لعل من أكثر الصور التراجيدية إيلاماً في مجتمعنا اليوم، ما أصبحنا نراه ونسمعه من تعد واضح من قبل بعض الجماعات والأفراد للتشكيك في الإنتماء والوطنية. .. فالكثير من المقولات تتناقلها الألسن... فهذا يرجع ذاك إلى أصله من البلد الفلاني، وهنا يوجه هذا اتهاماً لآخر بأن ولاءه للعمائم في (...)، وثالث يكسر القاعدة ليعلن أن أهل البحرين لا يتكلمون عربية مكسرة... وتطول القائمة ليفسد ذلك الخليط كله، بممارساته الملتوية، حال الفهم المبنية على كفتي المعادلة: الحقوق والواجبات بالنسبة إلى كل مواطن. وكم كنا نتمنى مشاركة عدد من علماء الدين من الطائفتين الكريمتين، إلا أن البعض منهم، ممن دعوناهم لطرح آرائهم في هذا الموضوع (تأخر علينا في الرد) ونأمل أن يكون المانع خيرا، وقبل أن نكمل ما بدأناه في حلقة الأمس مع كل من رئيس جمعية العمل الوطني الديمقراطي «وعد» إبراهيم شريف ورئيس جمعية المنتدى عادل فخرو، نود الإشارة الى أن بعض القراء الكرام، رأى تعليقاً على حلقة الأمس تبني حملة وطنية للتأكيد على مفهوم المواطنة الصالحة، غير أن آراء أخرى كانت تكشف بوضوح الحال الحقيقية التي يعيشها الكثيرون بسبب ازدواجية فهم المواطنة لاسيما في الخلط بين الديني والسياسي، والالتفاف حول الولاء المرجعي والولاء الوطني، فيما يشير البعض الآخر الى خطورة الخليط الذي يتسبب مستقبلاً في خلخلة النسيج الديموغرافي للمجتمع البحريني. ما أفسدته الحكومات، نسترسل في الحديث مع رئيس جمعية العمل الوطني الديمقراطي إبراهيم شريف الذي يقول... نحن في مأزق إذاً يستوجب التفكير والتعاون معاً للخروج منه، فهل من أمل في الخروج من الظلمة، وهل من سبيل الى النور، أم أن ما أفسده الدهر لا يصلحه العطار؟ وهو يؤكد «ان عمر التخريب في المجتمع البحريني 3 عقود، يعود جزء كبير منه إلى تركيبة الدولة نفسها، ولذلك فان مفاتيح الحل بالأساس في يدها، فهي التي لم تستطع الخروج من التركيبة القبلية، وهي التي وضعت دستور 73 باعتباره دستور تسوية ينقلها من دولة مستبدة الى دولة تحاول دخول عهد الديمقراطية. وهي أيضاً التي سخرت كل امكاناتها منذ ذلك الحين في السطوة على المجتمع». من ناحية أخرى فان على قوى المعارضة التي تقود عملية الاصلاح «تشذيب لغة خطابها، لتعرف الاهم من المهم» وهو لدى شريف «الحديث عن التمييز الطبقي وليس الطائفي». فما يحدث لدينا هو «أن هناك مائدة، وفتات المائدة هو ما يتناوله الناس. الفرق بين السنة والشيعة في ذلك هو أن السنة أقرب الى المائدة فيكون ما يحصلون عليه أكثر قليلاً من الشيعة». ولذلك فان على قوى المجتمع «أن تركز في حديثها على أن ما يحصل عليه الشعب هو الفتات. وأن تبتعد عن الحديث عن التمييز الممارس ضد الشيعة، وهو تمييز لا يتم لصالح السنة في واقع الأمر فما يؤخذ من الشيعة يذهب للأجانب، كما أن من يأخذ أكثر من حصته من أبناء السنة هم الموالون فقط». ويكرر «يجب تغيير لغة خطاب بعض أفراد المعارضة والتركيز على موضوع توزيع الثروة على أساس طبقي وليس على أسس طائفية، وكذلك الحديث عما هو مشترك وهو الجلوس على طاولة الطعام وليس تحت أرجل الحكام للتنافس على الفتات» ويضيف «ليس مهما من هو فقير ومن هو أفقر، المهم هو التركيز على من يأخذ الجزء الأكبر من الثروات». كما أن هذه المعارضة «بحاجة الى القوى الاجتماعية من الطائفتين. الدولة قوية جدا بسبب نفوذها العسكري والمالي ولا يمكن أن تعود الأوراق ليد المجتمع الا بمشاركة الطائفتين». وزارة التربية هي المسئولة يحمِّل رئيس جمعية المنتدى عادل فخرو وزارة التربية والتعليم الجزء الأكبر من المسئولية، إذ إن «بإمكانها إعطاء دروس المواطنة للأطفال، وخلق وتعزيز المشاعر الوطنية لديهم». ويضيف «يجب الاهتمام بالنشيد الوطني الذي لا يحفظه كثير من أطفالنا، والاهتمام برفع العلم، وتنمية مشاعر العزة بالوطن والافتخار بانتمائنا اليه». كذلك فان «مؤسسات المجتمع المدني مسئولة هي الأخرى وعليها ان تعمل على القضاء على الطائفية، وان ترفع صوتها في وجه بعض الاطراف التي تعمل في اتجاه مضاد، التي تجد أن تأجيج هذه النعرات يصب في مصلحتها». أما المواطن فعليه كما يرى فخرو «أن يكون واقعياً وان يقبل حقيقة ان التغيير الذي تعمل عليه الحكومة يتم بصورة تدريجية وانه سيأخذ مجراه طالما شعرت الحكومة بمسئوليتها عنه، وخصوصاً إنها أقرت بخطئها في المساهمة في تعزيز الطائفية بسبب التمييز في التوظيف في وزارتي الداخلية والدفاع، لكنها الآن تعمل على الغاء الطائفية وتصحيح هذا الوضع». تشريعات تحرم الطائفية وعلى رغم تأكيده بعدم امكان وضع حلول أو وصفات جاهزة للخروج من هذا الحال فإن النجار يؤكد أن قيام مجتمع المواطنة «يتطلب وجود اجراءات وما يمكن تسميته بترسانة تشريعية واضحة تجرم أي شكل من أشكال التمييز أو التفرقة في داخل المجتمع سواء في الممارسة أو حتى في الكتابة». هذه المسئولية ليست ملقاة على عاتق الدولة فقط «وانما تتحمل منظمات المجتمع المدني جزءاً فيها، وكذلك المؤسسة الدينية، وفي هذا الإطار لا نتحدث عن المجتمع السني في مقابل المجتمع الشيعي وانما كل المجتمعات باختلاف الاعراق والمذاهب. يجب أن يكون هناك شكل من اشكال الاتفاق العام بين مختلف الاطراف داخل المجتمع، ومثل ذلك لا يتحقق الا بحوارات معمقة وقائمة على أسس صحيحة يمكن من خلالها الوصول إلى حلول وسطى ومشتركة». ويواصل: المجتمع الحديث هو مجتمع المواطنة والديمقراطية وسيادة القانون، وهذا لا يحصل بين ليلة وضحاها وهي عملية اجتماعية تحتاج الى جهد واصرار وإلى عمل حثيث من جميع الاطراف كما ان تحقيقها ليس صعباً في الوقت ذاته. منهج مادة المواطنة وقبل الدخول في مساحات رأي إضافية بشأن هذا الموضوع، نشير الى النقطة المهمة التي تناولها فخرو فيما يتعلق بدور وزارة التربية والتعليم، فقد تم تشكيل لجنة على مستوى عال من كبار المختصين بوزارة التربية والتعليم لإعداد منهج مادة المواطنة وانتهت هذه اللجنة من إعداد المسودة الأولى لهذا المنهج، وتم تحديد الإجراءات الواجب اتخاذها لوضع هذه المادة ضمن المناهج الدراسية في جميع المراحل التعليمية اعتبارا من الصف الأول الابتدائي، ومن المقرر أن يبدأ تدريس هذه المادة في العام الدراسي الجاري حسبما أعلنته الوزارة. وليس هذا فحسب، بل إن الوزارة ستدعم تدريس مادة المواطنة بموضوعي حقوق الإنسان والديمقراطية، فالمناهج الحالية تتضمن الكثير من الموضوعات المتصلة بحقوق الإنسان والديمقراطية في المواد الاجتماعية واللغة العربية بما يتناسب مع المراحل العمرية للطلبة ومع قدراتهم العقلية ومستوى نضجهم الفكري والوجداني والاجتماعي في المراحل الدراسية المختلفة، وتتناول المجتمع البحريني، الأسرة في مملكة البحرين، حقوق المرأة والأسرة البحرينية والمؤسسات الاجتماعية الرسمية والأهلية وخدماتها، دستور مملكة البحرين وأحكامه، ميثاق العمل الوطني، حقوق المرأة في الميثاق والدستور، الشباب في خدمة المجتمع، أهمية الحوار لمعالجة الاختلاف، أساليب حل الاختلافات ونتائجها،الحوار، الاعتراف بالآخر واحترام رأيه، الاعتراف ضمانة للتسوية،وكذلك بالتطور التاريخي لفكرة حقوق الإنسان ومجالاتها الاقتصادية والثقافية والمدنية والسياسية، ودور البحرين الفاعل في تعزيز مبادئ حقوق الإنسان من خلال المؤسسات المختلفة، كما تتضمن الأنشطة اللاصفية التي تنفذها الوزارة والمدارس جانباً من تعزيز قيم المواطنة والحوار والديمقراطية. التربية الوطنية... تشكيل الشخصية، ويجري حالياً إعداد مادة التربية الوطنية التي ستتضمن الكثير من الموضوعات التي تتصل بتكوين شخصية المواطن وإلمامه بالمؤسسات الدستورية في مملكة البحرين ومؤسسات المجتمع المدني وسيكون موضوع حقوق الإنسان أحد أهم الموضوعات التي تدرس من خلال هذه المادة وذلك للتعريف بحقوق المقررة دستورياً، وستتضمن التربية الوطنية اهتماما بالأطر الدستورية والقانونية الوطنية المتصلة بحقوق الإنسان، وكذلك الاهتمام بالمواثيق الدولية الخاصة بهذا الموضوع، ومنها على سبيل المثال الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. المواطنة كركيزة أساسية تعتبر المواطنة ركيزة أساسية في أي بناء ديمقراطي كما يرى مدير إدارة الخدمات وبرامج التنمية بالمحافظة الشمالية جهاد سلوم، فهي عبارة عن مجموع من السلوكيات والممارسات التي تدور بشأن الحقوق والواجبات التي تحكم علاقة الفرد بالآخرين وعلاقته بالدولة، لكنه يرى أن هذه المواطنة تتعزز وتترسخ من خلال منطق سيادة القانون والالتزام به على أساس أن تكون سلطة القانون على الجميع وأنه ليس هناك من هو فوق القانون، وتعزيز المساواة والعدالة المتساوية بين الجميع مع ضرورة المحاسبة والمساءلة وضمان سريان تطبيق القانون. وهذه الضوابط طبقا لجهاد سلوم نص عليها دستور مملكة البحرين الذي كفل الحريات العامة والخاصة والحقوق واوضح الواجبات الملقاة على عاتق المواطن وطبيعة العلاقات القائمة بين السلطات العامة وآلية عمل كل منها، وجاءت كمرتكزات رئيسية نادى بها جلالة عاهل البلاد المفدى عندما دشن مشروعه الإصلاحي. يعتقد أن تطوير نظامنا السياسي مرهون بشكل أساسي بمدى قدرتنا على بلورة مفهوم المواطنة في إطار المشروعية المستندة على الدستور، كما أن القبول بحكم سيادة القانون هو الضمانة لصيانة حقوق الأفراد وحرياتهم وهو العلامة الحضارية التي تدل على المستوى الذي وصلت اليه الدولة، وأود القول إن بعض البلدان تعرضت لمشكلات من جراء تغليب القضايا الخاصة لبعض الفئات على حساب المصلحة الوطنية وذلك نتيجة لغياب الفهم الواضح لمفهوم المواطنة. ويختتم بالقول... من هنا، فإن الخطوة الأولى في البناء ضرورة تأكيد الثقافة الحقوقية والقانونية، وأن نؤكد دائماً أن الرابط بين المجتمع والدولة هو طرفي المعادلة (الحقوق والحريات
العدد 1204 - الخميس 22 ديسمبر 2005م الموافق 21 ذي القعدة 1426هـ