تتكدس أحمال ثقيلة من الأسرة والكراسي البلاستيكية والحقائب المغبرة المكدسة فوق أسطح سيارات متهالكه يستقلها السودانيون الجنوبيون الذي كانوا يقيمون في الخرطوم ولكنهم يعودون الآن بالآلاف إلى موطنهم الأصلي مع اقتراب موعد الاستفتاء حول انفصال الجنوب.
وعلى الطريق المؤدية إلى كردفان، تمر في مواكب صغيرة سيارات محملة عن آخرها متجهة إلى بلد يحلمون بأن يكون مستقلاً ولكنه لم ينشأ بعد.
وفي ساحة ترابية مجاورة لستاد رياضي يجرى بناؤه في أحد الأحياء الشعبية في الخرطوم يتجمع الجنوبيون هنا لكي يستقلوا سيارات تقلهم إلى الجنوب وهم يقولون إنهم لا ينوون العودة مطلقاً إلى الشمال.
ويقول كازوك وهو شاب جنوبي يحاول العيش منذ سنوات في الخرطوم بانتظار أن تتاح له فرصه العودة إلى موطنه «إنني ذاهب إلى بنتيو (في ولاية الوحدة الجنوبية) لأستقر فيها بشكل نهائي، ولن أعود للخرطوم سأنضم إلى بقية أفراد أسرتي هناك».
وإلى جواره، يجري أطفال ويلهون للمرة الأخيرة في الخرطوم قبل العودة إلى الأرض التي هجرها آهاليهم بسبب الحرب الأهلية.
وتقول الفتاة الصغيرة، أنجيلينا «إنها المرة الاولى التي سأذهب فيها إلى بنتيو، لقد ولدت في الخرطوم».
وكان اتفاق السلام الشامل أنهى في العام 2005 حرباً أهلية دامت أكثر من عقدين بين الشمال ذي الغالبية المسلمة والجنوب الذي يشكل المسحيون أكثرية سكانه. وأوقعت الحرب قرابة مليوني قتيل.
ومنذ توقيع اتفاق السلام، عاد إلى الجنوب قرابة مليوني جنوبي كانوا نزحوا إلى الشمال، وفق بيانات المنظمة الدولية للهجرة.
ومع اقتراب الاستفتاء المقرر إجراؤه في التاسع من يناير/ كانون الثاني المقبل في الجنوب واستباقاً لبدء التسجيل في لوائح الناخبين في 14 نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، يتوجه آلاف الجنوبيين من الشمال إلى الجنوب.
وكانت حكومة الجنوب التي تتمتع بوضع أشبه بالحكم الذاتي أعلنت في اغسطس/ آب الماضي عن حملة تبلغ كلفتها 25 مليون دولار لحث الجنوبيين على العودة أطلقت إليها «عد إلى دارك للاختيار». وتستهدف هذه الحملة مساعدة 1,5 مليون جنوبي على العودة من الشمال إلى الجنوب للمشاركة في الاستفتاء.
وبموجب قانون الاستفتاء، فإن الجنوبيين المقيمين في الشمال يحق لهم المشاركة في الاقتراع إذا نجحوا في إثبات أصولهم الجنوبية وهو ما قد يتعذر على الآلاف منهم لأنهم لا يملكون شهادات ميلاد.
وتتحمل حكومة الجنوب كلفة الانتقال من الشمال إلى الجنوب وبالتالي فإن آلاف الجنوبيين يعودون مجاناً بعد أن يقيدوا أسماءهم في لوائح يعدها موظفون جنوبيون موجودون بصفة مستمرة في «السوق المركزي» وهي سوق شعبية في الخرطوم.
ويقول نائب رئيس اللجنة المكلفة تنظيم العودة في ولاية الوحدة الجنوبية، عبد الله كام غاي «إن الناس تريد ببساطة العودة إلى ديارها. إنهم لا يريدون التحدث عن مشكلات الاستفتاء أو الوحدة أو الاستقلال ولكنهم فقط يرغبون في زراعة أرضهم أو ممارسة الصيد أو رعاية مواشيهم».
ويؤكد المسئول الجنوبي أن السيارات المجانية متاحة لجميع الجنوبيين أياً كانت انتماءاتهم وأياً كان الخيار الذي سيؤيدونه خلال الاستفتاء.
ورغم أن آلاف الجنوبيين يغادرون الشمال إلا أن بعضهم يبقى سواء لمتابعة الدراسة أو العمل. ومن بين هؤلاء بيتر وهو طالب في جامعة الخرطوم زار الجنوب مرة واحدة منذ أن وصلت أسرته إلى العاصمة السودانية في آواخر ثمانينات القرن الماضي.
ويقول إنه «يأمل في أن يرى بلداً جديداً، امة جديدة عندما يحين وقت عودته هو الآخر إلى الجنوب»
العدد 2977 - السبت 30 أكتوبر 2010م الموافق 22 ذي القعدة 1431هـ