العدد 3033 - السبت 25 ديسمبر 2010م الموافق 19 محرم 1432هـ

مكافحة الفساد على الطريقة التركية

من المؤكد أن التساهل في مكافحة الفساد الحكومي وعدم اتخاذ إجراءات الوقاية منه، هو وصفة قاتلة لا تحتمل دول المنطقة الوقوع فيها، فهل تجدي الطريقة التركية هنا؟

بادرني جندي حدود تركي في أول رحلة خارج بلدي بكلمة «بخشيش» مطالباً بخمسين دولار، مع زمجرة ذكرتني بالقمع والوحشية العثمانية التي سمعت عنها. كان ذلك في العام 1990.

وبالأمس واجهت مسئولاً تركيا بذكرياتي القديمة تلك والتي جعلتني أعاهد نفسي بألا أسافر عبر البر ثانية إلى أي بلد في العالم، ولاحقاً تجنب السفر كلياً بعد تطور صناعة مكافحة الإرهاب المزعومة في التنكيل بالمسافرين وجعل كل شخص تحت رحمة أهواء موظف صغير ومزاجه المريض أحياناً.

فقال لي إن ذلك انتهى تماماً بعد معالجة أسبابه وهي الراتب الضئيل وفشل حكومة أوزال وقتها في معالجة الأزمات الاقتصادية في تركيا.

وحالياً، بحسب زعم ذلك المسئول التركي لن تتكرر تلك الحادثة بفضل تأمين رواتب لائقة للموظفين الحكوميين.

إذاً، الأمر ليس بجديد ويعرفه الجميع وهو أن «الشبع» هو مطلب أساسي لمكافحة الفساد برواتب لائقة، والجوع هو أحد مبررات الفساد والإفلاس الحكومي الذي يستدعي تدبر الأمر كيفما اتفق بالسلب أو بالنهب أو التنكيل بالناس. وكأن بالحكومة تقول لموظفيها: «تدبروا أمركم بأنفسكم» فالحكومة عاجزة عن «إطعام أبنائها».

تتكبد العديد من الدول العربية خسائر فادحة نتيجة لانتشار هذا النوع من الفساد الذي يلطخ سمعة ذلك البلد وينفر المستثمرين والسياح والزوار وحتى المغتربين من تلك الدول.

ها هو لبنان ينزلق تدريجياً على سلم الفساد مع الأرقام التي وردت في برنامج الفساد على قناة تلفزيون الجديد، حين ذكر مشارك في البرنامج أن سجون لبنان شهدت موت قرابة 50 سجيناً، فيما جرى التعتيم على عمليات اغتصاب جماعي لأحد السجناء؛ فضلاً عن تهديد بالتصفية الجسدية للأشخاص الذين يبلغون عن حالات الرشى والفساد لدى الشرطة (الدرك) كما هو حال مفتش متقاعد في الأمن العام ظهر في الحلقة الأخيرة من البرنامج ليروي معاناته لدى دائرة حكومية اشتكى إليها فنال تهديدات خطيرة من المسئولين الحكوميين وقال، إن انتشار الدعارة والمخدرات وتورط المسئولين فيها تولد الفساد في لبنان.

لا بد إذاً للحكومات التي تنوي فعلاً تجنب السقوط في هاوية الفساد أن تحصن موظفيها من خلال تقديم امتيازات ورواتب كافية تجعل من مغريات الفساد ضعيفة وضارة وتجعلهم يخسرون الكثير في حال السقوط فيه. فهل يتواصل السكوت على رغم أن الكثير على المحك؟ وهل تنفع الوصفة التركية سالفة الذكر في لبنان وغيره من الدول العربية؟ وللعلم لم أدفع لذاك الجندي التركي 50 دولاراً وقلت له لن أدفع بأكثر من لغة، ورمى محتويات حقائبي على الأرض المبللة بالمطر والأوحال

العدد 3033 - السبت 25 ديسمبر 2010م الموافق 19 محرم 1432هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً