علقت الصحف الأميركية والبريطانية على الوضع في العراق، على هامش الذكرى الثالثة لغزو هذا البلد وسقوط بغداد، فالتحرير يتحول إلى احتلال "هذا هو الثمن" كما يقول أحدهم. .. أما ساحة الفردوس التي كانت شهدت من قبل جموعا ترحب بإسقاط "تمثال صدام" شهدت أمس الأول تظاهرات تطالب برحيل الاحتلال. وعرج البعض على مصير من ساعدوا الاحتلال "غزو العراق" ليقول أحدهم "لقد غدر الأميركيون بأحمد الجلبي".
كما تناولت التعليقات تطورات العملية السياسية مع انتخاب رئيس للعراق الجديد، لتلاحظ أن ثمة تقدما على الصعيد السياسي، لكن الفشل لايزال احتمالا واردا في العراق في إشارة إلى التحديات التي تواجه العراقيين من بينها صوغ الدستور الجديد وإجراء انتخابات لاختيار حكومة دائمة وإيجاد حل لمشكلة كركوك والتوصل إلى تفاهم مع السنة وبناء جيش وطني لمواجهة التمرد من دون مساعدة الأميركيين. وهناك أيضا من ذكر بأن غزو العراق شكل خيانة كبرى ارتكبتها إدارة بوش بحق الشعب الأميركي. ونشر ماكس بوت في "لوس أنجليس تايمز" مقالا تحت عنوان "الصديق الذي خانه الأميركيون" في إشارة إلى زعيم حزب المؤتمر الوطني العراقي أحمد الجلبي الذي كان الحليف الأول لأميركا في غزوها غير انه ما لبث أن تحول في ما بعد إلى أحد أعدائها.
واعتبر بوت، أن الأميركيين غدروا بالجلبي على رغم انه عرض حياته وثروته للخطر من أجل إسقاط أسوأ الطغاة في القرن العشرين. مؤكدا أن واشنطن كانت ستحقق إنجازات أفضل لو أنها أصغت له. وذكر انه في بداية العام 2003 تجاهلت إدارة بوش تحذيرات الجلبي من أن "التحرير" لا يجب أن يتحول إلى احتلال.
وأضاف أن الجلبي كان يريد أن تشكل حكومة انتقالية آنذاك غير أن واشنطن رفضت بحجة أنها لا تريد إقامة حكومة عمادها من المنفيين الذين لا يملكون قاعدة شعبية. وإذ لاحظ بوت، أن الأميركيين عينوا بعد عام حكومة برئاسة قريب للجلبي ومنافسه إياد علاوي، تساءل عن السبب الذي سمح للأميركيين بتعيين أحد المنفيين رئيسا للحكومة في العام 2004 بعد أن كان ذلك غير مسموح في العام 2003؟ غير أن المعلق الأميركي أكد أن أفضل هدية حصل عليها الجلبي هي تحوله إلى أحد خصوم واشنطن.
وكتب المراسل ستيف نيغوس في "فايننشل تايمز" انه قبل عامين كانت ساحة الفردوس في وسط بغداد تغص بالحشود التي كانت تهتف للقوات الأميركية وهي تسقط تمثال الرئيس المخلوع صدام حسين. لقد كان هذا حدثا شكل مرحلة انتقالية بين النظام القديم والجديد بالنسبة لمعظم العراقيين، ليلاحظ انه بعد عام على الغزو بدت ساحة الفردوس خالية في الوقت الذي كانت الدبابات الأميركية تدك الميليشيات السنية في الفلوجة وتواجه تمرد الصدر. أما اليوم فساحة الفردوس استقبلت آلاف الشيعة الذين طالبوا بمحاكمة صدام وإعدامه من جهة وخروج القوات الأجنبية من جهة أخرى.
وأشار إلى انه في الذكرى الثالثة لم يعد العراقيون متفائلين مثلما كانوا في الأسابيع الأولى للحرب ولا متشائمين جدا كما كانوا قبل عام. وأوضح أن معظم العراقيين يشعرون بالرضا لأن انتخابات 30 ديسمبر/ كانون الثاني أنتجت حكومة ديمقراطية ولكنهم يعبرون عن قلقهم من التفجيرات التي تنتظرهم في الشوارع. والرعب من مخابرات صدام حل مكانه الخوف من الدوريات الأميركية التي تجول في الشوارع وتحمل لافتات تهدد بتفجير كل آلية تقترب منها. ونقل نيغوس، عن مواطن عراقي قوله إن الأميركيين حرروا الشعب العراقي من صدام ولكن القوات الأجنبية تبقى في هذا البلد لعقود مقبلة، "هذا هو ثمن التحرير".
من جانبه، أكد ريتشارد كوهين في موقع "كومن دريمز" أن واشنطن شنت الحرب فقط لأن الرئيس بوش والمحافظين الجدد أرادوا ذلك وليس لأسباب تتعلق بحيازة النظام العراقي أسلحة دمار أو بإقامة علاقات مع تنظيم "القاعدة" أو لأنه يشكل تهديدا لأمنها مثلما تروج لذلك. وكشف انه قبيل الحرب أكد له مسئول سابق في المؤسسة الاستخباراتية أن صدام لا يملك برامج للتسلح كما انه ليس على علاقة بأسامة بن لادن. ولاحظ المعلق الأميركي أن الحوادث الأخيرة في العراق والتقارير المتتالية عن فشل الاستخبارات الأميركية، أثبتت صحة ما قاله المسئول السابق قبيل الحرب.
وانتقد كوهين، بشدة إدارة بوش وأجهزتها الاستخباراتية لأنها أخفقت في تفادي حوادث 11 سبتمبر/ أيلول وتجاهلت دعوات مسئولين في إدارة كلينتون إلى وضع مسألة مكافحة الإرهاب على رأس أولوياتها، وقامت بدلا من ذلك بالتركيز على مسائل أخرى. ووجه كوهين، انتقادات مباشرة إلى بوش. وكتب ساخرا انه يطلع على آخر التطورات "عبر الفم" كما تؤخذ أدوية الأطفال، وهو ما يفسح المجال أمام التضليل وتلفيق المعلومات. إلا أن المعلق الأميركي، استدرك مذكرا بأن قرار شن الحرب اتخذ بعد فترة من هجمات سبتمبر وربما في اليوم التالي. وفي ختام مقاله أكد أن غزو العراق كان نموذجا للإخفاق الاستخباراتي الأميركي.
ونشرت "واشنطن بوست" افتتاحية على هامش انتخاب رئيس جديد للعراق، استهلتها بالقول إن الشعب تحدى شكوكه وأقدم على خطوة مهمة على طريق إحلال الاستقرار في بلاده في ظل حكومة تمثيلية. وأشادت بالاتفاق الذي توصل إليه ممثلو الأحزاب العراقية، التي تمثل مختلف الطوائف والعرقيات، والذي أدى إلى انتخاب رئيس للعراق هو جلال طالباني الذي يمثل الأقلية الكردية التي كانت في الماضي هدف الأسلحة الكيماوية لنظام صدام. ورأت أن انتخاب رئيس جديد للعراق ورئيس للجمعية الوطنية فضلا عن اختيار رئيس للوزراء هي أدلة واضحة على التعاون الوثيق بين الأحزاب الذي سيكون العراق بأمس الحاجة إليه عند مواجهة التحديات. ولاحظت انه إضافة إلى التقدم الذي أحرز على الصعيد السياسي في العراق، ثمة أمور أخرى تدل على أن الوضع في هذا البلد بدأ يتحسن. ففي استطلاع للرأي أجري بعد الانتخابات في 30 ديسمبر أظهر أن 60 في المئة من الشعب يعتبرون أن بلادهم تسير على الطريق الصحيح. هذا فضلا عن تقارير أكدت أن نشاطات التمرد انخفضت إلى جانب تراجع عدد الضحايا في صفوف قوات التحالف.
وأضافت أن تطورا لافتا حصل حديثا وشكل دليلا على أن الزعماء السنة تخلوا عن النضال المسلح، وهو أن 60 عضوا في "هيئة العلماء المسلمين" طلبوا من أتباعهم الانضمام إلى الجيش العراقي. إلا أن "واشنطن بوست" استدركت بأن الفشل لا يزال احتمالا واردا في العراق إذ إن أمام العراقيين تحديات كبيرة من بينها صوغ الدستور الجديد وإجراء انتخابات لاختيار حكومة دائمة
العدد 948 - الأحد 10 أبريل 2005م الموافق 01 ربيع الاول 1426هـ