العدد 1117 - الإثنين 26 سبتمبر 2005م الموافق 22 شعبان 1426هـ

صناعة مستقبل الطلبة... تحديات وآمال

لكل منا مستقبل يصنعه بيده، قد يكون ناجحا هذا المستقبل او فاشلا، مميزا منتجا ايجابيا او غير ذلك!

لكن صناعة المستقبل الناجح بالتأكيد ليس فيلما كارتونيا ولا قصة خيال وانما مسيرة طويلة، فيها معانات وجهاد وكفاح سارت عليها الاجيال والامم، جيل بعد جيل، منهم من سقط في الحفر أو عاش على الهامش، ومنهم من اصبح موضع عز وفخر لأمته.

وانتم اليوم، احبائي الطلبة، تسيرون على الدرب نفسه، ومازال الطريق في اوله، ومازالت الخيارات والفرص امامكم متوفرة، ومازال المستقبل بيدكم ورقة بيضاء ترسمون فيها بعزمكم وارادتكم خط سيركم الى الامام قبل ان يصبح حاضرا تعيشونه او ماض تتذكرونه!

البعض يستعجل لجهل او يتكاسل عن غفلة فينتهي مستقبله عند الابتدائية او الاعدادية او حتى الثانوية ليخرج عاملا او موظفا عاديا قد لايتجاوز راتبه المئة والخمسين دينارا لاتغني ولاتسمن من جوع!

ولو صبر هذا الطالب، واجتهد، وواصل دراسته الابتدائية ونجح في الاعدادية والثانوية ودخل الجامعة، لخرج منها مهندسا مثلا وتفتحت امامه الابواب!

ويقال لكم، تبريرا للهروب من المدرسة، وهذا كلام سمعناه ونسمعه «انهم لايملكون عقلا منفتحا ولا ذكاء عاليا فلماذا يحاسبون حساب الاذكياء؟».

وهذا كلام ايها الاخوة والاخوات، لاتصدقوه، لاتصدقوا ان هناك غبيا لايفهم شيئا وان هناك عبقريا يفهم كل شيء!

صحيح هناك تفاوت في الذكاء وتفاوت في الاستيعاب، وفي هذا حكمة الخالق، ولكن هذا لايعني ان هناك من هو في القمة وغيره في الاسفل، فليس هذا هو القاعدة، كلنا يحمل نسبا من الذكاء والفهم، وغاية الامر ان هناك من يستعملهما ويخطط بهما وهناك من يهرب ويستسلم للفشل!

نعم هناك تحديات، وتحديات صعبة تتزايد مع الايام، لكن علاجها ليس في تضخيمها والهروب منها وانما علاجها يبدأ في تحديدها والتخطيط لها، ومسئوليتها تقع على الجميع، المستوى الفردي والجماعي، الاهلي والرسمي وهذا بعض منها:

التحدي الاول نسبة النجاح عند الطلبة الاولاد:

وحقيقة المشكلة هنا تركزت في حال التراجع الحاد في نسب نجاح الطلبة الاولاد وخصوصاً الذي لم يبدأ من هذا السنة فقط،وانما بدأ في التسعينات وتحسن قليلا في العام ،2000 ثم استمر في الهبوط حتى وصل الى ادنى مستوى له في العام الجاري إذ بلغ عدد الناجحين (5312) بزيادة 15 في المئة عن العام الماضي الا ان نسبة نجاح الطلبة الاولاد تراجعت الى (35 في المئة) أي نصف الاناث (65 في المئة) بمعدل طالب لطالبتين!

واذا كانت هذه نتيجة الثانوية العامة، فإن نتيجة الثالث اعدادي كانت اسوأ حالا خصوصا في بعض القرى الكبيرة إذ بلغ معدل نجاح الطلبة الاولاد فيها 32 في المئة! واذا كانت بناتنا الطالبات الكريمات قد سجلن بكل فخر واقتدار نسبا عالية من النجاح يستحققن معه التقدير والاحترام ودعواتنا لهن بالمزيد، فإن ابناءنا الطلبة الاولاد امامهم تحد وتحد كبير وهو رفع نسبة نجاحهم الى المستوى الذي يليق بهم وباهليهم وهم اهل لذلك واقدر عليه ويستطيعون فعل ذلك اذا شدوا العزم وشحذوا الهمم وآمالنا فيهم كبيرة.

التحدي الثاني، الحفاظ على المعدل التراكمي:

واذا كان التحدي الاول هو مواصلة الدراسة بنجاح وعدم التسيب من المدرسة فإن التحدي الثاني هو المحافظة على المعدل التراكمي عند 90 في المئة على الأقل في الصفوف الثلاثة للثانوية العامة اذا اراد الطالب او الطالبة الحصول على بعثة حكومية لاكمال دراسته الجامعية، بل وحتى لو قرر الدراسة على حسابه الخاص فإنه لن يحصل على التخصص المطلوب اذا كان معدله اقل من ذلك فإن الخيارات عندها تكون محدودة. وقد لاحظنا امثلة كثيرة يحصل فيها الطلبة معدلا يفوق التسعين 90 في المئة في الاول ثانوي ثم يتراجع ويهبط عن 90 في المئة عند التخرج في التوجيهي حيث لا بعثة ولا تخصص يرغب فيه!

وفي هذا العام بلغ عدد الطلبة الناجحين الذين حصلوا على نسبة 90 في المئة فما فوق هو (1394) طالبا وطالبة بنسبة (26 في المئة) فقط من عدد الناجحين وبنسبة (69 في المئة) للاناث و (31 في المئة) للذكور (أي طالبتين مقابل طالب واحد) وهذه نسبة لا يمكن القبول بها لا على مستوى الطلبة ولا على مستوى المناطق والتي لا يوجد في بعضها أي متفوق حاصل على 90 في المئة فما فوق!

وهذا تحد آخر، لنا أمل كبير في ابنائنا وهم في بداية العام الدراسي والفرصة امامهم موجودة في رفع معدلاتهم شرط العمل بجد لا يعرف الكلل ولا الملل!

التحدي الثالث، البعثات:

واذا كنا نحث طلابنا الاعزاء على الجد والاجتهاد ورفع معدلاتهم الى 90 في المئة على الأقل، وهو المعدل الادنى للحصول على بعثة، فإن وزارة التربية والتعليم مطالبة بزيادة عدد البعثات، ونوعيتها، بما يتناسب مع عدد المتفوقين، ورغباتهم، وكذلك حاجات سوق العمل.

فلا يجوز ان تطرح الوزارة عدد (614) بعثة ومنحة دراسية فقط في مقابل (1394) متفوقا اجتهدوا وتعبوا حتى حصلوا على نسبة 90 في المئة فما فوق، خصوصا ان عدد الحاصلين على 95 في المئة وما فوق قد بلغ عددهم في هذا العام (469) سيطروا فيها على البعثات والمنح المطروحة (614) ولم يبق منها الا (145) بعثة ومنحة فقط لما دون 95 في المئة،اما الباقي وهو (780) طالباً وطالبة فلم يحصلوا الا على منح مالية، بدل البعثات، بمبلغ 400 دينار فقط سنويا لكل طالب وطالبة بحجة محدودية الموازنة على رغم ان معدلات بعضهم تصل 94 في المئة !

وخلاصة القول ان الحصول على بعثة دراسية اصبح اليوم تحدياً حقيقياً يتطلب من ابنائنا الطلبة خصوصا الذكور منهم رفع معدلاتهم الى 95 في المئة حتى يضمنوا بعثة تتناسب ورغباتهم!

التحدي الرابع، اختيار التخصص المناسب لسوق العمل:

في السابق كان اعتماد الخريجين على الوظائف المقدمة من الحكومة، اما اليوم فالحكومة لا تقدم الا (1000) وظيفة سنويا فقط، بينما القطاع الخاص يوفر (35000) وظيفة لسوق العمل، و معظم هذه الوظائف لا تصلح للخريجين الجامعيين، لان (80 في المئة) منها، ايد عاملة بسيطة، يحتاجها قطاع الانتاج والخدمات، و(5 في المئة) للمديرين والمشتغلين في الاعمال الادارية، و(10 في المئة) للمهن العلمية وهي الاقرب لحديثي التخرج من الجامعة الذين لا يملكون اية خبرة.

ويجب ان لا يغيب عن البال ايضا، ان هناك تخصصات مثل الجغرافيا التطبيقية،الخدمة الاجتماعية واللغة العربية خصوصا للاناث أصبحت مشبعة حتى اشعار آخر!

اما الذين يتهربون من المدارس قبل الجامعة فليس لهم الا قطاع الانتاج والخدمات « براتب لا يسد حتى الرمق او يصطفوا في قائمة العاطلين والقائمة تطول وتأتي على رأسها شريحة الثانوية تليها الاعدادية ثم الابتدائية وهذا دليل ينبغي ان يكون واضحا للطلاب بأن التهرب من المدرسة يجب ان يكون خطا احمر.

وهذا تحد آخر لن يستطيع طلابنا استيعابه من دون ارشاد دقيق يربطهم بسوق العمل ومشكلاته ويسهل الطريق عليهم قبل ان يسقطوا في أوحاله!

وفي الختام، وبعد الاشارة للتحديات، لدينا آمال في مساعدة ابنائنا ألخصها في هذه الرسائل:

1- أما الاولى فهي للاسرة والمدرسة، إذ يترعرع الطالب بين ايديهما، وهما الاقرب لاكتشاف نقاط ضعفه وقوته، ومن كان ضعيفا في بعض المواد كالرياضيات او الانجليزي مثلا، فعليهما التخطيط لتقويته وعدم الاقتصار فقط على مصاريفه المادية.

2- والرسالة الثانية هي للمجتمع والجمعيات الاهلية، والمطلوب منهم ترشيد الانشطة، وتحديد الاولويات، فلا يجوز ان يكون الملف التعليمي في المؤخرة بينما تزدحم الساحة بالفعاليات، ولا يجوز ان يسكت المجتمع حين تتراجع نسبة نجاح أبنائه الى ادنى نسبة، ولا يحرك ساكنا، ولا يسائل حتى المدرسة او الوزارة!

3- اما الرسالة الثالثة فهي لرجال الاعمال والشركات والمصارف، فلا يجوز ان يضيع عدد كبير من ابنائنا الطلبة،بعد الجد والاجتهاد، وبعد ان تخلّت عنهم وزارة التربية والتعليم بحجة ضعف الموازنة ومعدلاتهم تقارب 95 في المئة ولا نجد يدا من الشركات أو المصارف تمتد لدعمهم واحتضانهم على رغم ان (1 في المئة) من ارباحهم يكفي لموازنة البعثات كلها!

وقد قامت الجمعية البحرينية للجامعيين بمخاطبة (35) شركة ومصرفاً وعرضت عليهم اما دعم الطلبة المتفوقين مباشرة، بشرط العمل لهما بعد التخرج، او دعم صندوق الطالب في الجمعية والمرخص من وزارة العمل، الا ان الجمعية لم تتسلم اي رد حتى هذه اللحظة!

4- والرسالة الاخيرة هي للطلبة والطالبات، فلا ينبغي ان ينشغلوا الا في دراستهم مهما كانت الظروف، لان تفوقهم هو اكبر خدمة يقدمونها لوطنهم واهليهم وانفسهم، وصناعة المستقبل الان بأيديهم وعقولهم امانة!

ابراهيم خليل

العدد 1117 - الإثنين 26 سبتمبر 2005م الموافق 22 شعبان 1426هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً