العدد 959 - الخميس 21 أبريل 2005م الموافق 12 ربيع الاول 1426هـ

الإسكافي في مؤلفاته الكاملة... كتابات مستلهمة من الحياة

يبدو كتاب المرحوم أحمد الاسكافي "المجموعة الكاملة" لمؤلفاته قطعا رسالية مستلهمة من الحياة، فهو ليس مجرد جمل وعبارات تفتقد الحرارة وانما هو سطور كتبت بحبر الخبرة الانسانية والمجهود الرسالي الذي قضى الاسكافي عمره مؤطرا وداعيا له، حتى لحظة انتقاله الى بارئه تعالى.

فالكتاب في جزئه الأول والذي يحتوي على كتب أربعة نشرها الاسكافي في أوقات متفرقة وهي: "المراهقة بين المشكلة والحل"، "العمل في الاسلام"، "فلسفة الحب في الاسلام"، "الضياع" عبارة عن سجل لأفكار وتصورات الاسكافي في مجال الدعوة والارشاد فهي مجملها مستقاة من مجالس درسه.

المراهقة بين المشكلة والحل

ففي الكتاب الأول وهو المعنون باسم "المراهقة بين المشكلة والحل" يبين الاسكافي أن الاسلام له منهج فريد يتضمن عشرات التعليمات والوصايا المهمة التي تنظم الغريزة الجنسية. حين يقول ان الاسلام يدعو الى تعديل الميول والغرائز لضمان النظام الاجتماعي واستمراره على أسس التعاون والانسجام ويؤمن بأن استجابة كل فرد لميوله ورغباته يجب أن تكون محدودة وتابعة إلى مقياس صحيح كي تكون ملاكا للشرف ومقياسا للفضيلة الانسانية.

وبما أن الكثير من الأفراد يعارضون أحكام الاسلام التربوية لأنها تقيد حرياتهم في الاستجابة لغرائزهم المتهورة فقد جاء كتاب الاسكافي محاولة لإيجاد الحلول ولمعالجة بعض القضايا التي يمر بها المراهق وفق دراسة مبسطة. إذ ان معالجة هذه المشكلة ترجع الى عدة محاور مهمة منها وقاية الفكر فيجب أن يكون هذا الفكر مبنيا على أسس عقائدية صحيحة وأصيلة، توصله الى هدفه الأسمى وهو رضى الله سبحانه وتعالى. فالحياة خطان أو طريقان، طريق حق وطريق باطل. وواجب المراهق أن يسلك خط الحق مع مسايرة العقل الذي يهتم بتنقية الفكر في سبيل وصوله للمعتقد الأصيل السليم. والمحور الثاني العفة والايمان مصداقا لقول الامام علي "ع" "أفضل العبادة العفاف". اذ يوضح المرحوم أن الواجبات المفروضة على المراهق تقضي إلى أن يبني نفسه بناء أخلاقيا في جميع أموره ولاسيما التحلي بالعفاف والنزاهة كي يضبط نفسه ويبعدها عن الافراط والتفريط. وثالثها تتمثل في تجنب الاختلاط بين الجنسين، اذ يرى المؤلف أن الاختلاط بين الجنسين هو الخطوة الأولى في المسيرة التي تنتهي الى ما انتهت اليه المجتمعت الغربية من فساد وتحلل. الى جانب غض البصر عن المرأة الأجنبية، ورفع الشأن وبناء الشخصية، والزواج، وانتهاز الوقت، مع تعاون البيت والمدرسة والمجتمع ووسائل الاعلام.

العمل

الكتاب الثاني من المجموعة جاء بعنوان: "العمل". وفيه دلل الاسكافي على كون العمل حاجة أساسية وماسة، تقتضيها طبيعة الحياة والانسان. فلو لم يكن العمل والعامل لما قامت الحياة، وشيدت هذه الحضارات، فكلما اتسعت رقعة العمل في الحياة ازداد النشاط وقوي العمل. وبما أن الانسان جزء مكمل لهذه الحياة، وطاقة فعالة بامكانها أن تسير دفة مدركات الحياة بما فيها من أصناف، فقد قام بواجبه باتخاذ العمل أفضل وسيلة لعيشه وإعمار حياته.

ويرى المؤلف أن هناك الكثير من الذين اتهموا الاسلام وألصقوا به من التهم والافتراءات ما لا يحصى ولا يعد، الى أن قال بعضهم وتساءل الآخرون: هل يوجد نظام اداري في الاسلام؟ وهل هناك قوانين ولوائح تنظيمية تحدد للعامل هدفه ومساره وللعمل استراتيجيته؟ وما الى ذلك، ظنا منهم أن كل هذه الأمور ليس لها واقع في الدين الاسلامي!

لذلك قدم الاسكافي هذه الدراسة عن العمل والعامل في حقلهما الاداري وبكل ما يتعلق بهما من موضوعات بعرض موجز اقتضاه الأسلوب الذي اعتمد فيه على النصوص القرآنية والأحاديث النبوية وروايات أهل البيت "ع" وأراد من ذلك التعرف على رأي الاسلام فيه. لذلك حرص المؤلف على شرح ماهية العمل لغة وقرآنا، ذاكرا جملة من الأحاديث النبوية في العمل ثم مستعرضا مفهومه في القانون لينطلق بعد ذلك الى شرح أنواع الأعمال وأهمية العمل، ووجوب العمل. ثم تحدث في الفصل الثاني عن أهمية العمل في الاسلام وواجباته، ومنها الأداء والاتقان، والأمانة والسلوك، والتعرف على أصول العمل، مع بيان الحرص على العمل مع ادارته وتنظيمه وحاجة العامل الى تطوير نفسه.

بينما جاء الكتاب الثالث "فلسفة الحب في الاسلام" ليشكل سطورا في فلسفة الحب الالهي الطاهر مستقاة من منهج الاسلام الكامل الذي وهبه الله للبشر رحمة منه ولطفا بعباده. وقد اشتمل على فصول: الأول حب الله وهو أساس كل حب نقي، فالله هو واهب هذه النعمة العظيمة، فبها خلق الناس، وجعلهم في نفس واحدة بعد أن يتحابوا فيما بينهم، ويجعلهم ألصق ببعض وأكثر تلاحما، وكل همهم ومطلبهم فيما بينهم أخوة في الحياة على جميع أصعدتها. وبما أن الله سبحانه خلقهم من نفس واحدة فلابد أن يكونوا أحبة، وحتى يكونوا كذلك فلابد لهم أن يحبوا، وحتى اذا أحبوا الله استنادا إلى قوله تعالى "يحبهم ويحبونه" "المائدة: 54".

الثاني حب النفس التي تعرف بمفتاح المعارف والتي تعرفنا بالله سبحانه وتعالى، فاذا عرفت الله تعالى وجب علينا حبها وتهذيبها وصقلها حتى تربح سعادة الدارين.

والثالث حب الوالدين وفيه نعرف احساسنا بمدى برنا بهما وتعاملنا معهما بروح المحبة والاخلاص حتى نرضي خالقنا سبحانه. والخامس هو حب الأبناء المندرج تحت حب الله تعالى، والداخل في اطار المسئولية التي افترضها الله سبحانه والتي من خلالها يلزم حبهم وتربيتهم على حب الخير والتربية الصالحة والتعود على العادات الحسنة النزيهة. وكانت خاتمة بحثه نفحة من الامام زين العابدين وسيد الساجدين علي بن الحسين "ع".

الضياع

وعبر في كتابه الرابع "الضياع" - وهو عبارة عن مجموعة قصصية - عن وجهة نظره المتصلة بالشباب حين أوضح أن الكاتب كلما كان يعيش التجربة الحية من داخله وفي اطارها الطبيعي كانت القصة غنية بالتجارب والأفكار الحياتية وبعيدة عن الأفكار الضيقة التي لا تستطيع الانطلاق. وكلما كانت القصة من صميم الواقع كان لها صدى وعمق كبير في نفسية القارئ وخصوصا اذا كان الأسلوب حسن الصياغة محكما مقولبا بقالب من الأدب وحسن الأداء معتمدا على الاحساس والعاطفة الرقيقة النابعة من فطرة الانسان والمنسجمة مع القوالب الفنية والصياغة الادراكية في الخطوط وإذا ابتعدت القصة عن السطحية والضحالة.

وبعد، فان هذا الكتاب يكشف جانبا مهما في الخط الرسالي الذي انتهجه المرحوم أحمد الاسكافي وهو الأستاذ الذي لا يزال أثره حاضرا عند شريحة كبيرة من شباب البحرين من الذين وجدوا في سلوكه وتفكيره وانتاجه سبلا اسلامية سليمة.

الكتاب: المجموعة الكاملة لمؤلفات الأستاذ أحمد الاسكافي

الطبعة الأولى 2005 دار المحجة البيضاء - دار العصمة

العدد 959 - الخميس 21 أبريل 2005م الموافق 12 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 1:20 ص

      القدوة

      من فاته ان يكون احد الدارسين لحلقات هذا الاستاذ فان كتبه تعتبر ايضا مدرسة مؤثرة ومربية ، واقول قلما يجود الزمن بهذه الشخصيات

اقرأ ايضاً