العدد 2412 - الإثنين 13 أبريل 2009م الموافق 17 ربيع الثاني 1430هـ

البحرين وأزمة الاقتصاد العالمية

تعتبر ظاهرة الهبوط الاقتصادي التي حدثت العام 2008 بمثابة الأعنف والأقسى من نوعها تصيب الاقتصاد العالمي. وهي كذلك أكبر أزمة تواجه اقتصادات العالم المزدهرة في العصر الحديث، وعلى رأسها اقتصاد الصين والهند واللذان اندمجا بشكل كامل مع اقتصاد العالم. وهذا هو السبب الذي عقد من أجله اجتماع الأسبوع الماضي جي 20 ونور أيه جي 7.

والحقيقة، أن المراكز الاقتصادية في العالم تشهد تغييرا جذريا، حيث ينتقل الثقل الاقتصادي من الدول المتطورة التي تربعت على عرش الازدهار الاقتصادي لعقود طويلة، إلى اقتصادات الدول النامية. ويساهم تأثير الانكماش في النشاط التجاري فقط في التعجيل في انتقال هذه القوة. ويعتبر اجتماع «جي 20» بمثابة رمز أو بالأحرى نقطة تحول يجب الوقوف عندها، فلأول مرة يجتمع رموز الاقتصادات القوية مع قادة الاقتصادات الصاعدة وينسقون مواقفهم ويبحثون السبل للوقوف جنبا إلى جنب لمواجهة الأزمة الاقتصادية العالمية والبحث عن حلول ناجعة لها. نعم، وهذه أيضا أول مرة تخرج الأزمة الاقتصادية من دائرة حدود الولايات المتحدة.

لقد انتهت حقبة من الزمن امتدت إلى أكثر من 30 عاما من الاقتصاد الحر. إنها حقبة نهاية النموذج الرأسمالي (الانجليزي - الأميركي)، حيث تعتبر بطاقة الائتمان مثالا على أكبر فاجعة تصيب النمط الاقتصادي منذ العام 1945. ويعود السبب في ذلك إلى أن بيع الخوخ إلى الناس الذين لا يستطيعون شراءه في الأحوال العادية قد أوجد أعباء (موجودات براقة تحمل السم) وفي النهاية حتما تدمر النظام المصرفي العالمي. لقد تحول المصرفيون إلى شياطين وذلك بمكافأتهم على عدم كفاءتهم وفشلهم.

على أي حال، دعونا ننسى القول إن السياسيين وراء ذلك. إن الجهات الحكومية والذين يقومون على عملية التنظيم، هم الذين سمحوا بحدوث هذا. فلم يركز المنظمون وأصحاب القرار على الخطر بشكل عام. لقد ركزوا فقط على تحقيق أكبر قدر ممكن من المبيعات. لقد فضلوا الاعتقاد بأن العولمة أوجدت رأس المال غير الملائم وفعالية في الأمن. لقد تلاشت الثقة في هذه الأيام، فلم تعد الشركات قادرة على الحصول على القروض، وأصبح الزبائن متخوفون من الإنفاق، وأخذت البطالة تطفو على السطح، وفقدت البنوك الثقة.

لقد تقرر في مؤتمر «ايه 20»، أنه يتوجب على البنوك ومديري التمويل أن تكون لديهم قيود على الدفع وأن يخضع ذلك إلى أنظمة صارمة، والعمل على ترسيخ استقرار مالي، وذلك لتطوير وحماية الاستقرار المالي العالمي. وسيتم تحقيق ذلك من خلال نظام متطور لتبادل المعلومات وتعزيز التعاون العالمي.

وقد تقرر أيضا في اجتماع «أيه 20»، إعادة بناء (أي إم إف) بإعطاء قوة ودور أكبر للاقتصادات الناهضة. إنها مبادرة تجعل الأمر أكثر إثارة. إن الرأسمالية لم تمت، إنها فقط متوقفة. وستبعث من جديد لأنها حتمية.

ويعتبر الاقتصاد الحر بمثابة الحصن المنيع أمام الهيمنة الاجتماعية بتشجيع النخب الاقتصادية والسياسية في إخضاع وقمع روح الابتكار والتجديد.

ماذا فعلت أزمة 2008 لتذكرنا بضرورة إخضاع الأسلوب الاقتصادي للقواعد الاجتماعية والإثنية؟ إن الاقتصادات الناهضة تعرف هذا جيدا. إن وجود النمط هو ضرورة لخدمة الاقتصاد الذي بدوره يخدم المجتمع. أما الاقتصاد الناهض في بلد مثل مملكة البحرين فالأمر مختلف، ففي الخطة المنشورة أخيرا يتوجب على الرؤية الاقتصادية الموضوعة لغاية العام 2030 مراجعة طريقة النمط والسلوك في ظل الأزمة الاقتصادية العالمية الراهنة. وهذا لكونه يركز على العدالة أكثر من الاستمرار والتنافسية، وعلى العدالة الاجتماعية أكثر من الإنتاجية والإبداع.

لدى البحرين نظام ضبط قوي تفتقر إليه دول العالم ذات الاقتصاد المتطور. ويذكر هذا النموذج الاقتصادي في البحرين قادة العالم بثلاثة أمور بالغة الأهمية:

أولا، من الخطأ القول إن الضوابط والحكومات تعتبر بمثابة عقبة أمام إيجاد وتكوين الثروة. ثانيا، يجب تصويب العلاقة بين البنوك والدولة على الدوام، وثالثا، قد يتسبب القوي والثري بحدوث أخطاء جسيمة.

وتذكرنا خطة البحرين العشرينية، بوجه آخر من الأهمية القصوى. فعندما تبدأ هذه الخطة بإعطاء ثمارها، سيكون العالم في وضع مختلف تماما. فاليوم تحتاج الاقتصادات الناهضة إلى المقعد أو الطاولة ويحسب لهما ألف حساب. فهذا الاجتماع أي 20 يستشرف ما سيأول إليه الوضع. إن «أي إم إف» جنبا إلى جنب مع البنك العالمي بمثابة المؤسستين العالميتين اللتين تقدمان السيولة للاقتصاد العالمي وقت الشدة. لقد كانت بمثابة أداة لسياسة الولايات المتحدة. وهو، على أي حال، أحد العناصر الرئيسة بالنسبة إلى اجتماع «أيه 20» لمضاعفة مصادر التمويل في ظل الأزمة الراهنة. ومن الضروري استقلالها.

إن الصين ليست كالبحرين، فهي لا تقدم المال للمؤسسات المتعثرة ماليا من أجل مساعدتها على الإصلاح. وقد فشل اجتماع «أيه 20» في التعامل مع مسألة التجارة ودعم رأس المال واللذين تركا يتضخمان بلا رقابة. إن الزيادة في ثروة الشعوب في الدول النامية تعتبر بمثابة توفير لهذه الثروة، لأنهم غير قادرين على شراء البضائع، فهم فقط مصنعون. أما الأمم الكاملة النمو في الدول النامية فهي في المرتبة الثانية من التوفير.

إن الأمم الفقيرة في العالم هي التي تمول استهلاك الأمم الغنية. تقوم الصين بمنح القروض للدول الفقيرة لتمكينها من شراء السلع والمنتجات الصينية. وقد نتج عن هذا نزول قيمة العملة. وهذا هو أحد أسباب الهبوط الذي يعاني منه اقتصاد بعض الدول. يجب فرض قيود على الفائض من إنتاج الأمم، لكن اجتماع «أيه 20» لم يفعل شيئا من هذا القبيل. وفي هذا المجال ترك الاجتماع السبب الرئيسي للأزمة العالمية بلا فحص أو تدبر.

إنها نهاية العصر الذهبي للدولار الأميركي. فستنخفض قيمته بلاشك، سنشاهد انقسام العالم وتشتته إلى مجموعات تجارية ومالية مختلفة.أما بالنسبة إلى الاقتصادات الناهضة، فستكون المحرك لإيجاد فرص جديدة.

العدد 2412 - الإثنين 13 أبريل 2009م الموافق 17 ربيع الثاني 1430هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً