتعبير عن حدة معارضته لخطة الاتحاد الأوروبي وقال "إن الاتحاد الأوروبي من وجهة نظري يتصرف - دعوني أفكر، بكيفية التعبير بدقة ومن دون إساءة، ولعلني لا أستطيع ذلك. وإنني أعتقد أن هذا قرار خطير جدا جدا". ولاحظ بايدن أن بعض أعضاء الكونغرس هددوا بإجراءات تجارية ثأرية ضد أوروبا إذا رفعت حظر مبيعات الأسلحة إلى الصين. ويقول مسئولون أوروبيون ومحللون إن القلق الأميركي في غير محله. وقال رئيس السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا في قمة الاتحاد الأوروبي الأخيرة إنه "من غير الإنصاف" مواصلة الحظر طيلة سنوات كثيرة بعد الحدث الذي أدى إليه، وقد فرض الحظر بعد مجزرة ساحة تاينانمين في العام .1989 ويقولون أيضا إن رفع الحظر غير فعال جدا وإن اقتراحهم بـ "نمط من السلوك المعزز" سيمنع من بيع معظم التكنولوجيا العسكرية الأكثر تطورا والحساسة إلى الصين. ويقولون أيضا إن الصين ستبني قدرتها العسكرية بمساعدة أو من دون مساعدة غربية، وإنه سيكون من الأفضل على المدى الطويل الانخراط في الاتصال مع الصين.
ويقول المحلل في "مؤسسة فريدريك إيبرت" بواشنطن ديتر ديكتي إن الحظر غامض جدا وهو يؤذي فقط قدرة الغرب على التأثير في السياسة الخارجية للصين. وقال إن رفع الحظر هو عمل رمزي من الناحية العملية. فنحن نرفع الحظر لكي نوضح بأننا نريد وضعا طبيعيا مع الصين وإننا لا نريد أن نقوم بذلك من دون شروط. كما أننا نريد أن نوضح أن علاقاتنا منظمة من خلال مستويات مشتركة بشأن كيفية استخدام الأسلحة وكيفية اتخاذ مسلك سلمي. ويشير ديكتي إلى أن روسيا وهي الآن المورد الرئيسي للأسلحة للصين، وهو وضع يقول عنه إنه ليس جيدا لأوروبا أو للولايات المتحدة سواء من وجهة نظر استراتيجية أو اقتصادية.
واستبعد مسئول كبير في "البنتاغون" وجهة النظر الأوروبية قائلا إن من السهل على الأوروبيين القول بأن رفع الحظر لا يوجد أخطارا في منطقة المحيط الهادئ لأنهم من غير المحتمل إلى درجة كبيرة أن ينخرطوا في أي حرب في المحيط الهادئ. وأشار المسئول ذاته أيضا إلى أنه على رغم بعض الخلافات السياسية وقصف السفارة الصينية في بلغراد العام 1999 الذي زعمت حكومة الرئيس الأسبق بيل كلينتون خلال حربها على يوغسلافيا للإطاحة بنظام حكم ميلوسيفيتش، أنه حدث بطريق المصادفة، فإن الولايات المتحدة والصين لهما علاقات قوية بين جيشيهما. وقال إنه من الممكن المحافظة على هذه العلاقة، وغيرها من الروابط الأخرى مع الصين من دون بيع تلك البلاد معدات عسكرية.
ويتهم بعض المنتقدين الأميركيين لخطة الاتحاد الأوروبي أوروبا بأن لديها دافعا تجاريا بصورة رئيسية وأنها تريد زيادة مبيعاتها إلى الصين وليس فقط معدات عسكرية ولكن أيضا طائرات مدنية ومواد أخرى ثمينة. ويشعر هؤلاء المنتقدون بالقلق أيضا بأن رفع الحظر سيرسل رسالة بإقرار سياسة الصين فيما يتعلق بحقوق الإنسان والتي يقولون إنها إشارة خاطئة بأن ترسل مثل هذه الرسالة لأن الصين لا تزال تحتفظ بسجناء سياسيين ودينيين، ولا تزال تقيد بحدة حرية التعبير وترفض السماح لأي معارضة سياسية مهمة لحكم الحزب الشيوعي.
وهناك عوامل قلق أخرى أيضا بما في ذلك عامل ذكره لوغار الذي قال "إن قلقنا الأول يجب أن يكون وقف انتشار تكنولوجيا الأسلحة، فالصين باعت في الماضي أسلحة وتكنولوجيا مرتبطة بها" إلى ما أسماه "دول مارقة" وإن "جيش الصين يسعى بصورة هجومية للحصول على أسلحة أكثر تقدما وإلكترونيات لعملية التحديث المستمرة التي يقوم بها. ولن يكون لأوروبا سوى سيطرة ضئيلة بالنسبة للجهة التي ستنتهي إليها مثل هذه التكنولوجيا الرئيسية". ويشعر أعضاء في الكونغرس وآخرون بأن أي معدات متطورة وتكنولوجيا مصحوبة بتطبيقات عسكرية تباع إلى الصين يمكن أن يعاد تصديرها إلى كوريا الشمالية وإلى دول أخرى لا تريد الولايات المتحدة ولا حلفاؤها أن تحصل تلك الدول على تلك المعدات.
ولكن القلق الفوري بشأن مساعدة الحشد العسكري الصيني يتعلق بتايوان. وبحث وزير الدفاع الأميركي دونالد رامسفيلد الموضوع ذاته مع وزيرة الدفاع الفرنسية أليوت ماري خلال اجتماعهما في واشنطن يوم التاسع من مارس الجاري، إذ حث فرنسا وأوروبا على عدم رفع حظر مبيعات الأسلحة إلى الصين.
ويقول محللون إن ميزان القوة عبر مضيق تايوان قد تغير فعلا لصالح الصين. وهم يقولون إن رفع الحظر الأوروبي عن الأسلحة سيجعل الأمور فقط أكثر سوءا بأن يجعل من الصعوبة أكثر من الناحية العسكرية بأن تهرع الولايات المتحدة لمساعدة تايوان إذا دعت الضرورة. ويعترف مسئولون في "البنتاغون" بأن جهود الصين غيرت المعادلة العسكرية في منطقة المحيط الهادئ خلال السنوات الخمس الماضية، وهم يقولون إن هذه المعادلة تستمر في التغير بسرعة
العدد 936 - الثلثاء 29 مارس 2005م الموافق 18 صفر 1426هـ