الزمان: لا حدود
المكان : طواه الزمان
عندما تبحر ما بين أعماق هذه الدنيا الخرساء... العمياء... الهالكة... الرتيبة... يتمالك بك نوع من الشعور الذي يملك كيانك بصدقه العارم، ليثير بداخلك نوعاً من القلق الذي يداهم نفسك بين الحين والآخر ويبعثُ بك تعباً نفسياً وجسدياً إزاء ما تريد أن تطغي عليه قبل طوي الزمان لهدفك المحدد.
فدوران العالم بعجلةٍ مستمرة نحو المواكبة... والعصرية... التطور... التقدم... يلاطف نفسك بعض من الحيرة في بداية مشروعك للحاضر والمستقبل فتهيم بالتفكير والتبين والتفصيل إلى أن تصل لوهلة من الزمن إلى بداية الطريق... بداية الطريق...! نعم بداية المطاف الحر الذي منهُ تفكر في بناء أساس سليم للوصول إلى نهاية شريفة، فمن هنا تحاول أن تضع الهدفية لعمقك الفكري المرسوم بنصب عينٍ وسعي، لكن ما تتقاذفك أمواج المر والألم والسُأم النفسي إزاء توقفٍ عصيب بعد رحلة مشرفة من التجوال بين أعماق صادقة تحمل المضمونية والسمو... يذبل النتاج المثمر بشجرة معطاء ليخلق نوعاً من العقم المؤقت الذي يخلق فراغاً شعورياً... وما بالقلم حيرة!
يتوقف القلم ويجف الحبر ويُفنى ورق رقراق هزيل... ليخلق فجوة ما بين القلم والكتابة.
ويستمر الزمان ليطوي صفحاتهِ طوياً سريعاً، ويستمر الزهر بالذبل بباحة عطره، وتتحول السماء إلى بقعة دمٍ، من هنا يبدأ الأثر فوق المأثر وتتحقق عقدة كتابة...
عقدةٌ لبعضٍ من الزمن قد تخلق اسوداداً يقلب مرآة العالم إلى رذاذ من الفحم الحجري المستهلك لجزءٍ من اللحظة. فعلى رغم تشكل الدنيا بطياتها الطبيعة المعتادة والمشاعر المستمرة والأحاسيس المعطاء تطغى عقدة الكتابة لتوقف سفن تبحر بتسابق حر... لكن ما باليد حيرة!
فعندما تثير البراكين إزاء عاصفة عمودية متشابكة القوام تخلق دماراً يعيش التحقيق والاستطلاع، لكن لما تتفجر البراكين لعقدةٍ طاغية تهيم الأفكار وتتشتت القوام وترسم النظريات بعد باع من الزمن الذي يعيش رؤية جوفاء. فقد تتشبثُ بتعلقك على بعضٍ من سعيفيات النخيل الباسقة بسمو لكن صعبٌ عليك أن تشرب نتاجاً من اللقاح الزكي... هنا تتمثل عقدة كتابة مريرة تخلق بعض زهرياتٍ تبكي بطابعٍ ميال للبشريةِ... كما يتصور أحد المتخيلين كنتُ أهيمُ بنفسي وجسدي وروحي بين أبواب الدنيا، أزور «زقرير» و«نسران» و«طوران» و«حمران» ما بين الشرق والغرب، أتنقل بين العوالم، فلم يبقَ سطح ولا مسرح إلا وأنا كنت من المشاركين بمفردتي، لكن لما يفرغ حبر قلمي تتوقف رحلاتي عن البواسل والأطلال والجسور والطرقات وأعيش خمراً ما بين النار والخبز المحمر بالتنور، أقضي ليلي بتأمل لوحته المرتسمة بسوادها المعطاء ونجومها المضاءة وصوت من الخوف الداخلي، وأغزو نهاري بتنقلٍ ما بين حقلٍ ومزرعٍ لأقتل بعضاً من الوقت الحر، لكن لما يعترض فكري بعض من الهيام اللامنتهى أفرغ نفسي لأعيش الحدث بصبحهِ ومسائه وبرقصه وبكائه متجولاً بغمام الحاضر والمستقبل مصغراً نفسي تحت التصورات التي تعتري هيامي وتنفسي السيال. فكل يوم أُصمم على أن أبحر أما ببحرٍ أو نهرٍ أو مستنقعٍ لأخلق من ذلك رواية حقيقية وتصور أخذ. فلما أركب قاربي الخشبي المنحوت من الصنوبر ومجاديف لا حول ولا قوة بها إلا بقواي شارعاً عن بداية لزيارة الأطلال والأرجاء، تتراءى لي صورة مشتتة الملامح إثر انعكاس على سطحٍ غادر الملمس متذوقاً بعضاً من النماذج والأوجه بحقيقتها، ففي ظل الأفق يصطبغ نور عينك بحمرة... صفرة... زرقة... لتحليق بين طيف متداخل الأطوار والأوساط، أما عندما تلامس يداك بعضاً من سطح الماء تستشعر بالارتباك المتكهرب إثر ارتطام مفاجئ ما بين الجسد والسطح.
هكذا تدور الطبيعة بمدارٍ مختلف ما بين الفصول والأيام، والأشهر والسنين وأنت مازلت على منوالٍ من الترحال والاستوطان.
فلما ينفذ على بعضٍ من المال إثر المصروفات المتتالية وأكون بذلك كالوقت مصمماً على الترحال إلى دار «نقريص» و«بلجينا» و«سرميديا» ينتابني بعض من الهزل الداخلي إثر الحصر المكاني على مدينتي الغبراء، لكن أستميل عذر نقص المادة لأخلق من الزمان والمكان الذي تلتاع نفسي لتنفس بعض من نسماته بانطلاقة من باحة فكري الضيقة إلى مزيج من التجوال.
أما عما أتذكره أنا بشخصي وبلحمي ودمي عندما صممت على زيارة بعض من وطأت ذاك المستعلي «خلفان» الذي رزّى على كرسي الطغى إثر الوراثة العمياء المسترسلة بالتنصيب، لأعيش بواقعٍ آخر وإبحار بمطاف أكثر ضجة...
تراءت لي رؤية عكسية... نعم عكسية المنهجية البشرية المعتادة، فترى التضخيم... المبالغة... التصنع... الاستعلاء... فتدخل لوهلة من المطاف الخيلي المزيج بالواقعية ببصيرة فذة لرؤية «خلفان» يعتلي على نصابٍ يستأسد أحجار الهند والسند ببريقها المبالغ بالانعكاس، لابساً رداء مناطاً بحرير قزٍ يصطبغ بحمرة الدم ليخلق لك الشؤم بباطنه، فبعد لحظات من الاسترسال لقواك الحركية تُلامس بعضاً من الأجزاء المتهالكة الجاثمة على ذاك النصاب، مع إمعان النظر في عينٍ غارت بوسط ترهلات المرض والكبر الجاثم مجتاحة العز لتسحق بعضاً من الملامح فارضة نفسها بسيالٍ من المسارات والحفر.
وبين نظرة... فكرة... تحليق لتسترجع ذاكرتك... نعم فقد سمعت عنه الكثير والكثير، وفي النهاية تراءت لي سمة غدرٍ عميق واستوطان ناهب بأم عينه.
فبين أضواء من كل حدبٍ تحيط بذاك المسمى «خلفان» يثير بك الفضول نحو الإبحار بحوزة قاحلة الأوساط والأرجاء... لتعيش مسار حياةٍ مُترفة وبيئة تعتلي التضخيم والمبالغة... من بداية نواته إلى ما يهددهُ بالتنحي عن المُلك بالأجل الأعظم
العدد 1162 - الخميس 10 نوفمبر 2005م الموافق 08 شوال 1426هـ