برعاية الملك عبدالله بن عبدالعزيز نظمت الهيئة العامة للاستثمار بمقرها في الرياض حفلا كبيراً بمناسبة اطلاق مدينة اقتصادية متكاملة باسم "مدينة الملك عبدالله الاقتصادية"، وذلك بحضور ولي العهد وزير الدفاع والطيران والمفتش العام الأمير سلطان بن عبدالعزيز وولي عهد دبي وزير الدفاع في دولة الإمارات العربية المتحدة الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم اذ أعلن محافظ الهيئة العامة للاستثمار عمرو بن عبدالله الدباغ عن قيام الهيئة العامة للاستثمار في المملكة بالترخيص لأكبر مشروع مشترك في تاريخ الهيئة العامة للاستثمار قيمته 100 مليار ريال، وذلك لإنشاء هذه المدينة من قبل عدد من الشركات الاستثمارية. وبدأت أعمال الإنشاء في "مدينة الملك عبدالله الاقتصادية" المتكاملة ذات الأغراض المتعددة اعتباراً من أمس )الأربعاء( على أن يتم إنجازها على مراحل عدة تنسجم وتتكامل مع الجهود المتواصلة للحكومة السعودية بهدف تعزيز التنمية الاقتصادية وإثراء الاقتصاد السعودي، وستوفر المدينة 500 ألف فرصة عمل جديدة يتوقع أن تفتح أبواباً واسعة أمام الكوادر السعودية لاقتحام مجالات جديدة ومتنوعة. ومن المتوقع انتقال أول مجموعة من الشركات والسكان إلى المدينة في غضون 24 63 شهراً. وقال الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: "إن مدينة الملك عبدالله الاقتصادية ستكون مثالاً ناصعاً على ما يمكن تحقيقه من خير عندما يتعاون بلدان شقيقان ويعملان يداً بيد لما فيه مصلحة شعبيهما. وأنا على ثقة بأن ما سنحققه من خلال هذا المشروع سيفتح فصلاً جديداً في سجل التعاون الأخوي بين دول مجلس التعاون الخليجي العربي". وتقع "مدينة الملك عبدالله الاقتصادية" غربي المملكة وتغطي مساحة تناهز 55 مليون متر مربع على ساحل بطول 35 كيلومتراً بالقرب من مدينة رابغ الصناعية. ومن هذا الموقع، يمكن الوصول إلى مدينة جدة في أقل من ساعة واحدة، كما يمكن الوصول في مدة مماثلة إلى مكة المكرمة من جانب، والمدينة المنوّرة من الجانب الآخر. وبمشاركة من "الهيئة العامة للاستثمار"، ستتوفر في "مدينة الملك عبدالله الاقتصادية" تسهيلات من شأنها اجتذاب رؤوس الأموال والمستثمرين إلى المدينة الجديدة، للمساهمة في إنمائها بمزيد من السرعة ورفدها بمزيد من الإمكانات. ومن أبرز إسهامات "الهيئة" في هذا السياق مفهوم مراكز الخدمة الشاملة، أي توحيد جهة استقبال طلبات الحصول على التراخيص والبتّ فيها، ما يضفي على عملية الاستثمار السهولة والسلاسة. تأخذ "إعمار العقارية"، أكبر شركة للتطوير العقاري في العالم من حيث القيمة السوقية، على عاتقها دور المطور الرئيسي لهذا المشروع الطموح الذي يعد أكبر مشروع لها خارج موطنها الإمارات المتحدة. وتضم "مدينة الملك عبدالله الاقتصادية" 6 مناطق رئيسية، يلعب كل منها دوراً في تحقيق الأهداف الاقتصادية المرجوّة من المدينة. وأول هذه المنظومة السداسية ميناء بحري عالميّ المواصفات، يحتل مساحة إجمالية تبلغ 2,6 مليون متر مربع تجعله يضاهي أكبر موانئ العالم، مثل ميناء روتردام، علما بانه سيكون قادرا على استقبال أضخم السفن. وسيكون الميناء الجديد، بفضل موقعه الاستراتيجي وإمكاناته الضخمة همزة وصل رئيسية ما بين آسيا وافريقيا وأوروبا، كما يوفر لحركة الشحن ما بين القارات الثلاث تجهيزات هي الأحدث من نوعها، بما فيها التحميل والتفريغ الآلي بالكامل، ومتابعة حركة السفن عبر الأقمار الصناعية. وهذا ما سيجعل من "ميناء الألفية الجديدة" واحدا من أهم المحطات لحركة الشحن الدولية وبوابة رئيسية للمنطقتين الشرقية والوسطى وبقية مناطق المملكة. وسيضم الميناء الواقع على مقربة من مكة المكرمة والمدينة المنورة، مبنى خاصاً للحجاج يمكنه استقبال أكثر من 500 ألف حاج كل موسم. ولتلبية جميع متطلبات الحجاج والمعتمرين، سيتم بناء فنادق ومراكز صحية ومرافق خدمات وفق أرقى المستويات العالمية. وأما المنطقة الثانية من المشروع، )المنطقة الصناعية(، فستقام على مساحة 8 ملايين متر مربع وتخصص لتلبية احتياجات كل الشركات الصناعية، الصغيرة والمتوسطة والكبيرة، ابتداء من الصناعات البتروكيماوية والدوائية وأنشطة الأبحاث والتطوير وانتهاء بالمؤسسات التعليمية التي ستقوم بإعداد الشباب السعودي لدخول سوق العمل وشغل الوظائف التي ستوفرها مدينة الملك عبدالله الاقتصادية، وتم تخصيص مساحات كبيرة لإقامة الموظفين وعائلاتهم. وستشمل المنطقة الثالثة )المرافق الشاطئية( مجموعة من الفنادق المطلة على الواجهة البحرية ومباني الشقق الفندقية، تضم 3500 غرفة بالإضافة إلى مجموعة شاملة من متاجر التجزئة ومنافذ الخدمة وناد للفروسية وملعب عالمي للغولف من 18 حفرة. وستوفر المنطقة الرابعة، أي )الجزيرة المالية(، 500 ألف متر مربع من المساحات المخصصة للمكاتب والتي تستهدف المؤسسات المالية العالمية والإقليمية، بالإضافة إلى عدد كبير من فنادق رجال الأعمال ومركز جديد للمعارض والمؤتمرات. وسيعمل في "الجزيرة المالية" كل يوم ما يصل إلى 60 ألف متخصص. وسيتم تشييد برجين فوق جزيرة المال، يتألف الأول من 100 طابق والثاني من 60 طابقاً. وتضم المنطقة الخامسة من "مدينة الملك عبدالله الاقتصادية" 3 أحياء سكنية، سيحتضن أولها "وسط المدينة" وستكون مزيجاً من الطرز المعمارية القديمة والحديثة. ويطل ثاني هذه الأحياء على محيط كورنيش ويلتف بدوره حول مرسى بحريا يتضمن نادياً لليخوت يتسع لـ 450 يختاً. وستشغل السوق ومتاجر التجزئة 350 ألف متر مربع من المساحات المميزة. ومن المتوقع أن يقطن في هذا الحي نحو 75 ألف نسمة. بينما يتكون الحي السكني الثالث في غالبيته من فلل فخمة مطلة على البحر ومزودة بمراس خاصة بها لليخوت والقوارب، بحيث يتسنى التنقل منها وإليها عبر البحر مباشرة. وأما المنطقة السادسة )المدينة التعليمية( فستكون مكاناً تجد فيها المواهب السعودية أبواباً جديدة تطرقها والطاقات الإبداعية سبلاً تسلكها، متوجهة بالاقتصاد السعودي نحو مجالات غير مسبوقة. وتم تشكيل تجمع سعودي إماراتي بقيادة شركة إعمار العقارية بالتحالف مع شركة عسير للتجارة والسياحة والصناعة والزراعة والعقارات وأعمال المقاولات، وشركات سعودية أخرى في مقدمتها مجموعة بن لادن السعودية. كما سيتم طرح 30 في المئة من أسهم المشروع للاكتتاب العام، اذ سيتم الإعلان عن ذلك في وقت لاحق. وقال محافظ الهيئة العامة للاستثمار عمرو بن عبدالله الدباغ: "يأتي الإطلاق الرسمي للمدينة متزامناً مع دخول السعودية منظمة التجارة العالمية، كما أنه ينسجم مع روح الأخوة والتعاون التي تجمع بين السعودية من جهة والإمارات وإمارة دبي من جهة أخرى تحت لواء مجلس التعاون الخليجي. ويعكس النهوض بهذا المشروع بمثل هذه السرعة حقيقة أن السعودية تسير بخطى واثقة على طريق تعزيز اقتصادها وبناء الازدهار الاقتصادي المستدام لأبنائها". وأكد أنه سيتم استقطاب المستثمرين السعوديين والأجانب للمنطقة مع الالتزام بإنهاء جميع الإجراءات والتراخيص المطلوبة منهم لبدء المشروعات خلال أسبوع من تقديم الطلبات وذلك بالتنسيق ما بين الهيئة والجهات الحكومية ذات العلاقة، مؤكداً طموحات الهيئة بان يعزز هذا المشروع مكانة المملكة على المستوى العالمي كوجهة استثمارية أكثر تنافسية، وأن يكون عملاً اقتصادياً رائداً يسهم في دفع عجلة الاقتصاد بمقاييس عالمية وفي توفير الكثير من فرص العمل لأبناء المملكة وبتمويل كامل من قبل القطاع الخاص، من دون تحميل الدولة أي عبء مالي، باستثناء التسهيلات التي ستقدمها الهيئة العامة للاستثمار بالتعاون مع الأجهزة الحكومية الأخرى المعنية في هذا الخصوص. من جهته، قال رئيس مجلس إدارة إعمار العقارية محمد بن علي العبار: "ستتكامل المناطق الست للمدينة الميناء البحري، والمنطقة الصناعية، والجزيرة المالية، والمنتجعات، والأحياء السكنية، والمدينة التعليمية مع بعضها بعضاً لتشكل معاً وجهة عالمية مهمة ومركزاً رئيسياً لتنويع وتطوير الصناعات الثقيلة والخفيفة والإمدادات اللوجستية والخدمات في جميع القطاعات، بما يضمن لها استقطاب مستويات غير مسبوقة من الاستثمارات المحلية والإقليمية والعالمية المباشرة إلى المملكة وتوفير المزيد من فرص العمل للشباب السعودي". واضاف العبار: "لقد اكتسبت إعمار على مدى عقد من الزمن تجربة واسعة في ما يتعلق بتحويل الأفكار إلى واقع ملموس. وتفخر الشركة بمنحها هذه الفرصة التي ستتيح لها المساهمة في تحقيق قفزة نوعية ستوحد جهود الشعبين السعودي والإماراتي وتعزز أواصر الأخوة بينهما". وكانت الهيئة العامة للاستثمار قد قامت بعدة خطوات قبل إطلاق هذا المشروع العملاق كأكبر مدينة اقتصادية متكاملة في الشرق الأوسط، اذ قامت بدراسة نماذج ناجحة لمدن اقتصادية متكاملة على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي ومنها الجبيل وينبع ودبي، ايرلندا وماليزيا، وتوصلت الهيئة إلى أن إنشاء مدن اقتصادية متكاملة بتمويل القطاع الخاص هو أحد السبل المثلى لتحقيق تنمية إقليمية متوازنة، لذلك تم البدء باختيار مناطق تشكل نقاط انطلاق لصناعات تصديرية للأسواق العالمية، وهي: حقل )شمال غربي المملكة( وجازان )جنوبا( ورأس الزور )شرقا( ورابغ )غربا( وحائل )وسط الشمال(. وتم تكوين تجمع من الاستشاريين العالميين لدراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع، وأوضحت الدراسة أن المشروع مجد اقتصاديا، وتم اختيار الموقع جنوب مدينة رابغ نظراً إلى قربها من خطوط الملاحة البحرية وملاءمتها جغرافياً لتطوير ميناء بحري، وتوسطها بين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وقربها من مدينة جدة كمركز تجاري، ومن مدينة ينبع كمركز صناعي
العدد 1203 - الأربعاء 21 ديسمبر 2005م الموافق 20 ذي القعدة 1426هـ