العدد 959 - الخميس 21 أبريل 2005م الموافق 12 ربيع الاول 1426هـ

حجاب المعرفة... أداة عزل واحتواء

لقد أصبحت مسألة الحجاب وما تثيره من تداعيات، وما أحيط بها سياسيا، موضوعا يثير الاستقطاب على مستوى المعمورة. فقد أصبحت مادة للنضال الثقافي سواء في فرنسا أو تركيا، أو بين المسلمين أو غيرهم، أو بين المسلمين المتحررين والمسلمين التقليديين، أو بين الاسلام والحداثة أو بين الإسلام في عصرنا هذا وبين إسلام العصور الوسطى.

فالحجاب يعني للبعض رمزا لسطوة الإسلام في العالم، بينما يذكر آخرين بالمقاومة العنيدة التي أبداها المسلمون لأي شيء بدأ منشؤه في الغرب مثل الحداثة والعلمانية وحرية المرأة والليبرالية والعولمة. بل إنه يعني لبعض المسلمين في فرنسا رمزا للمقاومة التي أبدوها للاستعمار الثقافي الفرنسي للعرب والمسلمين ممن يقيمون على الأراضي الفرنسية. أما بالنسبة للإسلاميين في تركيا فإنه يعني الحفاظ على التراث الإسلامي لتركيا وحمايته من الأصولية العلمانية.

إن الأمر المهم الذي يتعين مواجهته بكل شدة هو إصرار المسلمين ممن يعتبرون أنفسهم "صالحين" على محاولات فرض حجاب معرفي على المسلمات ليكن "صالحات". إن الحجاب المعرفي عائق تقليدي يقف بين المرأة المسلمة وبين منابع دينها. لم تقم المرأة سوى بدور هامشي في تفسير النصوص الدينية ووضع القوانين والقواعد التي فرض عليها تنفيذها. وقد أدى الحجاب المعرفي، أي الحيلولة بين المرأة المسلمة وبين منابع دينها، إلى سلب الصفة الديمقراطية عن صوغ تلك القوانين الإسلامية وتطبيقها. ويعطي ذلك أفضلية للرجل على المرأة بل ويتيح له استغلالها. إن إعادة صوغ هذه القوانين وتلك الأحكام أهم الآن من أي وقت مضى.

ظاهرة لا تخلو من مفارقة

في مرحلة ما بعد التحرر من الاستعمار سادت العالم الإسلامي ظاهرة لا تخلو من مفارقة. فالذين قادوا الحركة الإصلاحية على مدى نحو مئة عام في بلاد المسلمين وأكسبوها أهميتها في المحيط العالمي كانوا جميعا من المثقفين غير المنتمين للمؤسسة الدينية. وبنظرة على قادة الحركة الإصلاحية في العالم الإسلامي نجد مثلا أن كلا من: جمال الدين الأفغاني، حسن البنا، سيد قطب، محمد إقبال، أبو الأعلى المودودي، خورشيد أحمد، مالك بن نبي وراشد الغنوشي كانوا جميعا من المثقفين ممن لا ينتمون للمؤسسة الدينية، بل إن كثيرين منهم تلقوا تعليمهم في الغرب. طبعا كان من بينهم شيوخ متخصصون في العلوم الإسلامية التقليدية لكن أحدا منهم لم يكن قاضيا شرعيا مثلا.

ولكن لسبب يستعصي على الفهم نجد أن التيار الإسلامي الصاعد في عالمنا اليوم يسعى إلى تقيد حرفي بالنصوص الدينية والتزام صارم بأحكام الشريعة الإسلامية. صار الإسلام في عقول كثير من المسلمين لا يعني شيئا سوى أحكام الشريعة.

عصر صرافة إسلامية

إننا نعيش اليوم في عصر أشبه بنوع من الصرافة الإسلامية. صفقات تبرم بشرط موافقتها للشريعة. الهامبورغر الحلال. نفكر مليا في شرعية أكل الخطمي، ونتحاج في شرعية مصافحة النساء، ثم نحن أبعد ما يكون عن الأمور الأهم من قبيل العلاقة بين الجيش والسلطة أو العلاقات الدولية. فمساهمة قضاة المسلمين فيها محدودة جدا لأن العالم الإسلامي يطبق بشكل أساسي القوانين والأعراف الغربية. وانكفأ المشرعون المسلمون أو القضاء الإسلامي على ذاته يعالج أمورا شخصية فحسب.

للمرأة دور ضئيل

ربما لا يكون هناك في عالمنا اليوم شخص لا يكون له رأي في صوغ القوانين التي تنظم مناحي حياته بأسرها. لكن المرأة المسلمة لها دور ضئيل جدا، وربما ليس لها دور على الإطلاق في عملية تطوير الفقه الإسلامي. فحتى من الناحية التاريخية قام الرجال، والرجال وحدهم بتطوير المذاهب الفقهية الأربعة، ووضع مبادئ أحكام القضاء حتى ما يتعلق منها بأخص خصوصيات المرأة. وهكذا هبط هذا التقيد الحرفي بالنصوص الدينية على المرأة المسلمة وغطاها تماما ليعزلها عن العالم الخارجي ويفصلها عن واقعها المعاش وحرمها من حق فهم كينونتها وكبل حركة حياتها.

إن علماء وفلاسفة المسلمين من مختلف المدارس يؤكدون أن الجوهر الإنساني هو هدفهم والبوصلة الأخلاقية التي تحكم توجهاتهم وتفكيرهم. لكن تقيد المشرعين المسلمين الحرفي بالنصوص الدينية، والذي من شأنه حرمان المرأة المسلمة من ممارسة حق التفكير لاستخلاص القواعد الأخلاقية التي تحكم حياتها إنما يجرد المرأة من أهم مظهر إنساني لاستخدام العقل بغرض التهيؤ لإصدار الأحكام الأخلاقية. إن التقيد الحرفي بالنصوص الدينية يسرق، بطريقة ما، من المرأة حق الإنسانية الذي وهبه الله إياها.

تشويش للفروق

إن المسلمين مغرمون بترديد مقولة ان الحاكمية لله، ومن ثم فإنه سبحانه وحده الذي له حق التشريع. وللأسف فإنه هذا فهم سطحي للغاية للإسلام وإخفاق في التمييز بين ما تنزل عن طريق الوحي، وبين ما أنتجه العقل البشري مثلا في الفقه. إن هؤلاء يشوشون هذا الفارق بين الاثنين ويطلقون عليه اسم الشريعة. إن الإسلاميين بإصرارهم على آراء وحجج علماء عاشوا وماتوا في العصور الوسطى واعتبارها وحيا إلهيا، إنما يجعلون من هؤلاء العلماء ربا للمرأة المسلمة ويوجدون سترا وحجابا بين المرأة وبين رب العالمين. وفي بعض الثقافات فإن هذه القوامة الإلهية للرجل على المرأة أمر معترف به أحيانا.

* رئيس قسم العلوم السياسية بجامعة أدريان الأميركية

العدد 959 - الخميس 21 أبريل 2005م الموافق 12 ربيع الاول 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً