قال عضو مجلس الشورى منصور العريض "إن رقابة القضاء ممثلا في المحكمة الدستورية لا يهدر من مكانة السلطة التشريعية"، مشيرا إلى أن الفهم الذي يقول بتقليل مكانة السلطة القضائية إذا ما راقبتها السلطة القضائية هو فهم ضيق للنظام الديمقراطي، فلابد أن يتسع صدر الجميع لما تفرزه الديمقراطية من مؤسسات وآليات، وكل مؤسسة تقوم بواجبها وفق ما رسمه الدستور لها من اختصاص وآليات، ورقابة مؤسسة على المؤسسة الأخرى هو جوهر الديمقراطية، حتى لا تنزع سلطة من السلطات إلى مخالفة الدستور من دون أن تجد ما يمنعها من ذلك.
وأوضح العريض في تصريح خاص لـ "الوسط" "أن السلطة التشريعية حين تخالف الدستور بإصدار تشريع مخالف للدستور، فلابد أن تنتصر المحكمة الدستورية إلى الدستور، وتقرر بطلان ما يخالف الدستور؛ لأن التمسك بحجة إهدار مكانة السلطة التشريعية برقابة القضاء، على رغم أنه غير صحيح، يترتب عليه نتائج غير مقبولة، وهي قبول تعدي أي من السلطات على الدستور، وهو أبو القوانين وقمة الهرم في النظام الدستوري في الدولة... وللموازنة نسأل: أيهما الأهم أن يهدر الدستور، أم أن يلغى التشريع المخالف للدستور. ولابد من بيان نقطة مهمة ، وهي أن البرلمان قد يقر قانونا من دون أن يلتفت إلى أحد جوانبه التي تخالف الدستور، ويظهر ذلك العيب في التطبيق العملي، وهنا لابد من وضع حد لهذه المخالفة عن طريق المحكمة الدستورية، كما قد يكون منشأ المخالفة هو اختلاف الفهم للنص الدستوري بين السلطة التشريعية والمحكمة الدستورية، ولابد من ترجيح كفة معينة في مثل هذه الحالة، وقد رجح دستور مملكة البحرين كفة المحكمة الدستورية باعتبارها هي الحامية للدستور، وأن فهمها للدستور بعيد عن التأثر بالمواقف السياسية التي قد تترك أثرها في توجهات أعضاء السلطة التشريعية".
وعن التمثيل الذي تمثله الرقابة على دستورية القوانين قال العريض: "تمثل الرقابة على دستورية القوانين وجها من وجوه النظام الديمقراطي وتعميق هذا المبدأ في إطاره العملي، ذلك أن الديمقراطية لا تعني تجاوز الحدود التي رسمها الدستور، وأي سلطة تخرج عما يرسمه الدستور يجب أن تنبه بالوسائل التي رسمها الدستور ذاته، ورقابة القضاء على دستورية القوانين صورة من هذه الصور". مؤكدا "أن الدور الأبرز للقضاء الدستوري هو حماية الأفراد في الدرجة الأولى، وتعزيز الحقوق والحريات في النظام الـقانوني في البلاد، فالقاضي الدستوري هو الجندي الذي يحمي حمى الدستور، ويؤكد ما نص عليه من أحكام، ويوقف أي اعتداء عليه قد يحصل من أي من السلطات العامة في الدولة".
وأشار العريض إلى "أن الإصلاح السياسي الذي دشنه جلالة الملك، وما أرساه من مبادئ في دولة المؤسسات، وما حققه من مبدأ الفصل بين السلطات، كل ذلك ما كان ليكتمل لولا وجود المحكمة الدستورية في البحرين، وقد نظر جلالة الملك إلى أهمية وجود هذه المحكمة فقرر إنشاءها بالمرسوم بقانون رقم 27 لسنة ،2002 وجعل منها إحدى مؤسسات حماية الديمقراطية في البلاد، ومعلما من معالمها المهمة. والقول بأن البحرين ليست في حاجة للمحكمة الدستورية لا يستقيم مع ما خطته مملكة البحرين من تطور ونماء في الميدان السياسي والدستوري".
وعما إذا كانت الصورة التي رسمها قانون المحكمة الدستورية مقبولة أم لا قال العريض "الصورة التي رسمها قانون إنشاء المحكمة صورة مشرفة للمحكمة، وتليق بمكانة البحرين، إذ تتكون المحكمة من ستة أعضاء ورئيس يعينهم جلالة الملك بأمر ملكي من دون أن يكونوا قابلين للعزل لمدة تسع سنوات، ومن القانون يمكن أن نأخذ بعض النقاط المضيئة، إذ إن تعيين رئيس وأعضاء المحكمة بأمر ملكي يبعدهم عن أن يكونوا خاضعين لأي من السلطتين التشريعية والتنفيذية، وإنما يرتبطون مباشرة بتعيينهم من جلالة الملك".
وأضاف "كما إن تحديد مدة ولاية القاضي في المحكمة الدستورية في القانون بتسع سنوات غير قابلة للتجديد من شأنه أن يحقق الكثير من الأمور، إذ يتلاءم ذلك مع عدم القابلية للعزل، لأن مدة بقاء القاضي محددة في القانون، ومن جانب آخر فإنها تحدد مدة لانتهاء مدة ولاية القاضي من دون أن تجعل القاضي في المحكمة إلى ما لا نهاية".
مشيرا إلى أن "قانون إنشاء المحكمة التفت إلى إحدى الضرورات العملية في ظل عدم جواز التجديد لقاضي المحكمة الدستورية، وهي التجديد الجزئي، إذ قرر تشكيل أول محكمة من عدد من القضاة لمدة تسع سنوات، وآخرين لمدة ست سنوات يعني أن التجديد في المحكمة سيكون جزئيا بما من شأنه أن يحقق فائدة نقل الخبرة".
وعن نظرته إلى نشاط المحكمة الدستورية قال "نشاط المحكمة الدستورية أو نظرها لعدد كبير من القضايا أو قليل يعتمد بالدرجة الأولى على ثقافة المجتمع بوسائل الدفع بعدم دستورية القوانين غير الدستورية بالفعل من ناحية، ومن ناحية أخرى يعتمد على التشريعات، سيما وأن المحكمة الدستورية لا تبادر بمراجعة المسألة الدستورية في القوانين، وإنما تتحرك سلطتها هذه من خلال الدعوى المباشرة التي تقيدها السلطات العامة، أو الدعوى الفرعية التي يقيدها الأفراد أمامها".
منوها "لابد أن نبين أنه لا يعني أن وجود طعن بعدم الدستورية أن القانون المطعون عليه غير دستوري لمجرد الطعن، وإنما الأمر خاضع في النهاية لتقدير المحكمة الدستورية، ولذلك يجب نشر ثقافة بأن مجرد الطعن على قانون ما بعدم دستوريته لا يحجم من مكانة ذلك القانون، أو يهز الثقة فيه، وإنما لابد من انتظار حكم المحكمة الدستورية في شأنه".
وعن المنظار الذي يقرأ العريض من خلاله الأحكام التي صدرت من المحكمة الدستورية قال "إعمالا لمبدأ الفصل بين السلطات، لا يجوز لنا في السلطة التشريعية أن نعقب على حكم المحكمة الدستورية أو نرفض الالتزام به، لأنه صادر من الجهة التي خصها الدستور بهذا الاختصاص، وجعل أحكامها ملزمة لجميع السلطات وللكافة. وعموما فإن الأحكام التي أصدرتها المحكمة تستحق الدراسة والتأمل، واستخراج المبادئ القضائية منها، وهذا هو دور الباحثين والمختصين في القانون الدستوري".
وعما يميز المحكمة الدستورية في البحرين عن المحاكم الموجودة في المنطقة قال العريض "نشير أولا إلى أنه لا توجد أية محكمة دستورية في دول مجلس التعاون الخليجي عدا بعض التجارب، والتجربة في الكويت مماثلة في بعض جزئياتها لتجربة المحكمة الدستورية في البحرين، عدا أن هناك بعض القواعد والأحكام التي تتميز بها المحكمة الدستورية في البحرين بما يتلاءم مع نص الدستور أولا، وما تنتج عنه مراجعة التجربة الكويتية في هذا الشأن، ولهذا تعتبر المحكمة الدستورية في البحرين رائدة في هذا المجال، ويمكن أن تؤسس أعرافا ومبادئ قضائية دستورية في المنطقة، وأن تكون مصدرا لتلك الثقافة، وهذا ليس ببعيد على المحكمة الدستورية".
وأوضح العريض في نهاية الحديث "أن حجم العمل في المحكمة الدستورية بدأ يزداد شيئا فشيئا، وهذا لا يعيب تجربة مملكة البحرين، بل إنما يعكس نموها الحضاري، إذ إن ازدياد القضايا والتحاكم إلى هذه المحكمة يعني التسليم مسبقا بما تصدره هذه المحكمة من أحكام، وبما يساهم في بناء مجتمع ديمقراطي تكون للمحكمة الدستورية فيه الكلمة الفصل في الشأن الدستوري عند الاختلاف بشأن القوانين في مدى دستوريتها من عدمها. ونقول إن هذه ظاهرة صحية قطعنا بها خطوات متقدمة في سبيل الوصول إلى مراحل متقدمة في الديمقراطية"
العدد 955 - الأحد 17 أبريل 2005م الموافق 08 ربيع الاول 1426هـ