إن إشعال الحريق يعتبر جريمة مادية من جرائم الضرر لأنها حتى إذا وقعت في نطاق ضيق فإنها قابلة للانتشار السريع في المكان والزمان، أي أن ضررها قابل للتضاعف والامتداد وكون الضرر مصحوبا بخطر امتداده فإن الجريمة تقع تامة حتى لو تم إطفاء النار.
فالركن المادي في هذه الجريمة هو سلوك إيجابي مادي بحت يتمثل في إشعال النار بأية وسيلة ويستوي أن يكون إشعال النار في الثابت والمنقول مملوكا لفاعلها أو لشخص آخر، أما الركن المعنوي فهو القصد الجنائي من إشعال النار عمدا والقصد يعني انصراف الإرادة إلى إشعال النار التي من شأنها تعريض حياة الناس أو أموالهم للخطر في مال ثابت أو منقول ولو كان مملوكا للجاني فلا عبرة بالباعث أيا كان، فقد يكون الباعث هو الحصول على قيمة الأشياء المحترقة المؤمّن عليها أو قد يكون الباعث إخفاء معالم جريمة أو أي باعث آخر سواء التخريب أو الإتلاف، المهم هو الإشعال الذي من شأنه تعريض حياة الناس أو أموالهم للخطر وسنتحدث اليوم عن الحريق الذي تنتج عنه الوفاة والذي عاقبت عليه معظم التشريعات العربية والخليجية بعقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة ومنها المشرّع البحريني.
ولا شك أن هذه العقوبة تتناسب مع كون هذه الجريمة من الجرائم ذات الخطر العام، فلم يتهاون المشرع في هذه الجريمة حيث نصت على ذلك الفقرة الثالثة من المادة 277 من قانون العقوبات البحريني (تكون العقوبة الإعدام أو السجن المؤبد إذا أفضى الحريق إلى موت شخص) ومن الجدير بالذكر أن المحرّض على جريمة الحرق المؤدية إلى الوفاة سينال عقوبة الفاعل الأصلي نفسه وهي عقوبة الإعدام أو السجن مدى الحياة وفق المادتين (44) و(45) من قانون العقوبات البحريني. إذا كان التحريض هو السبب المباشر إلى الوفاة نتيجة الحرق الذي تسبب فيه الجاني أشعل النار على أثر التحريض باعتباره شريكا في الجريمة.
ولا يشترط أن تتجه نية الفاعل الأصلي أو المحرّض إلى إزهاق روح إنسان أو قتله طالما أنْ توافر لديه التوقع المنطقي للأمور وهو عنصر العلم بأن من شأن هذا الفعل إحداث الوفاة فإذا حدثت الوفاة فعلا كان العقاب الإعدام أو السجن مدى الحياة، فلا يمنع من تطبيق العقوبة أن يكون الجاني قد تحقق من خلو المكان من الناس أو أنه لم يكن ينوي إزهاق روح، كل هذه البواعث لا لاعفاء الجاني من العقوبة إذا ما أدى إشعال الحريق إلى موت المجني عليه حتى لو لم يقصد إحداث الموت طالما أن إشعال الحريق قد تم عمدا بهدف إشعال الحريق وأن القصد الجنائي هو قصد احتمالي يقتصر على توجه إرادة الفاعل اختيارا إلى وضع النار سواء كان الغرض إحراق المكان ذاته أو غرض آخر نتج عنه موت شخص والقول بغير ذلك أي بضرورة العلم اليقيني من شأنه أن يلغي إمكانية العلم مطلقا، ولا يلزم العزم والتصميم على إزهاق الروح في هذه الجريمة لأن النية تكون قائمة من دون جدل إذا تم إشعال النار وكان من شأنه تعريض حياة الناس أو أموالهم للخطر والموت هي النتيجة المحتملة لذلك يعاقب القانون على النتيجة لا الباعث.
ونلاحظ إن الجاني في هذه الجريمة يُسأل أمام القانون عن القتل العمد إذا نشأ عن الحريق موت شخص ويسأل ولو لم يتوقع بالفعل هذه النتيجة فهي نتيجة كما ذكرنا سلفا محتمله وفقا لما تجري عليه الأمور متى كان تعمد إشعال النار ناشئا عن علم وإرادة بل النتائج الاحتمالية الناشئة عن فعله.
ولا تقوم الجريمة إلا عمديه فإذا أسفر البحث والتحري عن جريمة قد ارتكبت بغرض إرهابي وأخذت النيابة العامة في تحقيقاتها بالاتجاه الإرهابي وأقرت محكمة الموضوع بأن الوفاة الناتج عن الحريق كانت بسبب إرهابي في جريمة الحرق، فإن المشرّع جعل العقوبة الإعدام حينما تكون نتيجة الحرق الإرهابي هي الوفاة وهو ما يوضح خطورة هذه الجريمة وجسامة العقوبة المقررة عليها إذا ما نتج عنها وفاة شخص أو أكثر وفقا لأحكام قانون حماية المجتمع من الأعمال الإرهابية.
وزارة الداخلية
العدد 2402 - الجمعة 03 أبريل 2009م الموافق 07 ربيع الثاني 1430هـ