مراد بسطامي - ناشط في مجال اللاعنف من القدس الشرقية، والمقال ينشر بالتعاون مع «كومن غراوند»
09 ديسمبر 2010
في رام الله وعلى بعد أمتار من مقر الرئاسة الفلسطينية، حيث يرقد أبوعمار وحيث يجلس أبومازن، كانت تلك الندوة التي حملت عنوان «أجندة حماس السياسية 2010»، والتي نظّمتها مؤخراً الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشئون الدولية، وحاضَر فيها نخبة من الأكاديميين المستقلين، الذين حاولوا أن يعرّوا بعض طلاسم الخطاب السياسي لحركة حماس، وتحدثوا عن الصدع المتنامي بين حركة التحرير الفلسطينية والعملية السلمية بشكل عام.
وبعد أن جرى إلقاء الكلمات، فتح مدير الجلسة باب النقاش الذي استهله احد الحضور، وهو من نواب المجلس التشريعي السابقين عن حركة حماس، فتحدث عن فعالية ترسيخ الخوف من خلال استخدام العنف، قائلاً: «لقد أصبح الإسرائيليون في فترة ما خائفين لدرجة أنهم لم يعودوا يشعروا بالأمان، لا في المطاعم ولا في الحافلات ولا في الشوارع، وهذا بحد ذاته يؤدي إلى إفشال جميع المخططات الإسرائيلية».
استوقفتني بسرعة هذه الكلمات التي تتعلق باستهداف المطاعم والحافلات، فكانت ردة فعلي العفوية مقاطعته قائلاً إنه يبدو أن هناك إشكالية لدى الطرف الفلسطيني في تعريف المقاومة ووسائلها. وأضفت أن المقاومة لا تعني القيام بانتهاكات للقانون الدولي أو قتل مدنيين. وما إن انتهيت من هذه الكلمات، وكما كان متوقعاً، انهالت عليّ الاتهامات بأنني أروّج لأيدولوجيا الغرب الاستعماري وبتبني خطاب صهيوني أميركي.
وقال متهمي إن المقاومة بكل وسائلها لا تمثل جرائم حرب كما يحاول الغرب أن يسوّقها، وانه لا يوجد مدنيون في هذا «الكيان» الإسرائيلي. لاقت هذه الكلمات استحسان بعض الحضور الذين صفقوا له، بينما أصرّيت على أن قتل المدنيين، بمن فيهم الأطفال، عمل غير مبرر.
منذ بدء انتفاضة الأقصى، جرت عدة هجمات قُتِل فيها العديد من الإسرائيليين وجُرِح الآلاف، بمن فيهم العديد من القاصرين. استخدمت المنظمات الفلسطينية التي تحمّلت مسئولية هذه الهجمات العديد من الحجج لتبرير هجماتها ضد المدنيين الإسرائيليين، وفي الغالب، كانت الحجة الرئيسية هي أن «كافة الوسائل مبررة في الكفاح ضد الاحتلال».
أما الموقف الآخر الشائع، وخصوصاً بين أفراد كتائب شهداء الأقصى، فهو ذلك الذي يميز بين الهجمات التي تتم في داخل إسرائيل والتي تُعتَبر شرعية، وتلك التي تتم في داخل الأراضي المحتلة والتي يعتبرها البعض غير شرعية. يثير هذا الجدل تساؤلاً حول وضع المستوطنات والمستوطنين في الأراضي المحتلة. هل يحق لهؤلاء الحصول على الحماية الممنوحة للمدنيين في القانون الدولي؟ وهذا بحد ذاته يؤدي إلى إثارة تساؤل آخر أوسع مجالاً: من هو المدني في هذه الحالة؟ وقبل كل شيء، كيف ينظر الفلسطينيون إلى الإسرائيليين وبالعكس؟
القلم مقابل السيف
إلا أن الفلسطينيين ليسوا هم المعنيون فقط بالإجابة عن هذه الأسئلة. تغرق الخطابات والقوانين الخاصة بحقوق الإنسان قرارات مجلس الأمن في التعقيدات والغموض الإشكالي فيما يتعلق بتعابير مثل «الإرهاب» و»المقاومة» و»الدفاع عن النفس» و»المستوطنات» و»الضرورة العسكرية».
إضافة إلى ذلك وفيما وراء القانون ذاته، فإنني أعتقد أنه من الضرورة المطلقة المطالبة بأن يكون القانون الدولي محمياً من الاستغلال السياسي. وهذا أمر مهم بشكل خاص بالنسبة للمجتمعين الإسرائيلي والفلسطيني، حيث سيكون للقانون الدولي مصداقية أكبر إذا ما كانت هناك محاولة جادة لنزع التأثيرات السياسية عن المؤسسات الدولية التي تطبّق تلك القوانين.
يتساءَل حتى الفلسطينيون الذين يتماهون اليوم مع الأعراف والقوانين الدولية عن جدوى تطبيق هذه المبادئ على أرض الواقع. يوجد هناك انتقاد حاد لما يُعتبر أنه دوافع سياسية كامنة وراء استخدام سلطة الفيتو في قرارات مجلس الأمن، والتي يُنظَر إليها في الغالب على أنها تقوض مسار العدالة الدولية. كما يشجب آخرون ما يرون أنه ازدواجية في المعايير عندما يطالب الرأي العام الدولي اللبنانيين أو الفلسطينيين بتبني الأسلوب الأخلاقي أو اللاعنفي في إدارة صراعاتهم بينما لا يتم توقع الشيء نفسه من أطراف الصراع الأخرى.
النقطة التي أناقشها هنا هي وجوب حماية المدنيين، وهي مسئولية تقع على كاهل كافة اللاعبين. لعل التوصل إلى اتفاق حول هذه القضية سيكون أمراً أساسياً في عملية نشر الوعي الفلسطيني بأهمية الأسلوب اللاعنفي والذي يتطلب من المقاوم أن يتبنى المسئولية نحو الصراع بدلاً من اختيار نمط الانتقام وسفك الدماء. من واجبنا أن نفعل كل ما باستطاعتنا لإثبات أن أسلوب اللاعنف هو أكثر فعالية في تحقيق الأهداف والتفاهم بين الناس.
لعله يتوجب علينا تذكّر كلمات الجندي بوريس غروشينكو، الشخصية في كوميديا وودي آلن «الحب والموت»، الذي قال: «تبدو المعركة مختلفة تماماً لهؤلاء الواقعين في وسطها من الجنرالات الواقفين على أعلى التلة».
العدد 3017 - الخميس 09 ديسمبر 2010م الموافق 03 محرم 1432هـ