العدد 2402 - الجمعة 03 أبريل 2009م الموافق 07 ربيع الثاني 1430هـ

محمد نصر... أنت شهيد العمرة في حادث القصيم

محمد... مرّت على ذكراك المؤلمة سنة... وكأنها ساعات أو يوم... فجرحنا بك عميق جدا لم يندمل... ولا اعتراض على ما شاء الله، لكني أذكر طفولتك البريئة الهادئة جدا وأنت معنا في البيت الكبير... أتذكر حين تهدأ أختك الصغرى من البكاء بكل حنان وتأخذها لأمك الحنون... وكنت أعجب منك لأن عمرك لا يتجاوز الست سنوات... أو تأخذهن لتشتري معهن بعض المأكولات الخفيفة ممسكا بكلتاهما خوفا عليهن من أن تصدمهن سيارة... أتذكر مامرت بك من حوادث في طفولتك من السقوط من أعلى منزلكم وعمرك خمس سنوات وبت في المشفى وحيدا، لأننا في دوام مدرسي وأمك لديها طفلة صغيرة فتعذر مبيتها معك... أذكر بكاؤك في رجائها البقاء وأنت تبكي وهي تقوم بإقناعك أن أختك الصغرى لن تهدأ وستأتي إليك غدا... حين أتذكر ذلك ينزف قلبي ومن قبل رحيلك بكيت لتذكر ذلك حين أنجبت واضطررت لملازمة ابني في المستشفى أحسست بك في عمرك الصغير وحيدا حيث لا يمكنك الاعتماد على نفسك... دموعي تنزل بغزارة وأنا أكتب هذا... لكنك جعلت من عيني نبعا لا يجف لفراقك وفي قلبي جرح لا أظن بأني أجرح بأكبر منه... أخي لقد كنت تنوي السفر لأداء العمرة فأنت مشتاق لأدائها وسألتك أمك: هل أخذت ثوب إحرامك؟ أجبتها بنعم. واضطرت الأم الحانية للخروج لظرف لابد منه، ولم تكن تعلم أن عزيزها لن يعود وهو لم يعلم أنه يخرج بلا عودة فكان ثوب الإحرام كفنا... ولو علمت الأم لأشبعت عينها منك وأنت أشبعت نفسك من حنانها الذي لا ينضب... خبرك نزل علي كالصاعقة التي أحرقت كل أخضر وبهيج ولم تبقى سوى الذكرى لمحياك الجميل وما عرفناه عنك من أخلاق يشهد بها الجميع فأنت شمعة لن ولم تنطفئ مهما طالت السنين، وكل وفي لازال يذكرك بالأخلاق وطيب الأصل كيف لا وأنت ابنها وابن الطيبين جمال وجهك مازال أمامي في لقائي الأخير وكأن القدر شاء أن يجمعني بك لكي أجرح بك فلا أنساك ماحييت... تركت أما صابرة محتسبة إلى الله تعالى فيما قضى من أمره... ثكلى ما إن تخلو بنفسها حتى تتحدر دموعها لفراقك ولشوقها لطلعتك البهية ولأدبك في معاملتها وبالغ الاحترام منك إليها... أما كتمت حزنها عن الناس بحمد الله وثنائه... وبداية لم تكن تصدق بل كانت ترقب الباب على حبيبها يعود ويأخذ حقيبته للسفر... لكن هذه الأيام رحلت وأصبحت أمام واقع مر مرير بغيابك وخصوصا الآن في ذكراك قد تتدهور صحتها كاتمة السبب في داخلها... وبعد طول مساءلة من الطبيبة أخبرتها بأنها فاقدة لابن عزيز عليها في ريعان شبابه وبحادث مؤلم جدا، وبعد أيام يكون تاريخ ذكراه الأليم... محمد تركت أبا بانت عليه الآن آثارا لم تتضح في بداية الأمر ولكنه هو الآخر أصبح أمام واقع أليم حزين... تركت ذكراك الجميلة ورحلت دون ما توديع فما كان من أسرتك إلا الصبر الجميل مع القلب الكسير فأنت تركت صدى لكل من عرفك بحق ولكل العائلة... التي خيم الحزن عليها... أخوات لا ينسون أنك الأخ القريب العزيز صابرات محتسبات... دائمات الدعاء لك بالمغفرة والرحمة... مسارعين لما يدخل عليك الثواب... كتب الله لك أجر العمرة وإن حال ما وقع لأن الأعمال بالنيات... نتأسى بمصيبة أبي عبدالله (ع) وعلي الأكبر في جماله وشبابه والقاسم الذي لم يزف... بحافلتك كانت بمثابة مهر الألم الذي أبعدك عنا دونما رجوع... وكانت الآمال محض عينيك لامتلاك واحدة... فهذه القصيدة مؤثرة جدا وزادت بي تأثرا بعد رحيلك... فكلما سمعتها أتذكرك فتنحدر الدموع دون إرادة... نذكرك في كل مناسبة كنت يوما معنا فنحس بالغصة والدموع.

أخي محمد نحن وجميع محبيك لم ننساك... ولن ننساك... ولاسيما أمك وأباك وأختك الكبرى بل جميع الأخوات... لأن شعوري جريح وكبير كفقد الأخ العزيز... فأنت نعم الأخ... مازلنا نصلك بما يمكننا. فلا تنسى أمك الحنون المعطاء في الجنان... لأن اللهفة تعصفها إليك... ولا تنسى الوالد الطيب المحب لك...ستزف يوما بحور في الجنان فتذكر الوالدان والإخوان.

ذكراك عند جميع أصدقائك... كل حافلة تذكرنا بك... وكل موضع عملت فيه يذكرنا بك... شوارع مكة وجبالها... والمسجد الحرام والكعبة... ذكرتنا بك مع الحنين إليك... ومدينة الرسول (ص) أخذتنا بالأشواق للقياك.

يا ميتا نعيناك بأكبر

زففناك للقبر بالقاسم

فرسمك لازاك بين العيون

وحبك في القلب لم ينجلي

تفيض الدموع لذكرى الفراق

وكم آلمنا ذلك الحادث

فصبرا أخي إنكم سابقون

ونحن بكم بعد يوم لاحقون

فوالد تاق لمحياك حين

وفاك المنون ولم ترجع

ولا تنسى أما بقلب حنون

دعاك لها بالبر والصبر

عسى الملتقى في جنان الوعود

بحضنك تأخذها يا أخي

فطب عيشا في جنان الخلود

وهنيئا لك الحور والكوثر

فذكراك ظلت بمكة ويثرب

التي شرتك مرحبة بالمسلمين

فقر عينا أخي بين اللحود

فمازلنا لقبرك زائرين

أختك صاحبة القلب الجريح

حكيمة نصر

العدد 2402 - الجمعة 03 أبريل 2009م الموافق 07 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً