قال تقرير لـ «غلوبل هاوس»، حصلت «الوسط» على نسخة منه، إن العراق يحتاج إلى 190 مليار دولار بشكل مبدئي لإعادة إعماره، كما يحتاج إلى ما بين 300 و400 مليار دولار للاستثمار في البنية التحتية والمرافق العامة، وهي مشروعات تندرج تحت مظلة ما يسمى ببرنامج إعادة الاعمار الذي أطلق عقب الغزو الأميركي في العام 2003.
وتقدر الحاجة في العامين 2008 و2009 إلى استثمارات بقيمة 190 مليار دولار لإعادة إعمار البلاد، وإن نسبة التمويل المحلي الممكن تقارب الـ 42 في المئة وعليه فإن الاستثمارات الأجنبية المطلوبة تقدر بـ 58 في المئة، لكن مع غياب تفعيل قانون الاستثمار فإن جهود الإعمار تتطلب ما لا يقل عن 20 عاما.
إلا أن ما يحتاجه العراق بالفعل لإعادة تأهيله من جديد بعد الدمار الذي لحق ببنيته الاقتصادية يفوق مئات المليارات.
ويعد القطاع العقاري من أكثر القطاعات أهمية في العراق بعد النفط، كون البلاد تحتاج إلى نحو 2.5 مليون وحدة سكنية خلال السنوات الـ 10 المقبلة.
كما يحتاج إلى إقامة 15 مستشفى بطاقة 400 سرير لكل منها، وبناء الجامعات المتخصصة والمدارس والمرافق العامة.
ويأتي القطاع الصناعي - من وجهة نظرن غلوبل هاوس - في المرتبة الثالثة من الأهمية؛ إذ يقدر حجم الفرص الاستثمارية في هذا القطاع عموما بنحو 4 مليارات دولار، وهي تقتصر فقط على مشاريع إعادة تأهيل الشركات العراقية القائمة، منها 3 مشروعات ضخمة لتطوير معامل أسمنت كركوك والمثنى وكربلاء، ومشروع إعادة تأهيل شركة البتروكيماويات باستثمارات تفوق ملياري دولار.
وكانت وزارة الصناعة والمعادن قالت إنها تنوي إبرام اتفاقيات مطلع 2009 بنظام تقاسم الإنتاج مع الشركات الأجنبية لإعادة تأهيل 35 صناعة رئيسية مملوكة إلى الدولة.
وأوضحت ان أكثر من 120 شركة واتحاد شركات يطمح جميعها للمنافسة على مشاريع مشتركة لمدة من 10 إلى 15 عاما بإطار خطة خصخصة تقدر بمليارات الدولارات.
وتتضمن المشروعات 6 مصانع أسمنت ومجمعا كبيرا للبتروكيماويات في البصرة، ومنشأة للحديد والصلب ومصانع للدواء والكيماويات والمنسوجات وغيرها.
وكان العراق استثمر مليارات الدولارات قبل غزو 2003 ما مكنه من إنشاء قاعدة صناعية هائلة جعلته يوما قوة اقتصادية رئيسية بالمنطقة.
كما تطرح محافظة النجف وحدها فرصا استثمارية تتجاوز قيمتها المليار دولار، معظمها ذات علاقة بالسياحة الدينية وما يلزمها من قطاع فندقي ومرافق مساندة.
وصادقت الهيئة الوطنية للاستثمار العام الماضي على مشروع مدينة النجف الجديدة الواقعة على بحر النجف بكلفة 38 مليار دولار، ويعد المشروع السكني الأكبر من نوعه حاليا.
وتم الترخيص لإنشاء مستشفى ألماني كبير عند منطقة جسر المعلق في قلب بغداد، ومول تجاري ضخم بكلفة 85 مليون دولار في منطقة الوزيرية بالعاصمة، وفنادق ومجمعات سكنية وتجارية ومدينة ألعاب في مناطق العطيفية والكاظمية.
وافتتح مطار النجف الأشرف الدولي في نهاية العام الماضي، في حين تعاقدت إدارة محافظة النجف بعد المطار على العديد من المشروعات كالمدن السياحية، والفنادق، إضافة إلى المدينة السكنية، ومدينة النجف المتكاملة في بحر النجف.
ووقعت هيئة الاستثمار في محافظة ميسان في شهر مارس/ آذار 2009 مذكرة تفاهم مع شركة ألمانية لإنشاء مجمع سكني يتكون من 2000 وحدة سكنية.
تعتمد موازنة العراق بنسبة تتراوح بين 93 في المئة و95 في المئة على النفط الخام، وهي تنفق على دعم البطاقة التموينية، المحروقات، شبكة الرعاية الاجتماعية، وعلى المصروفات المتكررة كرواتب العاملين في الدولة.
وما يفيض من المبالغ لا يكفي من الناحية الواقعية لإعادة البنية التحتية التي تحتاج إلى مئات المليارات التي لا تتيسر بسهولة في ظل ديون خارجية مترتبة على البلاد تفوق الـ 130 مليار دولار؛ ما يجعل اللجوء إلى استقطاب الاستثمار حلا ناجعا في الفترة الحالية على الأقل.
ويعاني العراق من غياب البنية التحتية، فهي مدمرة منذ مدة تجاوزت الـ 28 عاما؛ أي منذ اندلاع الحرب العراقية - الإيرانية في العام 1980، والتي يقابلها نمو وازدياد مطرد بالسكان.
واعتمد مجلس النواب العراقي موازنة تصل إلى 58.6 مليار دولار للعام الجاري، بعد أن قلصها بنحو 4 مليارات دولار، وذلك بسبب انخفاض أسعار النفط، على رغم الاعتراضات الحكومية، ومع ذلك تعتبر الأعلى في تاريخ البلاد.
وهدف البرلمان من ذلك إلى خفض العجز المقترح بين الدخل والإنفاق هذا العام إلى 27 في المئة من إجمالي الإنفاق، بعد أن كان 32 في المئة في السابق.
وخفضت موازنة العام 2009 مرتين؛ إذ كانت في بادئ الأمر 80 مليار دولار.
واعتمدت الموازنة على سعر متوسط للنفط عند مستوى 50 دولارا؛ أي أعلى من سعره الراهن الذي يراوح حول الـ 40 دولارا.
وبلغت موازنة العام 2008 نحو 70 مليار دولار، وهي الأضخم في تاريخ العراق، في حين وصلت في 2007 إلى نحو 40 مليارا.
شهدت مؤشرات التضخم في العراق تراجعا طفيفا في معدلاتها خلال شهر فبراير/شباط الماضي عما كانت عليه في شهر يناير/كانون الثاني 2009 بنسبة 0.9 في المئة.
ويقول الجهاز المركزي العراقي للإحصاء وتكنولوجيا المعلومات إن معدلات التضخم تشهد انخفاضا بنحو متواصل نتيجة تراجع الرقم القياسي للمجاميع السلعية المختلفة.
إلا أن المؤشرات السنوية للتضخم سجلت خلال الفترة من فبراير 2008 وحتى فبراير 2009 ارتفاعا طفيفا بنسبة 0.2 في المئة نتيجة لارتفاع الرقم القياسي.
وكان البنك المركزي قدر معدل التضخم السنوي في شهر أبريل/ نيسان 2008 عند مستوى 16 في المئة، مرتفعا عن الانخفاض القياسي خلال 17 عاما الذي حققه عندما بلغت نسبته 12 في المئة في ديسمبر من العام 2007.
وعند المقارنة بين المستويات الحالية ومعدل التضخم السنوي الذي بلغ 66 في المئة في يناير/ كانون الثاني العام 2007 حين عطلت أعمال العنف إمدادات الوقود والطعام؛ ما تسبب في ارتفاع شديد في أسعار السلع.
وفي مواجهة هذا ضاعف البنك المركزي معدلات الفائدة تقريبا لتصل إلى 18 في المئة؛ ما أدى إلى انخفاض معدل التضخم في نهاية المطاف.
وعلى رغم أن العراق توجد به أراض صالحة للزراعة واسعة، فإن انعدام الاستقرار جعل الإنتاج الزراعي في حال مزرية، ومعظم الطعام مستورد.
ومن المفارقات أن العقوبات التي أعاقت اقتصاد العراق في التسعينيات أدت إلى استحداث شيء يقول مسئولون إنه يساعد في تخفيف حدة ارتفاع أسعار الغذاء العالمي وهو نظام لتوزيع الحصص التموينية.
وطبق العراق نظام البطاقات التموينية لمواجهة نقص الغذاء الذي سببته عقوبات اقتصادية فرضت عليه بسبب غزوه للكويت العام 1990. وتقول وزارة التجارة العراقية إن هذا النظام ما زال يطعم قرابة ثلثي الشعب العراقي الذي يقدر عدده بـ 27 مليون نسمة.
وثبتت فعالية نظام المعونة الغذائية في مواجهة أزمات الغذاء، فهي توفر للمستفيدين السلع الأساسية مثل الدقيق والرز والسكر.
وحذر صندوق النقد الدولي مرارا من هذا الدعم؛ ما اعتبره إهدارا للمال في دعم ومعونات تفتقر إلى التمييز.
وكلفت حصص الغذاء الحكومة العراقية 4 مليارات دولار العام 2007، في حين لم يعلن حجمها في 2008، لكن يعتقد بأنها تجاوزت الـ 7 مليارات دولار بسبب صعود الأسعار.
لا بد من الإشارة إلى ضرورة العمل على خلق البيئة التنافسية من خلال الاستمرار بمراجعة القوانين المعيقة، بهدف إغراء المستثمرين... فالجدوى موجودة والمشكلة في المناخ الاستثماري.
ولكن إضافة إلى أهمية توفير البنية التحتية التي تأتي في الترتيب الثاني عقب الأمن، فإن هناك حاجة ماسة لإيجاد نظام مصرفي يضمن حقوق المستثمر في عملية نقل الأموال قبل وبعد وأثناء المشروعات، فضلا عن قدرته على تأمين التمويل اللازم للمستثمر المحلي على الأقل. كما يجب توفير نظام تأميني قوي يشجع المستثمر على ولوج السوق، إضافة إلى ضرورة إنهاء البيروقراطية والعمل على إنشاء البوابة الاستثمارية الواحدة؛ ما يعني وجود مؤسسة تضم ممثلين عن جميع الدوائر ذات العلاقة لقبول الطلبات تغني المستثمر عن أية مراجعات لمؤسسات ووزارات أخرى.
وهنا نعني أن إعادة الحياة إلى عجلة الاستثمار تتطلب خريطة طريق دقيقة وبرنامجا مرسوما يتخطى الصعوبات التي تقف أمام النمو، توضع الشفافية على رأسه. وكان وجب على مجلس النواب، أن يتماشى مع رأي الحكومة في إقرار موازنة توسعية للعام الجاري بدلا من تخفيضها، حتى وإن تراجعت أسعار النفط، لأن ذلك يحفز النمو على رغم زيادة المديونية إذا ما بقيت الأسعار على ما هي عليه.
ونعتقد بأن الراغب في العمل بالعراق يجب عليه التفكير بالاستثمارات طويلة الأجل، لأن الوضع الأمني لم يصل إلى مستويات مشجعة، وبالتالي يجب استخدام سياسة النفس الطويل، مع ضرورة عقد التحالفات مع الشركات المحلية.
وعلى الحكومة الاهتمام ببرامج تدريب الموارد البشرية لهدم الفجوة التي خلقتها ظروف الحروب المتلاحقة وخصوصا ما يتعلق بالتكنولوجيا، والتركيز على كفاءة النظام المحاسبي والإداري، وبناء صرح قضائي شفاف.
كما يحتاج المستثمر إلى وجود استقرار سعري في قيمة العملة المحلية والنظام الضريبي، وسوق مالية حديثة. وعلى الجهات المعنية محاولة التقدم في مؤشرات الحرية الاقتصادية، وبيئة أداء الأعمال ومؤشر التنافسية العالمي بكل ما تعطى من قوة، كون الشركات الأجنبية تنظر إليها كمرآة للبلدان.
العدد 2406 - الثلثاء 07 أبريل 2009م الموافق 11 ربيع الثاني 1430هـ