«عانق مسلماً اليوم».
كانت تلك أول يافطة يمسك بها أحدهم مشاهدتها لدى وصولي إلى الاحتفال لاستعادة سلامة العقل، الذي عقد مؤخراً بعد ظهر يوم خريف جميل في الحديقة الوطنية بواشنطن العاصمة. حددت تلك اليافطة روح بقية الاحتفال.
أنا ابنة ستينيات القرن الماضي. وقد يكون هذا هو سبب شعوري بأن ذبذبات الاحتفال كانت معروفة لدي. ورغم أنه تم تقدير عدد الجمهور بنحو 200,000 شخص، وكان من الصعب سماع أو رؤية ما يحصل على المسرح، إلا أن الناس كانوا مهذبين ومسالمين وإيجابيين.
وقفنا لمدة ثلاث ساعات ملتصقين معاً نصغي للموسيقى وغيرها من نشاطات الأداء. هتف الجمهور عندما صعد المغني ذائع الصيت كات ستيفنز، الذي أصبح يعرف اليوم باسم يوسف إسلام إلى المسرح لأداء أغنيته الأيقونة «قطار السلام». أصغى الجمهور كذلك للشعر، ولكن معظمهم أتوا من أجل الفكاهة، التي كانت تسخر وتتندر مرحاً من الجو المستقطَب بسخونة والمناخ الثقافي في أميركا اليوم.
برزت رسالة إلى «نحن الشعب»، ليس فقط لهؤلاء منا الذين حضروا الاحتفال، وإنما لجميع الأميركيين: «نستطيع أن نختلف دون أن نصبح أعداء أو نحتاج أن نعرف الفرق بين الاثنين. وإذا قمنا بتضخيم كل شيء فلن نسمع شيئاً»، قال جون ستيورات.
كان جون ستيورات، ضيف «البرنامج اليومي» على محطة «كوميدي سنترال» القوة المنظمة وراء الاحتفال. وعندما اقتربت نهاية الاحتفال الكبير تحول ستيورات إلى الجدية وألقى أكثر الخطابات روعة سمعتها منذ مدة طويلة.
ألقى ستيورات ببعض اللوم للجو المستقطَب في الولايات المتحدة على الإعلام، وقام بالضرب على وسائل الإعلام تلك التي تبالغ في وصف خلافاتنا وتصب الزيت على نار التوترات بيننا. وقد اعترف أن طروحات المتطرفين في الإعلام قد تكون جيدة للحصول على نقاط الجمهور للمحطة التلفزيونية، ولكنها ليست جيدة لبلدنا.
وفي رد على الأسلوب الذي يبالغ فيه الإعلام بالخلافات بين الناس قال ستيورات: «يستطيع الإعلام رفع عدسته المكبّرة على مشاكلنا وأن يقوم بإلقاء الضوء على مشاكل لم نرَها حتى الآن، أو يستطيع أن يستخدم عدسته المكبرة ليسلط أشعة الشمس على نملة فيحرقها».
وأضاف قائلاً أن الأميركيين لا يعيشون «على تلفزيون الكابل: نحن نعيش في قيمنا وفي المبادئ التي تشكّل الأسس التي تديمنا».
ويضيف ستيورات معلقاً على الخوف المتنامي الذي يشعر به الأميركيون تجاه المسلمين، أن عدم القدرة على التمييز بين الإرهابيين والمسلمين يجعلنا أقل أمناً وسلامة، وليس أكثر.
أثار ستيورات قضية الإعلام مخبراً إيّانا أن أميركا مفرّقة أيديولوجياً لأن واقع الأمر هو أن معظم الأميركيين لا يعيشون حياتهم كديمقراطيين أو جمهوريين أو محافظين أو ليبراليين، فنحن نمارس روتيننا اليومي ونحن نفعل ما نجيده، كأناس وليس كدعاة أيديولوجيا.
يقول المؤلف كارل أولبريخت في كتابه «الذكاء العملي» إن الكلمات لها أهميتها. «يمكن للكلمات أن تشكّل أسلحة ويمكنها أن تكون أدوات. ويمكنها أن تكون فناً. وباستطاعتها إلهامنا أو تحريضنا أو إشعال نيراننا أو تهدئتنا أو إعلامنا أو تثقيفنا أو إساءة قيادتنا أو استغلالنا أو إرباكنا. لقد فهم العديد من القادة المشهورين سيكولوجية اللغة واستخدموا تلك المعرفة لإثارة الشعوب وتحريكها، لأهداف جيدة وكذلك شيطانية. تملك القصائد والأدب والشعارات الشعبية المجازات والأناشيد الوطنية القدرة على تحريك أفراد الشعب بأساليب عميقة».
فإن استخدامنا للكلمات هو قلب الاحتفال. لم يدافع أحد عن نسيان أو تجاهل وجود خلافات حقيقية بيننا. إلا أن الاحتفال ذكّرنا أن باستطاعتنا أن نكون مهذبين تجاه بعضنا بعضاً، وأن باستطاعتنا أن نصغي لبعضنا بعضاً وأن نتعلم من بعضنا بعضاً.
ما الذي نخسره من محاولتنا ذلك؟
نظرت حولي فرأيت يافطات تعكس تلك الروح: «عاملوا بعضكم بعضاً بامتياز»، «أن تكون لطيفاً هو الأسلوب الجديد الأفضل»، و»تتطلب الحضارة تصرفاً حضارياً»، ويافطة ربما نتفق عليها جميعاً بغض النظر عن سياستنا أو عقيدتنا أو ديننا.
كانت طفلة تحمل يافطة كتب عليها ببساطة: «المزيد من الشوكولاتة، رجاءً»!
العدد 3013 - الأحد 05 ديسمبر 2010م الموافق 29 ذي الحجة 1431هـ