شهدت البحرين فجر أمس "الأحد" أول عملية خطف حافلة ركاب للنقل العام تابعة لشركة "كارس". وبدأت تفاصيل القصة "الدراماتيكية" حينما داهمت قوات الأمن منزل شاب في العشرينات من عمره - متهم بعمليات سرقة - في منزله بالزلاق في الخامسة من فجر الأحد، واستخدمت الشرطة غازات مسيلة للدموع لإقناع الشاب بتسليم نفسه، إلا أن الشاب تمكن من الهرب بعدما جرح أربعة من رجال الشرطة، متجها إلى محطة النقل العام، وباغت سائق حافلة متوقفة، وأشهر في وجهه السلاح الأبيض "سكينا كبيرة"، وأخرجه من الحافلة عنوة ثم استقلها وقادها بسرعة قصوى، إلى حين نجاح قوات الأمن في القبض عليه في منطقة الرفاع.
وتنشر "الوسط" تحقيقا صحافيا كاملا عن تفاصيل القضية، كما رواها أهل الشاب المتهم وسائق الحافلة وأهالي الزلاق ورأي وزارة الداخلية.
الزلاق، مدينة عيسى - حيدر محمد
بين الواقع والخيال، قصة غريبة من نوعها عاشتها منطقة الزلاق "جنوب البحرين" منذ تباشير الصباح الباكر"أمس"، بدأت فجرا بمطاردة شاب واحتراق جزء كبير من منزله، ومن ثم اختطاف حافلة للنقل العام بعد إخراج سائقها عنوة الى حين اعتقال الشاب بعد جهد جهيد! "الوسط" جمعت خيوط هذه القضية، ولاحقت أبطالها، بدءا من المنزل حيث طورد الشاب، مرورا بمشاهدات حية رواها أهالي المنطقة وصولا الى حادث خطف لم تعرف له البحرين مثيلا منذ سنوات طويلة ربما.
لم يكن يوم أمس كبقية الأيام في الزلاق، إذ استيقظ الأهالي الساعة الخامسة صباحا على وقع طلقات نارية دوت في فضاء المنطقة، خرج الأهالي من بيوتهم يستكشفون... وماذا كانت الصورة؟
شاهد عيان في الزلاق روى لـ "الوسط" تفاصيل الحادث الدراماتيكي: "رأينا العشرات من قوى الأمن بمختلف أصنافها، مدنية وعسكرية تحاصر أحد منازل المنطقة، سحابات سوداء تحجب الرؤية، إنها من فعل الغازات المسيلة للدموع التي أطلقت بكثافة صوب غرفة شاب بحريني متهم بقضايا سرقة لا يتجاوز عمره الرابعة والعشرين عاما، وتجمع حشد غفير من أهل المنطقة واتجهوا نحو المنزل المحاصر الذي يحيطه الجيران من الأمام والخلف... ما يقارب من12 دورية شرطة تحكم سيطرتها على المنطقة التي فيها يقع المنزل المقصود وفقا لرواية الأهالي أيضا!".
"الوسط" زارت المنزل الذي بدا وكأنه خربة محروقة، واستقبلنا على بوابته خمسة شبان ذوي قرابة بالشاب المطارد.
وقفنا على عتبات المنزل المتواضع، وما إن هممنا بالدخول الى الرواق الأول فيه حتى كدنا أن نختنق من رائحة مسيلات الدموع العطبة، استعنا بمنديل ليقينا من الرائحة، تقدمنا خطوات في ممر ضيق يؤدي الى الصالة، ولكن كانت مفاجأة بكل المقاييس، إذ إن ما يربو من ثلث المساحة الإجمالية للمنزل احترقت بفعل هجوم قوى الأمن على صالة المنزل القريبة جدا من غرفة الشاب المطارد... الأثاث دمر بشكل جزئي، وتتوسط الصالة اسطوانة غاز قال أهل الشاب إن الشرطة استخدمتها كجدار حاجز لوقف حركة ابنهم.
ويقول شقيق الشاب المطارد"م.ع" "نحن عائلة بحرينية نتكون من خمسة أفراد من بينهم طفلان، أحدهما معوق في الخامسة من عمره، والآخر طالب في الصف الخامس الابتدائي، ورب المنزل مسافر الى إحدى الدول الغربية للعلاج. وبفعل الهجوم على المنزل بمسيلات الدموع والطلقات النارية نقلت والدتي وأخي المعوق الى المستشفى بسبب تعرضهما للاختناق". كانت الساعة تشير الى تمام الخامسة صباحا عندما سمعنا طلقات نارية، وقد دخلوا المنزل من دون استئذان، ولم يسمحوا لنا حتى بالحديث معهم، واكتفوا بعبارة أنهم ينفذون الأوامر فقط، ومما حز في أنفسنا أن بعض قوى الأمن استخدموا عبارات شتم بذيئة أمام مرأى ومسمع الأطفال، وهذا لا يستقيم مع شخصية رجل الأمن التي يجب أن تكون قدوة حسنة للأطفال"..." ما حدث لنا اليوم، أمر لا يصدق أنه في البحرين، وهي البلد التي تعيش الحريات وقوانين حقوق الإنسان في ظل قيادة جلالة الملك المفدى".
منطقتنا الآمنة تحولت الى ساحة رعب
هل كان المقصود القبض على متهم أم إبادة أسرة بحرينية آمنة؟! هكذا يتحدث جار المنزل المحاصر، ويبدي امتعاضه مما أسماه بـ "أسلوب فض في التعامل" استخدمته قوى الأمن.
يشير جار المنزل مبارك مهنا بإصبعه الى باب مكسور في سطح منزله قائلا "أنا أجزم أن القيادة السياسية للمملكة، وكذلك وزير الداخلية لا يرضون بما حدث اليوم، لقد تحولت منطقتنا الآمنة التي لم تعهد أبدا مسيلات الدموع ولا طلقات النار الى ساحة رعب. لقد اقتحمت قوى الأمن منزلنا، وكسرت الباب المؤدية الى منزل جارنا، وصعد نحو عشرة من رجال الأمن فوق سطح منزلي، وبدأوا يطلقون مسيلات الدموع بكثافة من خلف غرفة الشاب المطارد، انه فيلم دراماتيكي حقيقي". ويسترسل مهنا قائلا "لقد حرقوا المنزل، وشردوا أهله الأبرياء بفعل الخنق، حتى أن رجال الدفاع المدني واجهوا صعوبة كبيرة في إطفاء الحريق بسبب الرائحة القوية جدا على رغم أنهم كانوا يستخدمون كمامات للوقاية، فيا ترى ما هو حال من كان في المنزل ساعتها؟".
الدوسري: انه حدث إنساني محزن
ولم تختلف رواية ممثل المنطقة في مجلس النواب النائب عبدالله خلف الدوسري كثيرا، إذ اعتبر في حديث إلى "الوسط" أن ما حدث في الزلاق "أمس" "سابقة خطيرة، إذ ليس من المفترض أن تقدم قوى الأمن على اقتحام منزل فيه أشخاص آمنون في ساعة مبكرة من الفجر، بحجة القبض على متهم، فهناك أساليب كثيرة أخرى يمكن الاعتماد عليها، ولا يمكن لأي مبرر أن يجيز لقوى وزارة الداخلية أن تقدم على مثل هذا العمل مهما كان الظرف "..." في الحقيقة إن ما شاهدته شخصيا يدل على وجود اقتحام للمنزل، وإطلاق مسيل الدموع"خمس طلقات"، وحسب ما روى الشهود العيان أن قوى الأمن استخدمت بيوت الجيران في الدخول الى هذا المنزل، وهذا خطأ ثان، فللمنازل حرمتها في كل الأديان والقوانين والأعراف، فالعقوبة شخصية، وليست جماعية".
ويذكر النائب الدوسري أنه أجرى اتصالات مع قوات الأمن للتعرف على حيثيات القضية "أخبرتني الشرطة أنها حاولت القبض عليه أكثر من مرة ولكن لم يتسن لها ذلك".
واختتم الدوسري حديثه إلى "الوسط" قائلا "لقد تضرر المنزل بنسبة أكثر من 50 في المئة، وقد خلا البيت من ساكنيه، فرب الأسرة غير موجود في البحرين حاليا، والأم وطفلها المعوق أدخلا للمستشفى، انه حدث إنساني محزن". منوها الى انه سيتابع القضية مع وزارة الداخلية والأطراف الأخرى للوقوف على خلفياتها وتداعياتها، وتعويض هذه الأسرة عما لحق بها من أضرار.
ولكن لم تنته فصول القصة هنا، فعودا على بدء، يروي شهود عيان أن الشاب المطارد نجح في الفرار من المنزل، وظل يتوه في الطرقات الى أن وصل الى محطة الزلاق للنقل العام، وهنا بدأت حكاية أخرى!
من سوء حظي...!
يقول علي عبدالله محمد الذي كان بطلا في القصة ولكن بالمصادفة فقط: "منذ الصباح الباكر اتجهت الى عملي "سائق نقل عام في شركة كارس" وركبت الباص متجها نحو منطقة الزلاق، وكان من سوء حظي في هذا اليوم أنني وصلت مبكرا قبل دقائق من وقت انطلاق الباص "30:5 دقيقة". وبينما كنت جالسا في الباص بانتظار وصول الركاب، وإذا بي أسمع على حين غرة وقع أقدام، وظننت في الوهلة الأولى أن أحد الركاب قد دخل الباص، نظرت الى الخلف، وإذا بشاب في العشرينات من عمره شاهرا سيفه في وجهي.
وقال لي: انزل من الباص بسرعة من فضلك... لم أصغ له في البداية، لكن مع اكتشافي أنه بدأ يخاطبني بغضب ولغة عنيفة، وحفاظا على سلامتي امتثلت لأوامره الغريبة، ونزلت من الباص فعلا، وقام هو بسياقته بسرعة جنونية".
بدا الشاب منفعلا للغاية، حاولت إقناعه بالعدول عن عمله من دون جدوى، ولم تكد تمر ثوان معدودات حتى حاصرت قوات الأمن المنطقة بالكامل، وبدأت بمطاردة الشاب من كل الجهات، وسمعت دوي طلقات نارية تبعتها مطاردة بوليسية، وبعد جهد كبير نجحوا في القبض عليه في منطقة سافرة "تبعد مئات الأمتار عن منطقة الزلاق" بعدما اصطدمت به إحدى سيارات الأمن المشاركة في العملية. كانت قصة دراماتيكية مثيرة، ضمت بين ثناياها معركة حقيقية بطلها شاب بحريني مطارد مقابل العشرات من قوات الأمن الى حين اعتقاله بعد كر وفر، كان ضحيتها منزل احترق نصفه، وسائق باص لم يرتكب جرما سوى الوصول الى عمله بوقت مبكر، ولكن بالتأكيد لم تنته فصول القصة بعد!
قبضت دوريات من الشرطة على متهم خطر على الأمن مطلوب القبض عليه، لارتكابه عدة جرائم سرقة بالإكراه والعنف والترويع، وذلك بعد استيلائه على حافلة من حافلات النقل العام "كارس"، إثر تهديده لسائقها واختطافها والفرار بها، إذ اصطدم بأكثر من سيارة لكنه لم يفلح في الإفلات من قبضة الشرطة في نهاية الأمر.
وأبلغ مدير عام مديرية شرطة المحافظة الجنوبية العقيد عبدالله ناصر عبدالله الفاضل بأن الحادث وقع في الخامسة والنصف من صباح أمس "الأحد" في منطقة الزلاق، عندما ذهبت دورية من المديرية بالتعاون مع الأجهزة الأخرى ذات الصلة إلى منزل المتهم المذكور وضبطه وجلبه تنفيذا لأمر النيابة العامة.
وأوضح أن المتهم اندفع من داخل منزله عندما طرقت الشرطة الباب ليهاجم أفراد الدورية بسيف كان يحمله وأصاب به 4 من رجال الشرطة وهرب إلى الداخل للاختباء، ما اضطر الشرطة إلى استخدام مسيل الدموع وهي الوسيلة الأقل شدة لشل حركته من أجل القبض عليه، وأثناء اندفاعه خارج البيت مرة أخرى استوقف سائق إحدى حافلات النقل العام ودفعه إلى الخارج تحت تهديد السلاح الأبيض، وقاد الباص إلى منطقة بلاج الجزائر ثم الرفاع، مصطدما بسيارتين للدوريات المدنية التابعة للإدارة العامة للمباحث والأدلة الجنائية ملحقا، بهما تلفيات بالإضافة إلى الحافلة، قبل السيطرة عليه وتوقيفه.
وسبق أن كررت الشرطة محاولة القبض على المتهم نفسه، غير أن أهل البيت كانوا يساعدونه على التخفي والتواطؤ معه على الهروب والاعتداء على رجال الشرطة بقضبان الحديد وقطع الأخشاب
العدد 1053 - الأحد 24 يوليو 2005م الموافق 17 جمادى الآخرة 1426هـ