ان الآية التي يستند إليها في تشريع الضرب وهي "واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا" "النساء: 34" أي اللاتي تخافون من الأضرار التي يؤدي إليها نشوزهن والتي تتمثل في تفكك الأسرة وانتهائها وهو أسوأ ما يمكن حدوثه، والنشوز هو كالأعمال البالغة الفحش التي لا يمكن أن تستقر معها الأسرة، فما هو العلاج؟ هل هو الطلاق مباشرة وهو دمار للمجتمع لو تم اللجوء إليه لحل الإشكالات الأسرية؟ أم ان هناك طرقا علاجية تحول دون الوصول لهذه المرحلة؟
ثلاث مراحل
يقول المفسرون إن هناك 3 مراحل علاجية: أولا: النصح والعظة، وهو يوازي الحوار وهذا لا خلاف فيه. ثانيا: الهجران في المضجع، أي يشارك الزوج زوجته الفراش ولكن يهجرها وهذا مما لا شك له أثر نفسي سيئ بالغ عليها ولا خلاف فيه أيضا. ثالثا: المرحلة الأخيرة بعد الأولين: الضرب. ويضيف المفسرون ومنهم ابن عباس تفاصيل بألا يكون مبرحا وأن يكون بالسواك "أي رمزيا"، ولكن والخلاف هنا: هل يستطيع أي كان أن يضرب رمزيا؟ إن المؤدب هذا على افتراض حكمته وهدوء أعصابه مجرد أن يبدأ بالضرب فإنه لن يتمالك نفسه خصوصا إذا كان الموضوع بالغا في الفحش ومن يستطيع أن يتمالك نفسه ثم أنه من يلتزم بهذه الضوابط بل من يحددها فالضرب أصبح لأتفه الأسباب وحتى لأسباب تكون فيها المرأة هي صاحبة الحق فيها ولا أحد يتبع هذه المراحل الثلاث والضرب حتى لو كان رمزيا فيه إهانة للمرأة فبتصوري يذهب أي اثر للمودة والاحترام بين الزوجين وتصبح العلاقة آلية ولو كان هذا هو التفسير الصحيح لكان الرسول"ص" والمعصومون أول من يطبق هذا الأمر لأنه أمر لا تخيير فيه والرسول"ص" سيرته هي المفسرة للقرآن وقد قالت عنه أم المؤمنين عائشة عندما سئلت عن خلقه "كان خلقه القرآن" والله سبحانه يقول "لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر".
تفسير مختلف
لو كان تفسير الضرب هو ما ورد لكان أول من يطبقه ولطبقه المعصومون من بعده والصالحون مع العلم بأنه تعرض "ص" للنشوز من زوجاته الذي ذكرته الآيات، ولو حدث وأن تعرضت أي واحدة من زوجات الأئمة للضرب لعجت بذلك الكتب خصوصا من الخصوم المتصيدين كما حدث وتعرض الإمام الحسن "ع" للطعن فيه من القول بأنه مطلاق فماذا لو ضرب لقيل فيه إنه يضرب النساء ويبطش بهن والرسول "ص" حدث في حياته مرة ،أو بالأحرى ما ذكر في القرآن أنه كان على خلاف مع زوجاته اذ اتفقن مع بعضهن على أن يطالبن برغد العيش من رسول الله "ص" وحصل ذلك ووصل الخلاف أوجه إلى أن استاء الرسول "ص" فهجر بيوت زوجاته إلى المشربة شهرا كاملا وقد قال سبحانه عن ذلك "يا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا ". "عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا" - "التحريم: 5". ولو كان الرسول "ص" فعل خلاف الأولى أي أنه كان عليه أن يضرب ولم يضرب لذكر سبحانه وتعالى ذلك صراحة في القرآن كما هي العادة وللامه فـ "الله لا يستحي من الحق" - "الأحزاب: 53" وقد لامه سبحانه في مواضع فعل فيها خلاف الأولى إذ إن سيرة الرسول هي المقياس للمسلمين والمفسرة للقرآن لذلك سبحانه يحاسبه بدقة كما كان مثلا: في سورة الأحزاب "وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه" - "الأحزاب: 37" في موضوع الزواج من زينب بنت جحش، وفي موضوع الأسرى "ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض" - "الأنفال: 67" وفي قوله سبحانه "عفا الله عنك لم أذنت لهم" - "التوبة: 43". وفي قوله سبحانه "يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس" - "المائدة: 67".
واقع سيرة الرسول
وقد ذكر رئيس المعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن عبدالحميد أبوسليمان تفسيرا جميلا ينسجم مع واقع سيرة الرسول "ص" حين ذكر أنه بحث لغويا في معنى الضرب فوجده على 17 معنى، فقط معنى واحد منها هو الضرب بمعنى العنف، ومن معاني الضرب: معنى الإعراض والهجر والعزل والمفارقة والإبعاد والترك، وذكر أن الرسول"ص" عندما نشزت عليه زوجاته هجرهن إلى المشربة شهرا كاملا ولم يضربهن وأن تفسير الآية هو اللجوء لثلاث مراحل تأديبية: العظة، الهجران في الفراش وهجران بيت الزوجية. لتكون المرأة الناشز وجها لوجه بشكل ملموس مع النتيجة التي ستؤول إليها الأسرة إن لم ترتدع عن سلوكها ولينبهها ذلك من الغفلة. والحق فإن هذا التفسير ينسجم مع سيرة الرسول والعقل والفطرة ولا يخدش كرامة وإنسانية المرأة كشريك مساو للرجل لا كعبدة فمع وجود الإنسان مع شريك مساو له ولكنه على خلاف في أي مكان كعمل أو غيره إذا تم اتباع هذه المراحل معه فإنها تفيد فالعظة أولا ثم الهجران بالابتعاد يفيد في التنبيه إلى النتائج الملموسة التي سيؤول إليها الحال نتيجة هذا النشوز والواقع يشهد بأن لا شيء أبلغ أثرا في نفس الزوجة من هذه المراحل وليشهد المجربون بذلك وفيها عودة إلى الرشد ومن دون خدش لكرامة المرأة.
من أهم القضايا
إن من أهم القضايا التي تتطلب إعادة النظر فيها هي قضية المرأة بزواياها المتشعبة والسكوت عن ذلك هو ليس حفاظا على الإسلام بل بالعكس نيل منه بإبقاء هذه التشوهات فيه وبالسكوت عن المظالم التي يحاسب سبحانه الانسان بشدة على السكوت عنها "الساكت عن الحق شيطان أخرس". ولست أدري كيف يستطيع مؤمن سواء كان في موقع قائد"عالم، قاض، حاكم" أو مقود أن ينام وهو يسمع مظالم المستضعفين شهارا جهارا "خصوصا النساء" دون أن يحرك ساكنا ويبادر فكيف الحال إذا كان هؤلاء المؤمنون يتصدون للمبادرات التي تأتي من أي كان لردع الظلم بشكل قانوني ورسمي وجماعي ومجتمعي؟ ان الأحرى بالمؤمنين أن يبادروا للتصدي للظلم على كل المستويات السياسية والاجتماعية " ومنه ظلم المرأة" والاقتصادية لا أن يستكينوا بلا حراك وإذا جاءت مبادرة من الآخر تصدوا لها بحجة أنها ليست الحل الأمثل ودون أن يعطوا البديل أو أن يدفعوا المفسدة الأكبر بما يعتقدونها الأصغر. نشر الجزء الأول بتاريخ الجمعة 21 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري وهنا الجزء الثاني منه
العدد 1155 - الخميس 03 نوفمبر 2005م الموافق 01 شوال 1426هـ