الحديث عن قرى شارع البديع حديث ذو شجون، فالمشكلات القابعة على صدر هذه القرى والهموم التي يعاني منها قاطنوها لا تعد ولا تحصى. .. شوارع انتهت مدة صلاحيتها منذ أمد بعيد، وبيوت متهالكة ترتقب الوقت الذي تسقط فيه على رؤوس قاطنيها، وخدمات تحت مستوى الصفر.
قرية المرخ إحدى القرى التي استوقفت "الوسط" في جولتها في قرى ومدن البحرين لنقل معاناة أهلها. عند مدخل القرية استقبلتنا الكراجات، وكانت هيئة مدخل القرية تنبئ عما هو في الداخل، فالشوارع متهالكة وقد عفا عليها الدهر، البيوت لم تكن بأفضل حالا من الشوارع، فجل بيوت القرية تصارع من أجل البقاء، ويتيقن الناظر إليها أن الحال في الداخل أسوأ من المظهر الخارجي.
التقت "الوسط" عددا من أهالي القرية في مبنى صندوق المرخ الخيري، والناظر إلى مبنى الصندوق يستغرب من شكله، فهو مبنى متهالك من الخارج، أما من الداخل فإن الوضع أشبه بالخربة، وعلى رغم ذلك يحاول القائمون على الصندوق تقديم المعونة إلى أهالي القرية بما يتاح لهم من إمكانات.
الأهالي تحدثوا طويلا عن هموم قريتهم المنسية، رئيس صندوق المرخ الخيري سيدطه عيسى قال: "الخدمات الموجودة في المرخ كما هي منذ سنوات طويلة، وهي متهالكة وقديمة"، وأشار إلى أن "القرى المجاورة بدأت فيها مشروعات الصرف الصحي ورصف الشوارع باستثناء المرخ".
ويرى عيسى وجود فرق شاسع في الخدمات البلدية في المرخ في فترة ما قبل تخصيص أعمال البلدية في البحرين وما بعدها، فمستوى الخدمات تدنى بشكل كبير مع تخصيص أعمال البلدية. وبحسب الأهالي فإن مياه المجاري تغمر الشوارع في كثير من الأوقات، وعلى رغم الاتصالات المتكررة بالمسئولين فإنهم لم يلقوا أي تجاوب منهم.
عدم الاهتمام بالمقبرة
تفتقر مقبرة المرخ إلى أدنى اهتمام من قبل الجهات المسئولة عن الاهتمام بالمقابر، ما يضطر الأهالي إلى الإشراف بأنفسهم على تنظيف المقبرة بين الحين والآخر، وأبدى رئيس مأتم المرخ سيدعيسى جواد استغرابه من "عدم اهتمام إدارة الأوقاف الجعفرية بالمقابر".
وتساءل الأهالي: "ألا يستحق الأموات أن نكرمهم بالاعتناء بالمقبرة والاهتمام بها؟ فهو حق من حقوق الإنسان. المقبرة تخلو من وجود إنارة ومن مكان مهيأ لتجهيز الميت"، وقد لجأ الصندوق الخيري بالتعاون مع المأتم إلى توظيف شخص يقوم بمهمة الاعتناء بالمقبرة.
مساجد "مهملة"
توجد في قرية المرخ ثلاثة مساجد تعاني من الإهمال، اثنان منها مشيدان ولكنهما بحاجة إلى صيانة أو إعادة بناء، والثالث تم هدمه ويحتاج إلى إعادة بناء، أحد هذه المساجد هو "مسجد خويتيم" الذي يعود بناؤه إلى فترة بعيدة، وقد قدم الأهالي طلبا إلى إدارة الأوقاف الجعفرية لإعادة بنائه، غير أن الإجراءات "تسير بشكل أبطأ من السلحفاة"، على حد تعبيرهم.
المسجد الآخر والمعروف بالمسجد الشمالي بني في ستينات القرن الماضي على نفقة المرحوم الشيخ سلمان بن خليفة آل خليفة، غير أن اتجاه القبلة فيه غير صحيح، وهو متهالك وبحاجة إلى إعادة بناء، إلا أن "الأوقاف الجعفرية تماطل في الموضوع منذ العام 2003"، بحسب جواد.
ولا يختلف الحال بالنسبة إلى المسجد الجنوبي المعروف بمسجد الشيخ عطية، الذي تم بناؤه على نفقة أحد التجار من خارج البحرين منذ 12 عاما مضت، وقد خاطب الأهالي الأوقاف الجعفرية لصيانة المسجد، إلا أنها تعذرت بعدم استطاعتها القيام بذلك بسبب قلة النفقات.
بيع الرمال
أثناء الجولة في القرية لاحظنا وجود حفرة كبيرة، ذكر الأهالي أن أحد المتنفذين في الدولة عمد خلال فترة التسعينات إلى حفرها واستخراج الرمال الموجودة فيها وبيعها لحسابه الخاص، ويتم دفنها في الوقت الحالي بالمخلفات، حتى أصبحت كومة كبيرة بالقرب من المنازل، وهو ما يشكل خطرا على صحة الأهالي. وتجتمع المتناقضات في هذا الموقع من القرية، ففي الوقت الذي توجد به كومة كبيرة من المخلفات، ثبتت بقربها لافتة كتب عليها "ممنوع رمي الأنقاض في هذه المنطقة"!
ويلاصق كومة النفايات عدد من منازل القرية المتهالكة، والتي يتضرر قاطنوها - بلا شك - من الروائح الكريهة المنبعثة من النفايات، وبحسب رئيس العلاقات العامة في الصندوق الخيري سيدعدنان نعمة فإنه "توجد على قائمة البيوت الآيلة إلى السقوط التي تحتاج إلى إعادة بناء في القرية أربعة بيوت، أما عدد البيوت التي تحتاج إلى صيانة فيبلغ عددها 62 بيتا".
عملية الحفر واستخراج الرمال وبيعها لم تقتصر على تلك الحفرة الموجودة في وسط القرية، بل أطلع الأهالي "الوسط" على أرض تابعة إلى الأوقاف الجعفرية، استملكها أحد المتنفذين في الدولة، إذ عمد إلى سحب الرمال منها وبيعها لحسابه الخاص.
وأكد الأهالي وجود 112 طلبا إسكانيا لأهالي القرية في ملفات وزارة الإسكان، بينما أكد رئيس الصندوق الخيري أن "القرية غير قابلة للتوسع، لأن الأراضي المحيطة بها تحولت إلى أملاك خاصة".
وزارت "الوسط" أحد البيوت الآيلة إلى السقوط في المرخ، وهو منزل متهالك ظهرت التشققات على جدرانه الداخلية والخارجية، ويقطن فيه ثمانية أشخاص يتوزعون في أربع غرف، ومن يدخل البيت يتيقن أنه غير صالح للاستخدام الآدمي، وقد ذكر قاطنو البيت أن اللجنة التي زارت المنزل فرضت شروطا تعجيزية لإعادة بنائه.
عين أبوعليوه
وتشتهر المرخ بوجود عين أبوعليوه، وكانت "الوسط" نشرت في وقت سابق عن مطالب أهالي المرخ بالاهتمام بالعين، وقال سيدنعمة: "إنه على رغم الإثارة الإعلامية الكبيرة بشأن عين أبوعليوه، فإن العمل قائم على قدم وساق لإقامة لآلل حول الثقب "المداخن" التابعة للعين".
وحمل سيدنعمة وزارة شئون البلديات والزراعة والمجلس البلدي والمحافظة الشمالية، إلى جانب إدارة التراث التي اعتبرها المسئول الأول، مسئولية إهمال العين وعدم الاهتمام بها. وأشار إلى أن "عين أبوعليوه تضاهي عين عذاري من حيث أهميتها التاريخية، غير أنها لا تلقى أي اهتمام".
وبين أنه "كان يمكن في السابق العبور في النفق - الذي يصل ارتفاع الماء فيه إلى متر ونصف المتر - من ثقب إلى آخر، أما الآن فقد نضب الماء وجفت العيون، واستملك التجار الأراضي، ودفنت غالبيتها دون أدنى اكتراث بما تحويه من مخزون تراثي وتاريخي".
المرخ القرية "المحرومة" على شارع البديع ليست الأولى أو الأخيرة على قائمة القرى المهملة التي لم تطلها يد التطوير منذ عدة سنوات، قرى شارع البديع بحاجة إلى خطة تطوير شاملة "وجدية" من قبل الجهات المعنية، حتى يكون مستوى هذه القرى يتناسب مع متطلبات القرن الحادي والعشرين
العدد 961 - السبت 23 أبريل 2005م الموافق 14 ربيع الاول 1426هـ