ناقشت القمة الاستثنائية لمنظمة المؤتمر الإسلامي والتي انعقدت في مكة المكرمة يومي 7 و8 ديسمبر/ كانون الأول 2005، مسائل أساسية وحيوية عدة تتعلق بحاضر العالم الإسلامي ومستقبله، وخصوصاً في هذه الظروف الصعبة والحساسة التي تعيشها مناطق ودول إسلامية عدة. وتعددت اهتمامات المراقبين لنتائج هذه القمة الإسلامية الاستثنائية تبعا لما عالجته من موضوعات وقضايا. ولعل ما نود أن نركز عليه هو ما جاء في «برنامج العمل العشري لمواجهة تحديات الأمة الإسلامية في القرن الحادي والعشرين»، وما تضمنته «توصيات لجنة الشخصيات البارزة لمنظمة المؤتمر الإسلامي» من نقاط لها علاقة مباشرة بقضايا حقوق الإنسان في العالم الإسلامي. تم التركيز في القسم السادس من برنامج العمل وعنوانه «حقوق المرأة واحتياجات الشباب والعائلة في العالم الإسلامي» على ضرورة تعزيز القوانين الهادفة إلى النهوض بأوضاع المرأة ورعاية الأطفال في المجتمع المسلم، وخصوصاً تعليم المرأة ومكافحة ظاهرة الأمية المنتشرة في أوساط النساء، والاهتمام بالأسرة كنواة أساسية للمجتمع المسلم. لكن القضية المستعجلة هي الإسراع بوضع «العهد الخاص بحقوق المرأة في الإسلام» تطبيقا لإحدى قرارات المنظمة وإعلان القاهرة بشأن حقوق الإنسان في الإسلام. ونود أن نستفسر هنا عن مغزى الإحالة إلى هذا الإعلان في الوقت الذي لا يؤكد فيه المساواة في الحقوق بين المرأة والرجل، وينص فقط على المساواة في الكرامة، فهل يصلح مثل هذا الإعلان ليكون مرجعا لعهد خاص يعترف بحقوق كاملة وأساسية للمرأة أسوة بالرجل؟ لقد أكدت فقرة أخرى في هذا القسم السادس على أن الإسلام كدين «يضمن الحماية الكاملة لحقوق المرأة ويشجع مشاركتها في جميع مجالات الحياة» فيجب أن يعكس العهد الخاص المرتقب هذه الحماية بكل ما تعنيه وخصوصاً أن الإسلام يشجع مشاركة المرأة في جميع مجالات الحياة، هذا من جهة. كما أوضحت توصيات لجنة الشخصيات البارزة «أن المرأة المسلمة تتساوى مع الرجل المسلم من حيث الحقوق التي أعطاها الإسلام»، وفي هذا تعزيز لحقوق المرأة في المساواة والعدالة والكرامة. موضوع آخر يحتاج إلى توضيح هو تشجيع برنامج العمل العشري للدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي على التوقيع والتصديق على «عهد منظمة المؤتمر الإسلامي الخاص بحقوق الطفل في الإسلام»، ولكن لا يوجد، على حد علمنا، أي عهد اعتمدته المنظمة ويتعلق بحقوق الطفل، ما سبق أن اعتمدته القمة الإسلامية السابعة والتي انعقدت في مدينة الدار البيضاء المغربية في ديسمبر/ كانون الأول من العام 1994 هو «إعلان حقوق وحماية الطفل في العالم الإسلامي». وكلنا يعرف بأنه لا يتم التوقيع أو التصديق على إعلان، الاتفاقات والعهود هي التي يتم التوقيع والتصديق عليها فكيف يمكن أن نفسر إذاً ما جاء في هذا البرنامج؟ ولن يكون من قبل تحصيل حاصل أن يشجع البرنامج الدول الإسلامية على الانضمام لاتفاق الأمم المتحدة بشأن حقوق الطفل والبروتوكولين المضافين إليه، واتفاق القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، على الرغم من تصديق وانضمام معظم الدول الإسلامية إلى هذه الوثائق، ولكن يشكل هذا التشجيع برأينا اعترافا بهذه الوثائق وما تضمنته من حقوق وحريات وآليات، ودورها في حماية المرأة والطفل في العالم الإسلامي. كما دعت الشخصيات الإسلامية البارزة المؤتمر الإسلامي لوزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي في القسم الثامن من توصياتها وعنوانه: «حقوق الإنسان والحكم الرشيد»، إلى تأسيس «هيئة مستقلة دائمة لتعزيز حقوق الإنسان» في هذه الدول. إن المنظمة تفتقر إلى مثل هذه الهيئة، والتوصية بتأسيسها خطوة مهمة في مسيرة تطورها، ولكن لا يجب أن يقتصر، برأينا، دور هذه اللجنة على تعزيز حقوق الإنسان فقط، بل لا بد أن تلعب دورها في حماية هذه الحقوق بشكل مباشر وفعّال في الدول الإسلامية. ولكن نجد في هذه التوصية إشارة إلى إعلان القاهرة بشأن حقوق الإنسان في الإسلام، إذ يجب أن تؤسس هذه الهيئة وفقا لما نص عليه هذا الإعلان. ومن جديد يكتنف ما يتعلق بهذا الإعلان الغموض، إذ لم يشر إلى أية هيئة أو أية آلية، لا نستطيع أن ننكر أن موضوع حقوق الإنسان قد حظي بنصيب لابأس به من اهتمامات القمة الإسلامية الأخيرة، ولكنه يبقى من دون تطلعات الكثير من الباحثين والمتخصصين والمهتمين بقضايا حقوق الإنسان في العالم الإسلامي. وتبقى الآمال معقودة أن تطبق على الأقل توصيات القمة، ومن بينها تلك المتعلقة بحقوق الإنسان، ولعل في شخص الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي وسعيه للنهوض بأوضاع المنظمة ودورها ما يدعو للتفاؤل في هذا الخصوص.
العدد 1240 - الجمعة 27 يناير 2006م الموافق 27 ذي الحجة 1426هـ