أغمضت عينيها بصمت وتركت لدموعها حرية الانسياب. .. توقفت عجلة الزمان عن الدوران... وتحجرت عقارب الساعة... لم تزل تذكر حتى الآن جسده الممدد أمامها... تحتويه الشراشف البيضاء... وما زالت همساته الأخيرة ترن في أذنيها... يتمتم كما كان دائما بذكر الله... تركته ماضية... مودعة إياه... إن في أمان الله وحفظه... متمنية له الشفاء العاجل... فألحقها بدعواته الطيبة... لم تكن تعي أبدا أنها المرة الأخيرة التي تراه فيها... لم تدرك أن أنفاسه كانت أخيرة... لم تدرك أنها كانت محطة وداع... لو كانت تعلم لتزودت من عينيه الصافيتين... زادا يكفيها لتسلو عن ذكراه برهة... لتسلو... فقط لبرهة... فتحت عينيها والألم يعصر كيانها... والنسوة حولها ملتفات... تلك تمد إليها كأس ماء... وأنى للماء أن يمتص شيئا من حزن طاغ... وتلك تمسح على شعرها مربتة... لمسة يدها لن تملأ قلبها دفئا... يد باردة... يده كانت أكثر حنوا... مليئة بحنان الأبوة الطاغي... كل شيء كان يفرض الحزن... تفرق الجميع وبات المكان أكثر برودا... بات الليل مظلما وموحشا أكثر من العادة... ومن كل ركن تسمع تنهدات وآهات... تمتصها ذرات هواء خانقة... وعقول كانت تتيه في دروب متناثرة... أخذت بيد أختها الصغيرة... أحست بجفاف كبير يسيطر عليها عندما سألتها عن والدها... ازداد وجهها شحوبا عما كان عليه... وامتقع لونها... تنهدت بعمق... أخذت نفسا عميقا وبشرود تمتمت... دون وعي... وهي تنظر إلى ما لا نهاية... هي لعبة الاختيار...