العدد 2950 - الأحد 03 أكتوبر 2010م الموافق 24 شوال 1431هـ

المدونون اللبنانيون: روّاد في العالم العربي

طوني صبغيني- ناشط لبناني ومدوّن، شارك في تأسيس جمعية المدونين اللبنانيين، والمقال ينشر بالتعاون مع  

03 أكتوبر 2010

أظهر إحصاء تناول عدد قرّاء المدوّنات اللبنانية التي تفوق الـ 400 مدوّنة، أنه يُقارب عدد قرّاء مواقع الجرائد الكبرى الذي يبلغ معدّله اليومي 14 ألف زائر. وهذا يشير إلى أن المدوّنات غدت إحدى الوسائل الرئيسية للشباب اللبناني للاطلاع على المعلومات والآراء المختلفة إلى جانب الوسائل الإعلامية التقليدية.

هذا العدد الكبير من القرّاء له عدّة أسباب، أهمّها على ما يبدو المضمون الذي استفاد من الحرية النسبية في لبنان، حيث جرى خلال العامين الأخيرين تطوير مضمون متنوع، غني يتناول بشكل مباشر العديد من القضايا المرتبطة بالحياة اليومية للمواطنين و»المظلومة» في الإعلام التقليدي، مثل القضايا المعيشية والاجتماعية، الحريات العامة، تجاوزات القضاء، العنصرية تجاه الأجانب، حقوق الأقليات وغيرها.

والأهم في حالة البلوغوسفير اللبناني هو أنه تجاوز مؤخراً الحدود التي تفصل بين الإعلام الالكتروني والواقعي، إذ أدّى عدّة أدوار كانت حتى فترة قريبة مقتصرة على الأحزاب والجمعيات المدنية والجرائد، إذ استطاع أن يثبت قدرته كإعلام بديل في العديد من النشاطات، وخاصة البيئية التي لم تحظَ بتغطية تُذكر من وسائل الإعلام التقليدي، مثل نشاط «الرجل في المكعب» في أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، الذي اقتضى أن يبقى الشاب رامي عيد لثلاثة أيام وليالٍ متتالية في مكعب زجاجي في منطقة عين المريسة وسط الحرّ والمياه والظروف المناخية القاسية ليحاكي النتائج المتوقّعة للتغيّر المناخي خلال السنوات المقبلة ولدقّ جرس الإنذار حول ضرورة مواجهته.

وارتكزت الحملة الإعلامية للتجربة على وسائل الإعلام الالكتروني من مدونة خاصة استقطبت آلاف الزوار خلال بضعة أيام، بالإضافة إلى أن موقعي تويتر ويوتيوب كانا ينقلان ما يحدث معه مباشرة في المكعّب كأننا نشاهد تلفاز الواقع. ونجح ذلك في استقطاب انتباه الرأي العام والإعلام ومراكز القرار، حيث تُوِّجت الحملة بإقناع الحكومة اللبنانية بالمشاركة في المفاوضات الدولية حول مكافحة التغيّر المناخي في كوبنهاغن في ديسمبر/ كانون الأول العام 2009.

كذلك استطاعت المدونات اللبنانية أن تثبت قدرتها كأداة تعبئة وتنظيم في العديد من المناسبات، وخاصة في الإعداد لـ «المسيرة العلمانية» في أبريل/ نيسان الماضي. وابتدأت المسيرة بدعوة محدودة على الفيس بوك والمدوّنات، ثم تحوّلت إلى تظاهرة شارك فيها الآلاف، دون الحاجة للجنة مركزية أو مجموعة منظّمة تتولّى ذلك.

وفي السياق نفسه تحوّل المدوّنون في الانتخابات البلدية الأخيرة إلى جهة مدنية مستقلّة تمتلك رخصة من وزارة الداخلية لمراقبة الانتخابات أتاحت لهم دخول أقلام الاقتراع وتقديم تقاريرهم الخاصة للجهات الإعلامية والدستورية حول سير العملية الانتخابية، وهي التجربة الأولى من نوعها في العالم العربي.

ولعلّ أهم مؤشر على الدور الجديد للمدونات هو قدرتها، بعد حملة الكترونية واسعة، على إيقاف القانون المقترح لتنظيم الفضاء الالكتروني الذي اعتبر المدوّنون أنه يمسّ بحرّيات التعبير على الانترنت. وأثبتت هذه الحادثة أن المدونات مجتمعة قادرة، ليس فقط على القيام بدور إعلام بديل أو التعبئة من أجل النشاطات المدنية، وإنما أيضاً على التأثير في العمليّة التشريعية في البلاد، مما يعني تحوّل التدوين فعلياً إلى نشاط مدني وتحوّل المدوّنات إلى أداة مدنية.

يبرز عند ملاحظة هذا التحوّل السؤال التالي: هل ما نشهده اليوم هو نضوج فعلي للتدوين في لبنان وتحوّله إلى أداة للتغيير الاجتماعي والسياسي أم هو مجرّد موجة آنية وعابرة؟

يصعب الحصول على إجابة دقيقة على هذا السؤال في بلد يعمل على المفاجآت مثل لبنان، وخاصة أن مستقبل التدوين مرتبط بشروط لا يمكن توقّعها، منها تقني (مثل تحسين اتصال الانترنت أو بروز خدمات الكترونية جديدة تنافس التدوين)، ومنها قانوني (قوانين المطبوعات والانترنت) ومنها سياسي (وجود اعتقالات رأي من عدمه).

الأمر الوحيد الذي يمكن رؤيته بسهولة بين كل هذه العناصر هو أن التدوين سيتحوّل إلى ما يشبه الأكاديمية الحرّة الجديدة لتخريج المؤلفين والفنانين والناشطين المدنيين ومصمّمي الغرافيك والعاملين في حقل التكنولوجيا والإعلام. ويساعد على ذلك ظهور الجيل الأوّل من المدرّبين المحترفين على وسائل الإعلام الاجتماعي الذين يساهمون في نشر هذه الأداة من خلال تنظيم ورشات عمل بالتعاون مع جمعيات متخصصة مثل تبادل الإعلام الاجتماعي. وكان الفضاء التدويني قد شهد خلال الفترة الأخيرة انتقال بعض المدوّنين إلى الصحف، ونشر بعض الكُتب التي جُمعت من النتاج الالكتروني، وقيام مدوّنات بإطلاق محطّات إذاعية، وولادة تحرّكات مدنية وجمعيات جديدة انتقلت بنجاح من الشاشة إلى الساحات.

حركة التدوين في لبنان، كمثيلاتها في دول المنطقة، حركة ناشئة بدأت تأخذ دورها في مجال الإعلام، مستفيدة من الحرية الإعلامية والإنجازات التي حققتها حتى الآن. فهي على طريقها لتصبح رائداً في العالم العربي.

العدد 2950 - الأحد 03 أكتوبر 2010م الموافق 24 شوال 1431هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً