العدد 2891 - الخميس 05 أغسطس 2010م الموافق 23 شعبان 1431هـ

‎التصفيق مهارة تواصلية ذات طابع عرفي

‎ الدراسات الاجتماعية أثبتت أن للتصفيق على اختلاف أنواعه واشكاله دلالات بشرية مشتركة كالتعبير عن الإعجاب بحدث أو موقف.

‎وتقول الدراسات إن التصفيق شعور كامن يعبر في بعض اللحظات عن سعادة الإنسان أو عند تحقيق انتصار ما وهو يجمع بين الشعور واللاشعور، فالجزء الشعوري يظهر عند لحظة الإعجاب.

‎كما ان المستوى الثقافي والاجتماعي يحدد أسلوب التصفيق فسيدات المجتمع الراقي يصفقن بأطـراف أصابعهن على عكس الفئات الشعبية والمثقف يختلف عن الجاهل، وكذلك تصفيقة المرأة تختلف عن الرجل . أما عن تصفيق المشاهير فهو يختلف تماماً حيث يحكمه الاتيكيت وقواعد معينة.

‎ويعتبر التصفيق ذات طابع عرفي تحول في الوقت الراهن إلى مهارة تواصلية، يكتسب جزء منها من خلال الملاحظة والمحاكاة والتقليد، ويكتسب جزء آخر بواسطة التوجيه والإرشاد، ويتم صقلها بواسطة الخبرة والممارسة؛ وكأي مهارة تواصلية فقد يبرع فيها البعض؛ فيعرفون أنسب وقت للتصفيق.

‎فالتصفيق دلالة على عادة اجتماعية وسياسية تسترعي الانتباه، وهو نتاج انفعال وجداني واندماج النفس مع الجسد كحركة سيكولوجية فالإنسان يمكن أن يتحدث من خلال الألفاظ والإيماءات وكذلك الإشارات من بينها التصفيق الذي يعبر عن الامتنان والاستحسان حيث نستخدمه للتعبير عن الرضا كما نشاهد أو نسمع في الحفلات أو عندما نصفق للخطيب الذي يحسن خطبته، وكما نلجأ إليه مع التلويح للتشجيع في مباريات كرة القدم أيضا قد يعتبر التصفيق وسيلة يلجأ إليها البعض لتخفيض حدة التوتر والانفعالات.

‎وتوضح الدراسات الاجتماعية بأن التصفيق أثناء الخطابة السياسية، هي أشهر أشكال التواصل السياسي، وأكثرها انتشاراً وتأثيراً.

‎وتذكر كتب التاريخ أن نيرون ملك روما الشهير أسس مدرسة خاصة لتعليم أصول التصفيق، وأنه كان يأمر ما يقرب من خمسة آلاف فارس وجندى من أفراد الجيش بحضور الحفلات الموسيقية التي كان يغني فيها وهو يعزف على القيثارة؛ ليصفقوا له بعد أن ينتهي من الغناء والعزف.

‎ويبدو أن التصفيق قد انتقل من المجتمعين - الفرعوني واليوناني - إلى المجتمعات العبرانية القديمة، وإن اختلفت دلالته وغايته، فهناك إشارات متعددة إلى التصفيق في العهد القديم، تربط التصفيق بمشاعر الفرح الإنساني.

‎إلا أن المتخصصين في علم الإنسان (الأنثربولوجيا) وفي الآثار والحفريات القديمة يرجحون أنه تطور بشكل تلقائي وكسلوك مكتسب، لجأ إليه الإنسان قبل أن يطور استعماله للغة، وذلك عندما استوقفه ما تستطيع يداه أن تحدثه من أصوات.

‎فقد استعمله لينادي غيره من مسافة بعيدة أو لينبههم إلى خطر قادم أو ليهش به الطيور أو ليفزع الحيوانات. ثم تحول منذ عصر الرومان وإلى يومنا إلى مقياس للإعجاب والثناء.

‎سياسياً، كان القادة العسكريون يُستقبلون عند عودتهم من الحروب بجموع تصفق لهم بقدر ما تحقق من انتصار، وهو ما اعتبر في حينه وسيلة للحكم على ما يتمتع به القادة من شرعية.

‎وشأن أي سلوك إنساني حاول البعض أن يدخل على التصفيق تعديلات تجعله ينقل رسائل أخرى غير التي اعتدنا عليها. فمع أنه ظل وسيظل وسيلة لتحية الناجحين والتعبير لهم عن التقدير، إلا أن أشكالاً جديدة من التصفيق تعطي معاني مختلفة، أذكر من بينها ثلاثة.

‎الأولى أن يستخدم للتعبير عن الرفض وليس الرضاء، وذلك عن طريق إبطاء الإيقاع وزيادة الفاصل الزمني بين كل تصفيقة وأخرى. وهو تصرف يشبه في رمزيته ما يلجأ إليه بعض الغاضبين عندما يضربون بكف يدهم على ركبهم إظهاراً لما يعتريهم من غضب.

‎ وقد تعرض لهذا التصفيق المتباطئ رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير عندما كان يلقي خطاباً أمام المعهد البريطاني للمرأة في يونيو 2000، حيث قابلت النساء حديثه عن الرعاية الصحية باستخفاف فصفقن بتباطؤ لمدة لم تكن قصيرة ما تسبب له في حرج دفعه إلى التوقف لفترة عن الكلام.

‎ والنوع الثاني هو «تصفيق الحداد» الذي بدأ يحل محل دقيقة الصمت عند تأبين فقيد انتقل إلى الدار الآخرة. وقد أخذ هذا التقليد يشق طريقه إلى البرلمان البريطاني بعد أن جرى التوسع في تطبيقه في الملاعب الرياضية تخليداً لذكرى رياضيين راحلين. ومنطق هذا الشكل الجديد من التصفيق أن تحية الراحلين تكون أبلغ أثراً عندما يصفق لهم الناس بحماسة بدلاً من أن يصمتوا ليسرح كل منهم في عالمه الخاص.

‎أما الشكل الثالث فتعرفه الساحات السياسية بصفة خاصة وهو التصفيق الحار standing ovation الذي يمارسه أعضاء البرلمانات من وضع الوقوف ولأطول مدة ممكنة، حيث يهب أعضاء الحزب الذي منه رئيس الدولة أو الوزارة ليقاطعوا خطابه بتصفيق حماسي مبالغ أحياناً في طوله لتحريك مشاعر الرأي العام أو لتضخيم الهالة من حول القيادة السياسية.

‎وبخلاف التصفيق التقليدي تعبيراً عن التقدير المستحق، فإن هذه الأشكال الثلاثة قد لا تكون مقبولة في كل ثقافة، أو قد يكون لدى كل ثقافة وسائل أخرى غير التصفيق تعبر بها عن هذه المعاني.

‎وثقافتنا العربية مثل الثقافات الأخرى تعرف التصفيق وتمارسه بالأساس من أجل إبداء الإعجاب وإظهار التقدير. لكن من يمعن الملاحظة سيجد أن في عالمنا العربي بجانب تلك الممارسة المألوفة تيارين يتبنى الواحد منهما موقفاً مناقضاً تماماً للآخر حيال التصفيق. تيارٌ يشدد على وقفه وآخر يسرف في استعماله.

‎العالم العربي عرف التصفيق ومارسوه كغيرهم إما للتنبيه أو لطلب خدمة أو للتعبير عن الإعجاب.

العدد 2891 - الخميس 05 أغسطس 2010م الموافق 23 شعبان 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً