الاستفزاز من خلال النصوص والكتابة، واحد من النعم الكبرى. نِعَمٌ تدفعك وتحفزك لتفقد امكاناتك ووعيك ومقدرتك على المجاراة... أو محاولة الانتباه الى المساحات المشعة والغامرة من ذلك الاستفزاز.
الساحة البحرينية تضم عددا من الأصوات التي يمكن أن تشكل «رابطة» لحال من الاستفزاز تلك. ولكن يبقى على المرء أن يكون - ربما - وقحا في شفافيته وصراحته حين يتناول أوضاعا جانبية تنتاب هذه الساحة. إذ على رغم ما يبدو انه انقطاع أو ندرة تواصل مع تناقضاتها ومفارقاتها ، فإن نصوصا وصلتني من الشاعر الصديق جعفر الجمري، لكل من الشاعرين عبدالله حماد ويونس سلمان، استفزتني لاجتراح هذه الكتابة، والبدء في محاولة للتواصل في الأيام القليلة المقبلة، من خلال صفحة «ريضان».
ولكي لا أبخس الناس اشياءهم، عليّ الاعتراف بأن نصوص الشاعر حماد - من خلال مجموعته الأولى التي وصلتني من الزميل الجمري - إنْ لم تلفت انتباه أية ساحة خليجية، فيمكن الحكم عندها بأن الساحة تلك تعاني من اضطراب وحَوَل وخَوَر وأراجيف وتمييز لا مبرر له على الإطلاق.
اقرأوا معي:
غيمة من ورا ظهر الشتا تنحرف
سايرت فكرها اللي ما بدت تفهمه
لوّثتْ طهر (طفل) الغيث به يلتحف
خيّبتْ كل ما كان العطش يحلمه
وعاودت بآخر الوسمي شرف يرتجف
تحمل العار (تحفه) للشتا و موسمه
راجعه بخوف واطراف الندامه ترف
تلفظ انفاس تهتف: آثمه... آثمه
المعلومات القليلة التي رفدني بها الجمري تتعلق بتجربة الشاعر حماد، وبيئته، كان لها تأثير على مسار هذه الكتابة... - واية كتابة - تنحو منحى تسليط الضوء على تجربة منسية، أو يراد لها أن تنسى، من خلال طبيعة الممارسة عليها، من بينها أن الشاعر حماد ولد ويقطن في إحدى قرى البحرين (دار كليب) وهي القرية نفسها التي ولد فيها أحد شعراء المعلقات الكبار (طرفة بن العبد الوائلي) وقد قضى ذبحا وهو في العشرينات من عمره. جانب آخر من المعلومات التي رفدني بها الجمري تتصل بموضوع بيئة الشعر، إذ لولا مثل تلك المعلومات لما شككت لحظة بأن الشاعر ينطلق من بيئة أو امتداد له صلة بالقاموس الشعري الذي يشكل واحدا من بُنى التجربة الشعرية، وأعني بها البيئة الصحراوية. تجربة كهذه يجب التعامل معها باحترام وتقدير كبيرين يليقان بإمكانات الرجل ونقاء تجربته. تبدو تجربة الشاعر يونس سلمان، ومن خلال النصوص التي رفدني بها الجمري، متقاطعة نوعا ما مع تجربة حماد، من حيث البنية الاسلوبية واللغوية وكذلك من حيث المضمون، الا أن ذلك لا يبخس من تجربته شيئاً، وخصوصاً إذا ما عرفنا أن سلمان واحد من الأسماء الجميلة الشابة التي تعاونت مع عدد من مطربي الخليج العربي الكبار. قد تكون هذه الاطلالة السريعة على تجربتين - ربما تم انتخابهما من بين عدد من التجارب، وعد بمحاولة الوصول الى بقية الأسماء والتجارب - مدخلا أول للتعاطي بانتباهة نقدية معها خلال الأيام القليلة المقبلة.
أختم: مثلما هتفت الغيمة وهي تلفظ أنفاسها: آثمه... آثمه. أقول إن هذه الساحة تظل آثمة ... آثمة ما لم ترد الاعتبار لكبارها!
العدد 1240 - الجمعة 27 يناير 2006م الموافق 27 ذي الحجة 1426هـ