قد يسأل الكثير من الناس، يمن فيهم العمال: لماذا الأول من مايو / ايار؟ ولماذا يحتفل العالم بهذا اليوم؟ هل لهذا اليوم جذور تاريخية أعطته هذا البعد العالمي؟ أم أن العمال - كل العمال - لهم الحق في أن يكون لهم يوم يطرحون فيه مطالبهم ويبرزون فيه إنجازاتهم كما هي الحال بالنسبة إلى الكثير من الاحتفالات والمهرجانات؟ لماذا تحاول الكثير من دول العالم تغييب الدور الحقيقي للحركات العمالية؟ لماذا يصر بعض المتنفذين وأصحاب رؤوس الأموال في بعض الدول أن تبقى الحركة العمالية حبيسة المظاهر الاحتفالية وبعيدة عن مواقع صنع القرار أو المشاركة فيه؟ اختصاصي العلاقات العمالية ومسئول شئون المنظمات النقابية بوزارة العمل أحمد الخباز قال: إننا فعلا أمام الكثير من الأسئلة عن هذه المناسبة، ولكن الحديث عن تاريخ هذا اليوم في تصوري جزء أساسي لإرجاع عقارب الزمن إلى الوراء من أجل تسليط الضوء على حقيقة هذه المناسبة. .. لذلك، نتناول فيما يأتي وبإيجاز شديد ما حدث في ذلك اليوم التاريخي. وأشار إلى انه في الأول من مايو من العام 1886م بدأت الحركة العمالية في الولايات المتحدة الأميركية حالا من الاضطرابات والإضرابات العمالية بسبب ما كانت تعاني من التهميش والضغط وغياب أبسط الحقوق العمالية والإنسانية وضعف معدلات الأجور وساعات العمل الطويلة التي كانت تتجاوز 17 ساعة عمل في اليوم... كل ذلك كان سببا في تحرك العمال وتنفيذ الكثير من المظاهرات، تجاوز عدد العمال في إحداها 350 ألف عامل، وأعلن الكثير منهم الإضراب عن العمل. وكان أشد تلك المظاهرات ما شهدته مدينة شيكاغو الأميركية من تظاهرة عارمة حملت شعار "تخفيض ساعات العمل".
وأضاف الخباز أنه وبسبب وجود سوء النية المبيت لدى بعض الفئات المتنفذة آنذاك، فقد تم تحريك الحوادث بشكل درامي يخدم مصلحة تلك الفئة المحدودة على حساب سواد الشعب، إذ لم تشهد كل تلك الاعتصامات والمظاهرات أي تحرك عنيف في السابق، بل إنها اتسمت بالسلمية والهدوء.
وقال الخباز: وبحسب ما تؤرخ الكثير من المصادر التي وصفت هذا الواقع المؤلم، فإن يوم الأربعاء من مايو من العام 1886م قد شهد تجمعا سلميا حاشدا لأكثر من 1500 عامل تجمعوا للتعبير عن مطالبهم الحقوقية والعمالية المشروعة. وقد حضر هذا التجمع عمدة شيكاغو كارتير هالبون، إذ استمر التجمع في صورته السلمية إلى أن قام الزعيم العمالي صمويل فلدن يخطب في الجموع، فما كان من قوات الشرطة إلا أن بادرت بإطلاق النار في كل اتجاه، ما تسبب في قتل سبعة أفراد من رجال الأمن وأربعة من العمال وإصابة أكثر من مئة شخص. وأوضح الخباز أنه في أعقاب تلك الحادثة، سادت حال من التوتر الشديد مدينة شيكاغو، إذ تم إلقاء القبض على الكثير من القيادات العمالية، الذين مثلوا أمام قاض كان إلى جانب منصبه في القضاء رئيسا لإحدى الشركات الكبرى في المدينة الأميركية، ما نتج عنه إصدار وتنفيذ حكم بالإعدام بحق أربعة من الزعماء العماليين، هم: أوجست سبنز، أدولف فيكر، إلبرت بارسونز وجورج إنجل، وحبس أربعة آخرين.
ورأى الخباز أن كل ذلك حدث كل بسبب مؤامرة دبرها وقام بها البوليس الأميركي في شيكاغو، إذ اعترف مدير الشرطة بأن عناصره هي من قام بإلقاء قنبلة في وسط الجموع، ما أدى إلى حدوث حال من الذعر والفوضى، والتي بدأت على إثرها الاضرابات والاعتصامات وتعالت فيها الصيحات المطالبة بالإفراج عن بقية زعماء الحركة العمالية وتحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين ظروف العمل.
وقال الخباز إنه نتيجة لتلك المظاهر الاحتفالية من جانب، والاستمرار في المطالبات العمالية من أجل تحسين ظروف وشروط وبيئات العمل من الجانب الآخر، تمكنت الحركات العمالية آنذاك من تحقيق بعض مطالبها الأولية والأساسية، الأمر الذي أدى لبروز حال من الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي الملموس.
ومن هنا، كان الأول من مايو من كل عام فرصة للوقوف على واقع الحال ومراجعة الأوضاع العامة المرتبطة بالحركة المطلبية الأولى المتمثلة في تحسين ظروف وشروط وبيئات العمل، ولاسيما مع التطور الاقتصادي عموما والصناعي خصوصا، وتحول اليوم الدامي إلى عيد يحتفل به عمال العالم
العدد 968 - السبت 30 أبريل 2005م الموافق 21 ربيع الاول 1426هـ