لقد انصرم شهر رجب الحرام، شهر الله تعالى معلناً أنه قد أقبل علينا شهران عظيمان مسك ختامهما العيد الذي فيه البهجة والسرور بقبول صالح الأعمال من العلي القدير، إذ تتدرج أفضلية شهور العبادة تدريجياً: رجب فشعبان ثم شهر رمضان. فهل يا ترى أعددنا العدة لذلك؟ فالشهران القادمان لا ينكر أي مسلم فضلهما وفق ما ورد عن شريعة الرسول الأعظم (ص) في إحياء أيامهما بالعبادة من أجل صلاح حياة الفرد في الدنيا والآخرة. فالله تبارك وتعالى غني عنا ولكن رحمته وحبه لنا خلقنا وأراد لنا السعادة دنيا وآخرة، وإن كانت السعادة الحقيقية تكون في الآخرة، إذ إن ملاك السعادة يحددها مولانا أمير المؤمنين (ع) بقوله: «عند العرض على الله تتحقق السعادة من الشقاء»، إذ إن «الآخرة فوز السعداء»، وهو (ع) يصور لنا أن «السعيد من خاف العقاب فآمن ورجا الثواب فأحسن»، إذ إن «السعيد من استهان بالمفقود»، إذ «إن الدنيا تعطى وترتجع... يعرض عنها السعداء ويرغب فيها الأشقياء»، و«إن السعداء بالدنيا غداً هم الهاربون منها اليوم».
لذلك، أتمنى لكل العالم سعادة الدارين، وخصوصاً أبناء الأمة الإسلامية لأنهم العارفون بمسئولياتهم أكثر من غيرهم تجاه ربهم وأنفسهم ومجتمعهم، ولهذا ولأنه سيقبل علينا الشهر الكريم أتمنى أن يكون شعار كل مسلم في شهر رمضان الكريم هذا العام «خير رمضان يمرّ علينا» بحيث نصوم وتصوم معنا جوارحنا.
من هذا المنطلق ولما أشعر به من مسئولية تجاه مجتمعي مسئولية تحتم عليّ وتدفعني إلى الكتابة وبكل صراحة وواقعية استناناً بسنة الله تعالى التي تدعونا إلى التخلق بأخلاقه، وهو القائل: «والله لا يستحي من الحق» (الاحزاب: 53)، إلى الإشارة بتفنن القنوات الفضائية العربية ومنفذيها في إنتاج المسلسلات الهابطة الهادمة للتربية الفاضلة المطلوبة تجاه أبنائنا وبناتنا.
فمن خلال ملاحظاتي لمعظم المسلسلات الخليجية التي تعرض في شهر الله! والتي يجدر بها أن تمثل واقعنا بآلامه وأحزانه وأفراحه وآماله وأن تسهم في تنمية أفكارنا ومعتقداتنا وترسخ إيماننا وديننا لدى أجيالنا الصاعدة نظراً إلى الانفتاح الثقافي الذي أضحى علينا نقمة بدلاً من أن يكون نعمة، وبدلاً من أن نساعد الرسول الأكرم (ص) في نشر الدعوة الإسلامية في أرجاء المعمورة، فإننا نفقد شبابنا فظاهرهم إسلامي وباطنهم غير ذلك. فأنا أجد عكس ما نتمناه من هذه المسلسلات، فالموضوعات مكررة وإن قولبت في قوالب مختلفة إذ تتكلم عن: الزواج عن طريق علاقات لا يشرعها ديننا واقعاً، عن جمع الأموال والثروة، الاهتمام بالمظاهر والبذخ والترف في الحياة... وما شابه من هذه الأمور.
أليس حراماً ونحن في شهر رمضان شهر العبادة والذكر والصيام نسمع الصخب واللغو واللهو في مسلسلاتنا الخليجية بل ونرى بأعيننا ارتكاب الحرام كالرقص بين الجنسين كما لاحظت في مسلسل «دنيا القوي» الذي لم أشاهد منه إلا مقاطع والله شاهد عليّ وفيه من الحرام ما هو نذير شؤم في نزول السخط على ديار الأمة الإسلامية؟!
أليس هذا مؤلماً حقاً ونحن نرى ذلك يرتكب ويبث في أقدس الأوقات التي فيها أنفاسنا تسبيح لله تعالى؟ أليس هذا مضيعة للوقت فيما لا يفيد وخصوصاً في شهر الله في ظل شحن الفضائيات بهذه التفاهات الموجهة نحو الناس، أو لم تسمع الناس كلام الرسول الأكرم (ص) في درر حِكمه النبوية: إن لربكم في أيام دهركم نفحات ألا فتعرضوا لها؟
بالله عليك يا من تقرأ مقالتي، أليس لهذه المسلسلات دور في فساد فلذات أكبادنا؟ أليس هذا داعيا لانحلال أخلاقيات شبابنا؟
إن الإصلاح الاجتماعي يعتمد بالدرجة الأولى على مهمة الإعلام، فهو يسهم في غرس الأفكار المربية الصالحة إذا كانت هذه الأفكار المرسلة صالحة والعكس صحيح. نحن نريد مجتمعاً سليماً نزيهاً والذي بناؤه يعتمد بالضرورة على مدى عمق إيمانه وروحانيته هذا الأساس الذي به ينحو المجتمع نحو مدارج الكمال وبالتالي يكون مجتمعاً فاضلاً كاملاً ناجحاً في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والعلمية والفكرية... وهذا ما تصبو إليه المجتمعات كافة.
في اعتقادي أن مسئولية بعض المخرجين والممثلين أكبر من غيرهم، ذلك أنهم يفترض أن يؤدوا رسالة مقدسة، فهم مسئولون أمام الله تعالى لما يبثونه من أفكار هدامة وسيحاسبهم الله لما يرتكبونه في حق الفطرة السليمة، ذلك أنهم لا يكتفون بواقع الانحراف الذي وقعوا فيه وإنما يجرون الشباب نحو الخطأ والرذيلة بصورة مباشرة أو غير مباشرة ذلك لأن الشباب كما يقول الرسول الأعظم (ص) عنهم: «الشباب شعبة من الجنون». وكما يقول الشاعر:
إن الفراغ والشباب والجدة
مفسدة للدين أي مفسدة
ولأني أدين بدين الإسلام وانطلاقاً من السنة الخالدة القائلة: «كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته»، فإنه يعنيني ويهمني أمر الأمة الإسلامية، ولذلك فأتمنى عدم التمادي أكثر في ترويج مثل هذه البرامج الهابطة - والتي مع الأسف تسمى البرامج الرمضانية - سواء في شهر رمضان أو غيره.
وقبل الختام، أقولها بصراحة أيضاً، إنه ربما لا جدوى من الكتابة بشأن هذا الموضوع ولكن من باب «وذكِّر فإنه الذكرى تنفع المؤمنين» (الذاريات: 55)، إذ لعلّني أشعل شمعة في درب من يتعثر في ظلمة طريق الحق المعبّد بالشوك وختامه الرياحين فيتيقظ من يسعى إلى صون عرضه، ولكي تنطفئ شعلة الألم في قلبي ولكي يرتاح ضميري. ولا أنسى أن أنوه إلى أن للآباء والأمهات دوراً كبيراً في تشجيع مثل هذه البرامج، وبالتالي تستمر مسألة الصراع نحو تحقيق الفضيلة بين أبنائنا. وفي هذا ينطبق علينا قول الشاعر:
ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له
إياك إياك أن تبتل بالماءِ
أسأل الله تعالى أن يكون شهر رمضان المقبل بل كل شهر رمضان هو خير شهر رمضان يمرّ علينا، وتكون فرحة العيد بألا نعصيه تعالى طرفة عين، إذ أوَ ليس العيد هو اليوم الذي لا يُعصى الله فيه؟
زكية السي
العدد 1116 - الأحد 25 سبتمبر 2005م الموافق 21 شعبان 1426هـ