اهتمام الإسلام بالشباب واضح بين، وسعيه إلى تطوير قدراتهم ومهاراتهم من أجل الخروج بجيل من الشباب قادر على خدمة الإسلام ورفع دعائمه أمر لا يحتاج إلى كبير دليل. فمنذ عهد الرسول "ص" وحتى الآن شكل الشباب الحلقة الأهم في التطوير بعد التأسيس.
وكما يعرف العلم الحديث الإنسان بأنه كائن عاقل مفكر له القدرة على تنمية فكره ومعارفه ومهاراته عن طريق التفكير والتجارب والتعلم من الآخرين، منذ طفولته حينما ينشأ في بيئة محددة الثقافة والحضارة والانتماء الفكري والثقافي، فتساهم تلك البيئة النفسية والثقافية في تكوين شخصيته ونمط حياته وتنمية قدراته وإمكاناته ومهاراته، كذلك كان للإسلام المنطلق نفسه بالنسبة إلى المسلم المكلف بالدعوة إلى الإسلام والذود عنه والدفاع عن حياضه وعمارة هذه الأرض. فتلك المقدرة على التعلم وعلى التنمية يؤصلها الإسلام في نفوس أبنائه ويضع اللبنات القوية من أجل استثمارها خير استثمار للخروج بالفرد المسلم القادر على التميز والعطاء.
تنمية المهارات بالصدق
وذلك ما يؤكده عضو مجلس بلدي المحرق عيسى الماجد حين يقول: "أجد أن اهتمام الإسلام بالشباب هو جزء من أشياء شتى أولاها الإسلام عنايته. ذلك أن الشباب هم حلقة مهمة في هذا الجانب قادرة على خدمة الإسلام وإعطائه الشيء الكثير. فهو نظام شامل لم يترك صغيرة ولا شاردة الا أولاها اهتمامه. فمن الطبيعي أن يكون الشباب على رأس أولوياته. واهتمام الإسلام بالشباب له خصوصيته، ذلك أن الإسلام عندما يتوجه بخطابه إلى الشباب يراعي أن يكون هذا الخطاب موجها للخير. فاستثمار ملكات الشباب لا ينفصل أبدا عن الهدف السامي الذي يدعو له الاسلام وهو الخير والصلاح وطاعة الله سبحانه. وهنا يتأصل شيء مهم وهو الصدق. وأعني أن المسلم يتقي الله في كل تصرفاته وأحواله فلا يكذب ولا يخون. إذ تتحول عنده المواهب والطاقات إلى عنصر خير يستفيد منها الإسلام".
أكثر الفئات المستهدفة
فلماذا كان الشباب هم أكثر الفئات العمرية التي استهدفها الإسلام وسعى إلى تطوير إمكاناتها ومهاراتها؟! انما أعطى الإسلام هذا الاهتمام لأنه يعلم أن الشباب هم الأقدر على خدمة الإسلام وتحقيق مقاصده. وليس أدل على ذلك من الإحصاءات التي تثبت أن جيل الشباب في عصرنا الجاري هم من يتحمل أمانة الإسلام هذه الأيام لذلك تجد لهم حضورهم الملفت في الجامعات والمعاهد والمدارس، ولا يقتصر الأمر هنا على الذكور، وانما الإناث لهم دورهم جنبا إلى جنب مع الذكور.
وسبب ذلك راجع الى طبيعة الشباب والشباب المسلم في البلدان الإسلامية فهم يمثلون طليعة التغيير والطموح، كما أن التفكير في المستقبل والثورة على الجمود والركود أشياء يظل لها مكانها في تفكيرهم. لذلك نجدهم ميالين للنزوع للتغيير والقضاء على الواقع غير المرضي.
شواهد تاريخية
هنا نأتي إلى سؤال مهم عن الشواهد التاريخية التي تثبت هذا الاهتمام من قبل الإسلام فنجد أن الرسول "ص" يقول: "علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل". كما يشير إلى ذلك الشاب عباس سهوان ويوضح: "من هدي الرسول "ص" أنه قال: "علموا أولادكم الرماية والسباحة وركوب الخيل" إلى جانب أحاديث أخرى له "ص" وأتصور أن وجود هذه الأحاديث حتى يوم الناس هذا دليل على الأهمية التي أولاها الإسلام ممثلا في الرسول الأكرم للشباب وأهميته ودوره العظيم في خدمة الإسلام. كما أن هذا الحديث فيما أتصور يشير أيضا إلى حجم الإمكانات التي قد يمتلكها الشباب والتي يمكن من خلال تحقيق الكثير. فهو اهتمام بمهاراتهم وقدراتهم وهو تحقيق لوجودهم حينما يوجه كل تلك الايجابيات في شخصية الإنسان المسلم وجهة سليمة عمادها خدمة الدين ورفعته. كما أن في تلك الأحاديث دليل آخر على تلك المزاوجة التي يسعى إليها الإسلام بين العقل والجسم تأكيدا على مقولة العقل السليم في الجسم السليم.
ويضيف: "وهنا أتساءل عن مدى النفع الذي سيعود على الإسلام من شباب لا يمتلك المهارات اللازمة والقدرات الضرورية للتغيير؟ أعني بهذا الكلام أن الوضع الحالي للمسلمين وأتكلم على المستوى المحلي غير قادر على استثمار الشباب على مستوى العمل التطبيقي".
تحولات اجتماعية
إن الكلام السابق يكتسب أهمية أكبر عند الحديث عن جيل الشباب الجديد وهو الذي يعاصر تحولات اجتماعية، وأوضاعا فكرية وسياسية جديدة، تختلف بحسب ظروف المجتمع وأوضاعه، فإذا ما قمنا مثلا بمقارنة ما يواجهه جيل اليوم من تحديات وأوضاع بما واجهه جيل الشباب الذي عاصر الدعوة الإسلامية ومرحلة النبوة وجدنا أن كلا الجيلين قد واجه تحولا فكريا وحضاريا عظيما في السعة والعمق والشمول.
ولكن بقي جيل الرسالة من الشباب هم أنصار الإسلام وحملة لوائه.
دور الهيئات الإسلامية
وهنا يبرز سؤال مهم آخر ازاء تفتح الشباب واندفاعهم وحماسهم وهو المتعلق بالجمعيات والمنظمات والنوادي والهيئات الإسلامية في استثمار قدرات ومهارات هؤلاء الشباب وعن وجود برامج فاعلة في المساهمة في تربيتهم وتوجيه تفكير وتكوين نمط شخصياتهم. وخصوصا أولئك الشباب الذين يمتلكون قدرات ومواهب وإمكانات خاصة.
ويجيب الشاب طالب سلمان الغزال على ذلك بقوله: "أود أن ألفت الانتباه قبل الاجابة على هذا السؤال إلى أنني عندما قمت بالاطلاع على التاريخ الإسلامي وجدت مجموعة من الشواهد التي تدل على الاهتمام الجدي بالشباب ومهاراتهم. فقد ذكر أن الرسول "ص" كان أعطى قيادة الجيش إلى أسامة بن زيد على رغم كونه شابا صغير السن. كما ذكر أيضا أن الرسول كان أعطى لواء الجيش في أكثر من معركة إلى الإمام علي بن أبي طالب "ع" فهل هناك دليل أبلغ من هذا على اهتمام الرسول "ص" بمهارات الشباب فلو لم يكن هناك أثر مهم للشباب لما أعطى الرسول كل هذا الاهتمام للشباب ولقدراتهم ومهاراتهم ولما أعطاهم تلك الصلاحيات الكبيرة في القيادة. والقيادة ليست بالأمر اليسير الذي يمكن أن يعطيه الرسول لكل من يشاء.
اهتمام ضئيل
ويضيف "وفيما يتعلق بالجمعيات والمنظمات والنوادي والهيئات الإسلامية فإني أجد من الغرابة بمكان أننا نجد مؤسسات المجتمع المدني والهيئات العامة والخاصة تقوم بدور - على محدودية دورها - أكبر من الذي تقوم به المؤسسات الاسلامية في الاهتمام بالشباب. فالاهتمام من قبل هذه المؤسسات بالشباب اهتمام ضئيل وخصوصا تلك القدرات التي قد تميز البعض والتي إذا لم تجد لها من يرعاها ويطورها تموت فيكون في ذلك خسارة كبيرة كان يمكن استثمارها"
العدد 1008 - الخميس 09 يونيو 2005م الموافق 02 جمادى الأولى 1426هـ