العدد 1042 - الأربعاء 13 يوليو 2005م الموافق 06 جمادى الآخرة 1426هـ

جدران العزل في العالم آيلة للسقوط

"برلين" و"نيقوسيا "في صيف البحرين!

لم يكن جدار العزل في المالكية هو الأول من نوعه في العالم. جدار برلين، جدران بلفاست، جدار نيقوسيا، جدار وارسو وغيرها، جدر عاشت حقبة من الزمن ومصيرها الزوال. والعالم اليوم صاحب الضمير الحي المغيب أو الميت الغائب، يشاهد ويتفرج بناء جدار العزل في فلسطين، وربما يستمتع بذلك العمل!

في قوانين العالم وقضائه، غرابة وعجب لا مثيل لهما، ينصر فيها الظالم على المظلوم، والقوانين وضعت لحماية القلة، والأكثرية هي من يجب أن تقبل بالواقع، وتدفع الضريبة، وترضى بحكم الله، وإلا فإن السماء ستصب جام غضبها!

في فلسطين المحتلة، مع ان محكمة العدل الدولية، في حكمها الصادر في 9 يوليو/ تموز العام ،2004 اعتبرت بناء الجدار يتعارض مع القانون الدولي، إلا أن شيئا لا يعني للكيان الصهيوني؟ مع أن الغالبية الساحقة من الدول الأعضاء في الجمعية العامة للأمم المتحدة "150 مقابل 6"، في 2 أغسطس/ آب العام ،2004 صوتت لصالح قرار يطالب بوقف بناء الجدار وإزالة الأجزاء التي تم تشييدها، إلا أن ذلك لا يعني شيئا للكيان الغاصب، وهل سيكترث من إغتصب أرضا ودولة بكاملها، لبناء جدار أو قرار من محكمة العدل الدولية؟!

لكن لنا في التاريخ سير وعبر، فجدار برلين الفاصل بين الغرب الليبرالي والشرق الشيوعي قسم أحياء مدينة برلين العاصمة التاريخية الكبرى للجمهورية الألمانية الموحدة وقسم بين العمارات، وبين المنزل وحديقته، وبين الجار وجاره، وبين الأب وابنه، في عملية عجيبة من عمليات إخضاع التاريخ لمنطق السياسة وتدليس الحقائق وطمس الواقع.

لقد بلغ طول جدار برلين 165,7 كلم مع 210 قلعات تضمن مراقبة المتسللين، ووضعت على بعض أجزائه أسلاك شائكة يبلغ طولها بـ 55,4 كلم، وكان ارتفاعه 3,2م. وأنيطت حراسته على مدار الساعة 14 ألف شخص معززين بـ 600 كلب بوليسي. وخلال تاريخ الجدار تم إطلاق 1693 طلقة نارية صوب المتسللين. ونجح 5043 شخصا في تسوره واللجوء إلى ألمانيا الغربية من بينهم 574 عسكريا، كما تم القبض على 3221 شخصا من المتسللين وقتل 239 شخصا وجرح 260 شخصا منهم.

لقد أخطأ الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا ميتران الذي تحدث في العام 1988 أمام شاشات التلفزة أي قبل عام من انهيار الجدار - قائلا: "لا اعتقد أن سقوط الجدار أمر ممكن اليوم فهذه قضية الأجيال المقبلة".

بينما تجد موسيقارا روسيا عالميا هو روستروبوفتش يمتلك رؤية مستقبيلة ثاقبة، حينما أقسم العام 1961 عام بناء الجدار على أنه سيعزف يوما ما موسيقاه على أنقاض الجدار. وحقق أمنيته المعروفة، وسارع الى برلين يوم 15 نوفمبر/ تشرين الثاني 1989 وجلس على كرسي خشبي متواضع وعزف على كمنجته لحنا سماه "انهيار الجدار" أمام عدسات التلفزيون وصور الصحافيين.

ومثلما انتصرت إرادة الشعوب في ألمانيا، واحتفل الشباب الألماني الذي هب في 9 نوفمبر 1989 لتحطيم جدار العار بالمعاول والفؤوس والأيدي حتى انهار، انهار جدار المالكية، وانتصرت إرادة شعب البحرين.

كل جدار برلين فوق الأرض تم توزيعه كأنه أحجار كريمة على زوار برلين وضيوف الحكومة الالمانية... وآخر قطعة كبيرة من الجدار تم ارسالها عبر القطار ثم عبر البحر الى كوفي عنان الأمين العام لمنظمة الامم المتحدة من قبل المستشار الالماني هدية سيضعها في حديقة المنظمة كنصب تذكاري يبقى خالدا وشاهدا على حماقة السياسة وقوة ارادة الشعوب. فليسجل من يرغب اسمه لدى أبناء المالكية رغبة منه في الحصول على قطعة من جدارهم الشهير!

ومثلما بقيت قطع من جدار برلين، أقترح عدم هدم جدار المالكية بكامله، بل وضع بعض القطع لتصبح معلما من معالم البحرين، وعبرة لمن لا يعتبر، وعظة لمن لا يتعظ، ودرسا من دروس التاريخ الحديث، وذكرى للأجيال القادمة.

أقترح أن يستفاد من الجدار للترويج لصيف البحرين .2005 برنامج رحلات من ضمنه زيارة لجدار المالكية؟! هنا يتسائل السائح، ما هو جدار المالكية؟ فيبدأ المرشد السياحي في شرح الموضوع، أو ربما يريه شريط الفيديو الخاص بذلك وبذلك تتم تعويض الخسائر المادية من هروب رؤوس الأموال بسبب كثرة المسيرات والاعتصامات، بل وتحولت إلى أرباح وفوائد! وربما تكون هناك عروض للأزياء على شاطئ بحر المالكية بجانب الجدار، حتى يستمتع بها من يهواها، فلربما يغير البعض نظرتهم للمسيرات والاعتصامات؟! ولكن كيف نعوض الخسائر المعنوية والنفسية؟ ربما يفيدنا في ذلك من هو مشغول بمتابعة عروض الأزياء ثم يريد أن يلقن الناس درسا في الوطن والمواطنة؟!

القضية ليست قضية جدار وبحر ولقمة عيش لـ 100 صياد، القضية قضية حقوق إنسان وقوانين ومواثيق محلية وعالمية ودستور ودولة ووطن ومواطنة ومواطنين لا يدرون ما يخبئ لهم المجهول؟! لا تكون في زيارة لمجلس أو ديوانية، إلا ويكون حديث عن ان قطعة الأرض هذه أو تلك مغتصبة والمتنفذ الفلاني أو العلاني هو وراء ذلك. إلي متى سنعيش هذه الأجواء؟ إلي متى؟! كلما حاول الإنسان البحريني نسيان التعدي، يعيشه بصورة أو بأخرى كلما يغلق متنفذ بابه، من تلقاء نفسه أو بحكم القانون، تجد أن نوافذ وأبوابا أخرى فتحت من جديد. متى يستطيع البحريني أن يتأكد ويضمن من أن زمن أمن الدولة لن يعود من جديد؟

مثلما زاد جدار المالكية إحباط ويأس الشارع من تأخر وغياب لغة القانون وعودة للإقطاع والنهب والسلب - ولاسيما أننا نعيش في عصر الإصلاح - يجب أن يكون في زواله شيء من إعادة الروح والثقة في المشروع الإصلاحي. يجب أن يكون يوم هدم الجدار يوما تاريخيا للبحرين، يوما يقول الحاكم للمحكوم لا شيء فوق القانون، لغة "لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها".

لكن مثلما تقول "مديرة مكتب صحيفة الشرق الأوسط في نيويورك" غيدا فخري: في القانون، كما في السياسة، يكون الصمت في معظم الأحيان علامة للرضوخ، والرضوخ يصبح تواطؤا. كان يجب على صحافة النفاق، أن تقف وقفة الرئيس الأميركي ريغان أمام جدار برلين يوم أن قال لغورباتشوف: دعنا نمزق هذا الجدار!

وكما قال الإمام علي "ع" : "لو دامت لغيرك لما وصلت إليك"، هي الحكمة التي اختارها مجلس الأمة الكويتي ليضعها على بنائه وجبينه ليسير.

شكرا لكل من ساهم في نصر المظلومين، صحيفة "الوسط"، رئيس التحرير صاحب الحملة، مرورا بقاسم حسين، صحافي من العيار الثقيل جدا، وصاحب كلمة طاهرة وصادقة وقاصمة لظهور أبناء الظلم والنفاق والفساد، وضياء الموسوي صاحب الكلمة الجميلة، والمخرق محمد العين الساهرة وكل من ساهم في إعادة البسمة إلى أبناء المالكية وشعب البحرين.

يبقى أن نقول انه سقط جدار، وبقيت جدران أخرى، وستبنى جدران جديدة في هذا الوطن، قد لا تكون مصنوعة من الاسمنت والطابوق والخرسانة، وربما تكون أقوى من أن تزال كما أزيل جدار المالكية، لكن نتمنى ألا تأخذ عمرا أطول من جدار برلين، الذي أخذ من العمر 21 عاما وثلاثة أشهر، وإن شاء الله لن تدخل البحرين موسوعة جينس من الجدران السوداء. ومهما عتت وعلت الجدران، إنها إرادة الشعوب التي تريد الحياة، هي التي تنتصر في النهاية. لمستقبل مشرق، وبحرين أكثر إشراقا، فلنعمل جميعا.

حامد الحوري

العدد 1042 - الأربعاء 13 يوليو 2005م الموافق 06 جمادى الآخرة 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً