نسيت فاطمة يوما أن تطل على ابنتها المريضة، كانت لحظتها تركب النقل العام. وحالما تذكرت فاطمة ذلك نزلت من الباص بسرعة أثارت ضحك الجالسين.
أخذت فاطمة تمشي بسرعة عائدة إلى البيت وبدأت الدموع تنزل من عينيها بغزارة، وما أن وصلت إلى البيت حتى سارعت إلى غرفة طفلتها المقعدة. وجدتها تبكي وتتألم والغضب آخذ منها مأخذه. حتى أنها أشاحت بوجهها عنها.
قالت فاطمة وهي تضم إليها ابنتها: "سامحيني يا ابنتي، لقد شغلني احضار الدواء لك عن تقبيلك هذا الصباح". أجابت ابنتها: "كلكم لا تحبونني". كانت فاطمة تعلم حجم الألم الذي يعتصر ابنتها لذلك ضمت إليها ابنتها بقوة أكبر.
جلست فاطمة تنتظر النقل العام وبيدها الدواء وهي تغالب دموعها. رأت طفلة تبتسم مع أمها، رأتها تمشي والسعادة تملأ قلب أمها. فزاد نشيجها. وحلمت فاطمة، حتى أنها لم تلاحظ ولم تسمع المرأة التي حيتها، حلمت وهي تركب النقل العام عائدة الى البيت: "اليوم سأزفك الى زوجك الوسيم وبعد ذلك يمكنك الخروج معه للتنزه على قدميك، وسأرى أبناءك وبناتك يركضون ويقفزون". "لو كنت معي يا أبا حسين" لفظتها فاطمة من دون أن تشعر بنفسها والتفتت اليها المرأة الآسيوية الجالسة معها على مقعد واحد. "لو كنت معي لكان يمكن أن نعالج ابنتنا، لكنك آثرت أن تستحم بالماء البارد في ذلك الشتاء القارس ليكون موعدنا الجنة". التفت المرأة الآسيوية مرة أخرى ولم تتكلم. "تركتني وحيدة وابنتنا مريضة جدا ولا تستطيع المشي، وأخاف أن أفقدها كما فقدتك". أخذت فاطمة في نشيج مكتوم "ما الذي أستطيع عمله الآن!". وعلا نشيجها حتى تحول الى بكاء. وهنا التفت السائق الى فاطمة وأخذ بملاحظتها. "كنت تحلم أن ترى ابنتك في ثوب الزفاف عروسا جميلة ولكن..."، قالت فاطمة من دون أن تشعر بنفسها والدموع تتساقط بغزارة من عينيها. عندها سألها السائق: "لماذا تبكين يا حاجيه؟!" "تعالي الي يا ابنتي، تعالي أضمك الى صدري" قالت فاطمة من جديد. فقال السائق بعصبيه: "ما بك يا حاجيه هل تشكين من شيء هل أنت مريضة" "تعالي الي يا ابنتي ان زوجك بانتظارك سأزفك اليه، تعالي"، قالت فاطمة تلك الكلمات وجميع من في النقل العام كان ينظر إليها في استغراب. حينها أوقف السائق النقل العام ودعى حاجية جالسة في الكرسي المقابل الى الكلام مع فاطمة، ولكن فاطمة لم ترد على الحاجية فقد كانت لحظتها تدخل دنياها التي تحلم بها كل يوم. لم ترد عليه فقد رأت أمامها بابا كبيرا مزينا بالنقوش البديعة وسمعت تغريد الطيور وشمت رائحة المشموم. رأت ابنتها تخرج من الباب وهي بفستان الزواج وخلفها الناس يهللون ويكبرون، رأتها تمشي بسعادة والأزهار لا تفارق يديها
العدد 1036 - الخميس 07 يوليو 2005م الموافق 30 جمادى الأولى 1426هـ