إن المستقرئ لسيرة الإمام الحسين (ع)، يلحظ صفة مهمة وجوهرية، اتسم بها عليه السلام، حتى دفعت المعادين له والقاصري النظر إلى وسمه بالتهور؛ هذه الصفة هي إصراره على خطه الجهادي والثوري المناهض لبني أمية.
فالإمام الحسين، على رغم تلقيه النصائح والتوجيهات من قبل أفراد عدة، فإنه أجابهم بإجابات مختلفة، تحمل معنى وروحاً واحدة، مفادها بأنه مصمم ومصر على المضي في سبيل الله، فتارة يقول: «شاء الله أن يراني قتيلا، وأن يرى النساء سبايا»، وأخرى يقول: «لقد غسلت يدي من الحياة، وعزمت على تنفيذ أمر الله»، وثالثة يقول فيها جازماً بمصيره الذي لا مفر منه: «كأني بأوصالي هذه تقطعها عسلان الفلوات بين النواويس وكربلاء، فيملأن مني أكراشاً جوفاً وأجربة سغبا، لا محيص عن يوم خط بالقلم...».
فتلك الكلمات تعكس مدى العزيمة والإرادة والتصميم، الذي كان يلابس الحسين للمسير في القتال ونيل الشهادة. فالنصائح كثيرة، والناصحون كثر، ولكن الإمام يرى من خلال استقراء الواقع وفهم لأوضاع المجتمع، وما تنتابه من حالة الفساد والفوضى والفراغ الروحي والعقائدي، ما يحتم عليه أن يتخذ موقفاً مضاداً، ومنسجماً مع الحالة الراهنة في المجتمع، الذي لم تعد تفيد فيه الكلمات التوجيهية والخطب الوعظية. فكأن المجتمع ساورته حالة من الروح المأسورة، التي تخشى الثورة والتضحية حتى في سبيل عقيدتها ومبادئها.
فمثل تلك الروح - في نظر الإمام الحسين - كانت تشكل حالة من القلق، والخوف على مصير الأمة، والدين الإسلامي عموما، في ظل حكم بني أمية المستخف بكل القيم والتعاليم الدينية.
فهؤلاء الأمويون - تجنياً واعتداء على القيم الدينية كما يورد ذلك الجاحظ في رسالة له -ابتدعوا الأنظمة والتقاليد البعيدة عن الإسلام، وذلك في محاولة منهم للتشبه بملوك الفرس والبيزنطيين، فضلاً عن حالة الفساد والإفساد التي أشاعوها في الأمة وتفريق وحدتها وإبعادها عن قادتها الروحانيين، الذين اختارهم الله عز وجل.
إن وضع الأمة الإسلامية في عهد الإمام الحسين وصل من التردي إلى حالة تستدعي حالة أخرى تضارعه في المنزلة؛ لتستأصل الداء، وتتغلغل إلى موطن المرض؛ لتبث حالة من العلاج الروحي الذي يوقظ الضمائر، ويحرك النفوس، وينبه العقول إلى أهمية الانتباه لمستقبلها ووجودها في ظل حكم بني أمية، التي حرَّمت الحلال وأحلت الحرام.
فالحسين (ع) كان يمكن أن يبقى أميراً مصاناً، لو لم يخرج للقتال، ولكنه يدرك - بفضل إيمانه بربه وبصيرته النافذة - بأن مصير الأمة ودينها ومستقبلها سيظل غير مصان، وهذا ما لا يدركه جل الناصحين له بعدم الخروج، إن لم يكن جميعهم.
لذلك نراه يصمم ويصر على الخروج، معارضاً كل تلك الأصوات، عازماً في جهاده على إحداث ثورة حداثية تصحيحية لأوضاع لا تعالجها غير إسالة الدماء والجهاد في سبيل الله.
ولعل الذي يبين بوضوح مدى دقة تفكير الحسين ووعيه ورؤيته العميقة للمستقبل، هو ما أحدثته ثورته تلك من هزات عنيفة زلزلت البيت الأموي، وقوضت كيانه، وجعلت أنظار العالم - على اختلافه من حيث التوجه المذهبي أو العرقي أو الفكري - تتوجه إلى تلك الثورة البسيطة في عددها وعدتها، حتى غدت تحتذي بها، وتتخذها نبراساً لها في تحركاتها النهضوية والتحريرية ضد الطغاة والمستبدين على مر العصور والأزمنة.
ونحن بوصفنا عالما إسلاميا، لا ينبغي أن تمر علينا هذه الثورة والذكرى المباركة من دون أن تجدد وعينا، وتجعلنا نستقي منها أبرز القيم والمثل والتوجهات النهضوية الكبيرة، وخصوصاً أن أمتنا العربية والإسلامية تمر بمرحلة من مراحل الضعف والانهيار والتخاذل في مواجهة العدو الإسرائيلي والأخطبوط الأميركي، اللذين أضحيا يستنزفان المنطقة، ويسيطران على مواطن العنفوان فيها. فالحرب مستمرة على المنطقة من احتلال أفغانستان والعراق إلى محاصرة سورية دولياً، يضاف إلى ذلك الكثير من الاعتداءات والمحاصرات والانتهاكات الدولية التي مارستها أميركا وتمارسها، كضرب مصنع الشفاء السوداني لصنع الأدوية، والاعتداء على قرية باكستانية بحجة مكافحة الإرهاب، ومحاولة تضييق الخناق على إيران؛ لحرمانها من التقنية النووية المشروعة لنهوضها وتطورها، عدا عن محاولة إرباك حزب الله اللبناني لإضعافه وتسقيطه من خلال العملاء الكثيرين، الذين خلقوا وأثاروا فتنة اغتيال رفيق الحريري والفتن الأخرى في لبنان، وكذلك حجز هذا الحزب عن الإمداد والعون المادي والمعنوي الذي يتلقاه من النظام السوري أو حتى اللبناني.
فكل تلك الحالات، وحالات أخرى غيرها، تشي بمستقبل مظلم وقاتم، يتهدد الكيان العربي والإسلامي على حد سواء؛ ليبث فيه حالة من الفوضى والروح المهزومة، التي لا تنتهي من مشكلة إلا وتقع في مشكلة أكبر من سابقتها.
فلا شك أن تلك المشكلات ليست عفوية أو طبيعية، فهي مصطنعة بل وبشكل دقيق ومحكم لحصار الذات العربية والإسلامية وحجزها عن صنع مستقبلها والنهوض من كبوتها. وإلا فماذا نفسر نهوض دول إلكترونياً وتقنياً وصناعياً، كتايوان، وماليزيا، وكوريا، والصين، واليابان؟! إذ إن هذه الدول لا تمتلك الثروة المعدنية والنفطية التي يتمتع بها العالم العربي أو الإسلامي، مع هذا دخلت بقوة ومنافسة في الشراكة الدولية من خلال صناعتها وإنتاجها العلمي والتقني والفني، الذي أصبح ينافس بل ويبذ أحياناً حتى أوروبا وأميركا.
فالعالم العربي والإسلامي - في أيامنا هذه - في أشد الحاجة إلى مراجعة حساباته وتقييم أوضاعه، ومن ثم تصحيحها. وذلك باستعادته لثقته في نفسه، وخلق حالة من الإرادة الجادة والعزيمة الواعية التي نستلهمها من ذكرى الحسين (ع) وأصحابه وأهل بيته، الذين كانوا المثال الرائع في تحقيق النصر على الأعداء.
فلا نفع يرتجى من مجتمع يملك الثروات والخامات والكوادر البشرية الهائلة، وهو - مع هذه الإمكانات - مسلوب الإرادة والعزيمة لخلق وإحداث التغييرات التي ترتقي به وتجعله في مصاف الدول الفاعلة والمحركة للموازين الدولية.
علي خليل إبراهيم
هوية الإمام:
الاسم: الإمام الحسين
اللقب: سيد الشهداء
الكنية: أبو عبدالله
اسم الأب: الإمام علي (ع)
اسم الأم: فاطمة الزهراء (ع)
اسم الجد: النبي محمد (ص)
تاريخ الولادة: 3 شعبان سنة 4 هــ
العمر: 57 سنة
تاريخ شهادته: 10 محرم سنة 61 هـ
محل الدفن: كربلاء المقدسة
الإمام الحسين في عهد أبيه
قضى الحسين 6 أعوام في أحضان جده النبي (ص) تعلم فيها أخلاق جده وأدبه العظيم.
وعندما توفي النبي (ص) أمضي 30 سنة من عمره الشريف في عهد أبيه علي بن أبي طالب (ع) وتألم لمحنته، فوقف إلى جانبه.
عندما تولى الإمام علي (ع) مسؤلية الخلافة كان الإمام الحسين (ع) جندياً مضحياً يقاتل من أجل تثبيت راية الحق. شارك في معارك (الجمل) و (صفين) و(النهروان)..
وعندما استشهد الإمام علي (ع) بايع الحسين (ع) أخاه الحسن (ع) بالخلافة، ووقف إلى جانبه ضد معاوية.
هدف الإمام الحسين من الثورة
أعلن الإمام الحسين (ع) رفضه البيعة ليزيد، لذلك قال الإمام الحسين (ع) في وصيته لأخيه محمد بن الحنفية: «إني لم أخرج أشراً ولا بطراً ولا مفسداً ولا ظالماً، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي محمد (ص) وأبي علي بن أبي طالب (ع)
كان الإمام الحسين يعرف أنه سيقتل في الصحراء مع أصحابه وأهل بيته، ولكنه أراد أن يوقظ المسلمين من نومهم ليعرفوا حقيقة الطواغيت، وأنهم يفعلون كل شيء من أجل البقاء في الحكم حتى لو قتلوا سبط النبي، وأخذوا حرمه سبايا.
من المنتصر؟
لقد اراد المجرمون القضاء على الإمام الحسين، ولكن الله أراد له الخلود في الدنيا والآخرة، وأصبح نصيب أعدائه اللعنة في الدنيا والنار في الآخرة... وأصحبت كربلاء رمزاً للثورة والحرية وأنتصار الدم على السيف.
من كلمات الإمام الحسين المضيئة
- اني لا أرى الموت إلا سعادة والحياة مع الظالمين إلا برما.
- هيهات من الذلة.
- الناس عبيد الدنيا والدين لعلق على ألسنتهم يحوطونه مادرت معاشيهم، فإذا محصوا بالبلاء قل الديانون.
- قال لابنه زين العابدين (ع): أي بني إياك وظلم من لا يجد عليك ناصراً إلا الله عز وجل.
- إن قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار وإن قوماً عبدوا الله رهبة فهي رغبة العبيد، وإن قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار وهي أفضل العبادات.
يوم عاشوراء
هو اليوم العاشر من المحرم، وكان يوماً عادياً لا يحتفل به أحد، وعندما استشهد سيدنا الإمام الحسين (ع) في هذا اليوم سنة 61 للهجرة أصبح مناسبة كبرى يحتفل بها المسلمون في كل مكان، ويجلسون للعزاء والبكاء على شهداء كربلاء.
وكانت كربلاء صحراء لا يسكنها أحد، فأصبحت بمرور الأيام مدينة كبيرة ومركزاً من مراكز العلم والدين.
في مصر أعلن «الفاطميون» يوم عاشوراء عزاء عاماً تتعطل فيه الأسواق، إذ يتجمع الناس عند مرقد السيدة زينب للبكاء وذكر مصيبة عاشوراء.
وفي إيران أمر «معز الدولة الديلمي» بأعلان يوم عاشوراء عطلة رسمية في البلاد.
وهكذا أصبح المسلمون يحتفلون في عاشوراء في مصر وإيران والعراق والهند وغيرها من البلدان الاسلامية، ولاتزال ذكرى عاشوراء تتجدد عاماً بعد عام.
وفي إيران استلهم الشعب تضحيات سيدنا الحسين (ع) وقام بثورة كبرى أطاحت بالنظام الفاسد وأقامت النظام الإسلامي.
فاطمة السيد هادي الموسوي
العدد 1252 - الأربعاء 08 فبراير 2006م الموافق 09 محرم 1427هـ