العدد 1253 - الخميس 09 فبراير 2006م الموافق 10 محرم 1427هـ

نحو منهج للحركية الإسلامية لا يكرس العنف (1-2)

أججت هجمات الحادي عشر من سبتمبر/ أيلول على مركز التجارة العالمي ومقر وزارة الدفاع الأميركية البنتاغون في مدينتي نيويورك، وواشنطن أججت، من جديد المخاوف من التوسع الإسلامي التي سادت العصور الوسطى وما تخللها من حملات صليبية. إن تصاعد موجة التطرف الإسلامي ردا على الحملة الأميركية المتواصلة على ما تسميه واشنطن بالإرهاب، قد جعل الإسلام للأسف مرادفا للإرهاب.وقد تجاهلت هذه المغالطة خيرية الإسلام وأخلاقياته التي ألهمت المسلمين في جميع أنحاء المعمورة العمل الدائم على نشر السلام والعدل فحسب، بل تجاهلت كذلك حقيقة أنه لا يوجد مجتمع متدين في العالم يخلو تاريخه من العنف المدفوع بالدين. فحتى البوذيون الذين يُنظر إليهم على نطاق واسع على أنهم مسالمون دعموا صراع التاميل ضد الحكومة السنهالية في سريلانكا والنظام العسكري القمعي في ميانمار (بورما).

ومن أجل تصحيح هذه المغالطة، يتعين أن نفهم المصدريْن الرئيسيْن للتشريع الإسلامي وهما القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة قبل أن ننظر إلى الكيفية التي تفسر بها الجماعات الإسلامية المختلفة نصوصهما بما يتوافق لديها والواقع الجغرافي السياسي في الوقت الحالي. ما هو المبرر الديني الذي تسوقه الجماعات أو الأفراد ذوو التوجهات الإسلامية للدخول في أعمال عسكرية أو شن أي نوع آخر من أعمال العنف؟ والأهم من ذلك ما هي الحجج أو الأسانيد أو المواقف التي قد تمنعهم أو على الأقل تحد من لجوئهم إلى هذه الوسائل العنيفة؟

استراتيجيات الحركة الاسلامية

يبدو بوضوح أن الفكر الديني ليس الدافع الوحيد للعنف وشن الحرب في هذه الحالة. فالاستراتيجيات التي تتبناها الجماعات الإسلامية التقليدية تترواح بين المهمات السلمية إلى الحركية السياسية والتمرد وصولا إلى الكفاح المسلح والإرهاب. وكانت عوامل الجغرافيا السياسية والجيوستراتيجية دائما القوة الدافعة الأكبر وراء لجوء جماعة إسلامية إلى العنف. ومن الأمثلة على ذلك الإخوان المسلمون في مصر والجماعة الإسلامية في باكستان اللتان كانتا في الأصل جماعتين سياسيتين إلى أن أدى القمع المتواصل لهما إلى لجوء بعض أتباعهما إلى العمل المسلح. ويؤيد هذا المثال حجة جونل. إيبوسيتو بأن الراديكالية الإسلامية والتطرف لم ينشأ على أساس تعصب ديني فحسب بل نتيجة إحباط وغضب من السياسة الأميركية. ويؤيد هذا الرأي بشدة أيضا أوليفر روي. كما أن لوجهة النظر هذه مثيلا في المسيحية. فهل هناك من تغيير أيديولوجي يمكن أن يدفع ريفريند مايكل براي وأنصاره من مهاجمة عيادات الإجهاض في الولايات المتحدة مثلا؟ ربما لا.

دور الايديولوجية

لكن ذلك لا يعني أن الأيديولوجية لا تلعب دورا في دفع الناس إلى القيام بأعمال عنف أو تجنبها. فالأيديولوجية، كما يرى تيد روبرت غور، «تحدد وتفسر طبيعة الموقف». والأيديولوجيا تسوّغ توفير الدعم وتمنطق استخدام الاستراتيجة سلمية كانت أم عنيفة. في المسيحية، وفي العقل الغربي عموما تمثل نظرية الحرب العادلة المبرر الأخلاقي الرئيسي لأي عمل عسكري أو أعمال عنف، استنادا إلى سلسلة طويلة من كتابات الفلاسفة ورجال اللاهوت المسيحيين. وأحيانا خلُص أصحاب نظرية الحرب العادلة إلى أنه بالإمكان اللجوء إلى الحرب من أجل قضية عادلة شريطة الالتزام بمجموعة من المعايير الصارمة وثيقة الارتباط ببعضها البعض مثل القضية التي من أجل تُشن الحرب والنية من وراء شن هذه الحرب والسلوك أثناء الحرب والنتيجة المتوقعة لهذه الحرب.

المبرر الأخلاقي للكفاح المسلح في الإسلام

تشدد جميع الآيات القرآنية التي تناولت المنازعات والاضطهاد والظلم على أفضلية الوسائل السلمية على الحرب والعنف في تسوية هذه المنازعات. يقول تعالى «ولا يجرمنكم شنئان قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا، وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان» (المائدة: 2). وبالمثل فإن الله عز وجل يأمرنا أن نفعل ما بوسعنا لتجنب الحرب والعنف، إذ يقول في محكم كتابه «ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم» (فصلت: 34)

لكن لابد من التأكيد على قدر التفاوت الكبير في فهم المسلمين لهذه الآيات، والذي نحاول إجماله في فئتين رئيسيتين: الحرب الهجومية، والحرب الدفاعية، أو المنهج الحازم والتصالحي.

ابن تيمية

ومن أبرز مؤيدي المنهج الأول الإمام تقي الدين بن تيمية المتوفى العام 1328 م. والذي تبعه فيه أناس مثل حسن البنا وسيدقطب وعبدالسلام فرج وأبوالأعلى المودودي وآخرون. إذ آمن هؤلاء أن الحرب الهجومية والدفاعية مشروعة مستشهدين في ذلك بالتاريخ الإسلامي عندما كانت الحرب وسيلة لإقامة الدولة الإسلامية في دار الكفر. ومن ثم كان لزاما على المسلمين خوضها انطلاقا من مبدأ «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر». وخصوصاً لدى وجود سلطة مستقرة للحاكم المسلم في دار الإسلام

العدد 1253 - الخميس 09 فبراير 2006م الموافق 10 محرم 1427هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً