تولي الشركات، المصارف، المؤسسات الحكومية وغيرها اهتماماً كبيراً بالتخطيط الاستراتيجي. في حقيقة الأمر التخطيط الاستراتيجي مهم جداً جداً في عالم ينمو بسرعة تفوق التصورات. هو اللب والمخ المحرك لأية شركة، فيه توضع الأهداف. فالمعروف أن الإنسان من دون أهداف كالقشة السابحة الضائعة على سطح الماء التي لا تعرف إلى أية وجهة سيقذفها الماء، أي تصبح حياته بلا معنى أو حتى طعم، ضائع. كذلك هو الوضع بالنسبة إلى الشركات، لتضمن وجودها على الساحة لابد لها من وضع أهداف طويلة الأمد على أساسها توضع الأهداف قصيرة الأمد. كما يجب أن تربط هذه الأهداف بالمهمة الأساسية للشركة ورؤيتها المستقبلية. ولهذه العملية ضوابط ومقاييس تضمن نجاحها.
فعلى سبيل المثال لا الحصر، أهم عوامل نجاح هذه العملية هي:
- الواقعية: لابد أن تكون الأهداف الموضوعة واقعية وقابلة للتحقق في حدود المصادر والموارد المتوافرة. ليس ذلك فحسب، بل يجب أن تكون الأهداف فعلية وتعكس نوايا صادقة، أي يراد تحقيقها فعلاً وليست مجرد كلام على ورق. أعرف إحدى الشركات العريقة جداً التي وضعت ضمن أولوياتها «جذب والمحافظه على الموارد البشرية المؤهلة» بينما هي على أرض الواقع تتفنن في استخدام الأساليب لتطفيش المؤهلين القلة الموجودين لديها. فكيف ستجذب الأيدي؟! لابد أن تكون هذه أحلام يقظة أو أن تكون هذه الأيدي أجنبية. فالأيدي البحرينية المؤهلة واعية جداً، وآخر شيء ستفكر فيه هو ربط مستقبلها بشركة ليس فيها مستقبل.
- الالتزام: لتحقيق النجاح لعملية التخطيط الاستراتيجي لابد من الالتزام من جانب الإدارة ومن جانب مجلس الإدارة. الالتزام بمعنى توفير المصادر المالية والبشرية لتحقيق الخطط الاستراتيجية الموضوعة، فمن دون توفير هذه المصادر تتحول العملية الى مجرد كلام على ورق!
- المشاركة والتواصل: أي لتحقيق النجاح المرجو من عملية التخطيط الاستراتيجي لابد من إشراك جميع الموظفين ومن دون استثناء. لا يشترط جمعهم في مكان واحد في الوقت نفسه. هذه مجرد شكليات، ولكن يمكن إيجاد آلية تحقق هذا النوع من التواصل وتضمن مشاركة كل موظف، أقلها ليشعر الموظف بوجوده وأهميته. كما أن مشاركتهم تضمن تحقيق الأهداف.
- أما أهم هذه العوامل فهو قياس الأهداف بالأرقام، لو أمكن، وذلك ليمكن مقارنتها بالنتائج، فمثلاً عندما نقول إن أحد أهدافنا الموضوعة هو غزو الأسواق الأجنبية، لابد من تعريف هذه الأسواق، تسميتها وكيفية غزوها. مثال آخر، عندما نتكلم عن زيادة الأرباح، لابد من تقدير هذه الزيادة بالأرقام، وكيفية تحقيق هذه الزيادة. كلمة زيادة وحدها لا تنفع، لابد أن يصحبها رقم. الله سبحانه وتعالى «كل شيء عنده بمقدار». نريد ترجمة هذا الكلام الى أرقام، أين مجالس الإدارة مما يحدث في الشركات؟!
أنا ممن شاركوا في هذه العملية لسنوات، وأعرف تماماً أن هذه العملية هي مجرد شكليات «وفشخرة»، بل وأموال تهدر على الخبراء الأجانب ليساعدوا في إتمام التمثيلية، إضافة إلى مضيعة الوقت والأموال. أرى أمامي مسرحية بطلها أجنبي (أعتقد أنه وصل السن القانوني للتقاعد، ولكني لست متأكدة) تدفع له الشركة أموالاً طائلة لنتشرف بزيارته كل فترة ويدير هذه العملية. أما في حقيقة الأمر فكل ما أراه هو أنه يمثل ويتنطط وكلما رأيته يتنطط قفز قلبي رأفة بحاله فقد يقع أثناء هذه التمثيلية وتنكسر أضلاعه. إنهم يستصغرون عقولنا، نحن لسنا تافهين لنعامل بهذه الطريقة.
نعود إلى صلب الموضوع، وهو أن نجاح هذه العملية يتطلب الكثير من المجهود والالتزام وأهمها ترقيم الأهداف. أعتقد بأننا تجاوزنا مرحلة التجربة ووصلنا إلى مرحلة الخبرة وكل ما نحتاج إليه في هذه المرحلة هو أن نضع مصلحة هذا البلد في الحسبان، حينها فقط ستكون خطواتنا محسوبة وأهدافنا مرقمة... فهل من مجيب؟
أميرة بوحميد
العدد 1192 - السبت 10 ديسمبر 2005م الموافق 09 ذي القعدة 1426هـ