لا يكاد الإنسان البحريني المتخرج حديثاً يصدق الحصول على عمل بعد عناء وتعب طويل يقضيه في البحث العلمي والعملي ليضمن له مستقبلاً وظيفياً زاهراً من دون أن يقضي فترة طويلة في البحث عن عمل يؤمن له عيشه الكريم، فيدور على الشركات والمؤسسات الحكومية كل يوم ليجد الأبواب مغلقة. فالعمل في الوزارات أصبح من شبه المستحيلات إذا لم يكن مستحيلاً كاملاً، فلا يبقى إلا أن يتجه الشخص إلى شركات القطاع الخاص للعمل بها وما أدراك ما هذه الشركات وما توفره من تسهيلات خيالية للأجانب من راتب مغر، سيارة حديثة، سكن فاخر، حوافز سنوية، علاوات، علاج مجاني، تذاكر سفر وكل ما يؤمن ويشبع الحاجة إلى هذا الأجنبي الذي أتى بمؤهلات منتهية عتى عليها الدهر ليخدع بها تجارنا الأعزاء. وما ان يحصل البحريني على عمل في إحدى هذه الشركات حتى يظن أنه حقق الأمل وجنى ما كان يصبو إليه وأنه سيحصل على كل المميزات، فيبدأ العمل بإخلاص وولاء وتفان لهذه الشركة معتقداً بأنه سيحصل على أقل تقدير مثل التسهيلات التي يحصل عليها الأجنبي... ولكن بعد فترة يكتشف الحقيقة المغايرة للتوقع فيصاب بالإحباط من قلة التقدير والمميزات والحوافز وهو الذي يقوم بتدريب وتعليم هذا الأجنبي الذي حصل على الثقة المطلقة من صاحب العمل لأنه الأمين الذي سيحفظ أسرار الشركة وملايينها في اعتقاد صاحب العمل. العمل في هذه الشركات أصبح يسبب ضغطاً نفسياً واجهاداً يصل إلى حد أن يكره العامل البحريني حياته لما يراه من ظلم وجور وتمييز، إذ أصبح الأمان الوظيفي للأجنبي أكبر من البحريني وأصبح البحريني عديم الثقة والإنتاجية في نظر أصحاب العمل ليعيش البحريني تحت مؤامرات الأجانب الذين يخدعونك بكلامهم وبأنهم سيعودون إلى بلادهم وأهلهم وأن البحريني هو الذي سيبقى في بلاده. صحيح أن الأجنبي سيعود إلى بلاده ولكن بعد أن يحتل موقع عمل ابن البلد إلى أن يصل إلى سن العجز وبعد أن يؤمن حياته وحياة عائلته ومدينته أيضاً، في الوقت الذي أصبح البحريني مبتلياً بالأمراض من كثرة الديون وضيق المعيشة. وأكثر ما يثير الدهشة ويجلب الألم والحسرة أن يقوم الأجنبي بمقابلة البحريني ليقرر ملاءمته للعمل وتوظيفه، وهذا ما حصل لي وللكثيرين عندما تقدمت إلى عمل في إحدى الشركات لأكتشف بعد توظيفي بأن هناك الكثير من البحرينيين ممن يعملون في هذه الشركة يحملون الشهادات المطلوبة للوظيفة، والأجنبي الذي في يده قرار التوظيف لا يملك هذه الشهادة ويتسلم أربعة أضعاف راتب البحريني المؤهل، والمحزن أيضاً أنه كلما تقدم البحريني وارتقى في عمله بدأ هذا الاجنبي يختلق المشكلات والعراقيل ويقدم صورة مشوهة ومقلوبة إلى صاحب العمل مستغلاً انعدام الثقة بين صاحب العمل والمواطن البحريني. استوقفني أحد العمال الأجانب الذي يعمل مشرف عمل ليقول إن البحريني يحتاج إلى أن يغيّر من عاداته واتجاهاته ليصل إلى مستوى متقدم. قلت له: عليك أن تعرف أن البحريني يستطيع أن يعمل مديراً ومهندساً ومشرفاً إذا حصل على الدعم والتسهيلات التي يحصل عليها الأجنبي، للأسف أصبح الأجنبي يتباهى بنفسه ويتفاخر علينا وذلك بسبب الظلم وعدم الإنصاف من قبل أصحاب العمل بإعطاء المواطن حقه، حتى أصبحت أردد هذا المثل: «ناس تشقاها وناس ترعاها وناس تشرب حليبها»، نحن لا نقول إن الشركات لا تحتاج إلى الخبرات الخارجية في بعض المواقع، ولكن هناك الكثير من الوظائف التي يحتلها أجانب، يستطيع البحريني القيام بها إذا أعطي الفرصة والثقة وتوافرت له التسهيلات. إلى متى سنظل محتلين من قبل أناس يعتمدون علينا في أداء أعمالهم، وأخيراً يظهر إلى صاحب العمل أن الأجنبي هو المنتج والبحريني لا يملك أية قدرات، ويعتبر الأجر الذي يتسلمه كمساعدة له وليس كراتب بدل العمل؟ نرجو من أصحاب الأعمال إعادة النظر في سياستهم وإعادة هيكلة شركاتهم وأن يعتمدوا على أبنائهم، لأن الأقربين أولى بالمعروف وسيرون أن البحريني هو إنسان مخلص ذو أصول طيبة يريد أن يخدم بلده، ولن يبخل بالعطاء والجهد إذا ما توافرت له البيئة المناسبة. وهذا طبعاً سيزيد من ولاء وعطاء الشخص لوطنه ومجتمعه إذا استطاع أن يعيش براحة واستقرار.
سيدعلي حسي
العدد 1210 - الأربعاء 28 ديسمبر 2005م الموافق 27 ذي القعدة 1426هـ